تحدثنا في الجزء الأول من الموضوع عن مفهوم الحوار, والفرق بينه وبين كل من المناظرة والجدال، وكان الهدف من ذلك هو تقييم أنفسنا، عما إذا كنا من المتحاورين أم المتناظرين أم المجادلين في أحاديثنا مع الآخرين، كما تحدثنا عن دوائر الحوار, والمتمثلة في الحوار مع النفس ومع الأسرة والأصدقاء ومع المجتمع، وفي هذا الجزء سنتناول أهمية الحوار وآدابه.
أهمية الحوار:
1- التفاهم: ويقصد به أن الحوار وسيلة ناجعة لتحقيق التفاهم والتناغم بين الأطراف المتحاورة، بهدف تبادل المصالح وتحقيق المنافع لهذه الأطراف، خاصة وأن الحوار مبني على تبادل الأفكار بينهم من أجل الوصول إلى حل مشترك يرضي الجميع. ولذلك فإن الحوار له أهمية كبيرة بين الزوج وزوجته، وبين الوالدين وأبنائهما من أجل تحقيق التفاهم, ومن ثم الترابط والتماسك بين أفراد الأسرة، مما ينعكس بدوره على المجتمع.
2- التقارب: الحوار يحقق التقارب بين النفوس من خلال الاتفاق على أهداف مشتركة تحقق الرضا والقبول بين الأطراف المتحاورة مما يؤدي إلى التآلف فيما بينهم، كما أنه يروض النفوس ويحولها من أنفس متمردة إلى نفوس يسهل التعامل معها والوصول معها لنقاط اتفاق، وللعلم فإنه إذا فشل الحوار في هذه الحالة فإن القطيعة تحدث لا محالة.
3- الإقناع: إن اقتناع أحد الطرفين بوجهة النظر الأخرى في حالة تقديم البراهين والأدلة على صدقها يوصل الطرفين إلى مرحلة التواؤم، مما يسهل عملية تعديل السلوك، فعندما جاء شاب إلى النبي صلى الله عليه وسلم يطلب الإذن بالزنا، لم ينهره النبي صلى الله عليه وسلم وإنما تحدث معه بالعقل والمنطق والإقناع حينما سأله: “أترضاه لأمك؟ أترضاه لأختك؟ …إلخ)، وعندما اقتنع الشاب بأن هذا عمل غير صحيح، تعدل سلوكه.
4- معالجة نفسية: الحوار له دور فعال في تخفيف مشاعر الكبت حيث يتيح للشخص أن يفصح للآخر عما يدور بخلده وما لديه من أفكار وآراء، وما يشعر به، مما يؤدي إلى تحرير النفس من الصراعات والمشاعر العدائية، فحينما تتكون في الذهن صورة ذهنية سلبية تجاه طرف ما, تتولد نتيجة هذه الصورة السلبية مشاعر عدائية، والحوار هنا يعالجها، ولذلك حرص الدعاة المسلمون على تصحيح الصورة المشوهة للإسلام والمسلمين من خلال عقد الندوات والمؤتمرات التي تدعو إلى الحوار والتعرف على الإسلام ومبادئه.
كما يعد الحوار وسيلة قوية للتغلب على الخوف والقلق، وخاصة الخوف من التحدث أمام الجمهور؛ فتعود الشخص على الحوار وتبادل الأفكار وطرح الرؤى ومناقشتها يساعده على اكتساب الثقة بالنفس وبنائها بناءا سليما، وهذا يمكنه من مواجهة الجمهور والتحدث بطلاقة دون خوف أو خجل.
5- قبول النقد واحترام الرأي الآخر والقبول به في حال تقديمه للأدلة والبراهين التي تثبت صوابه.
أداب الحوار
1- عفة اللسان: على المتحاور أن يستخدم الألفاظ المهذبة في حديثه مع الطرف الآخر، وأن يبتعد عن الإساءة والتجريح حتى ولو بالتلميح، فلقد قال المولى عز وجل في كتابه الحكيم “وقولوا للناس حسنا” (البقرة 83)، ويأتي هذا في إطار الدعوة إلى الحوار بالحسنى وباستخدام اللين والألفاظ الحسنة.
2- الإنصات إلى المتحدث: وهي مهارة تأتي بالتدريب والممارسة، حيث ينبغي على المحاور أن يتمتع بهذه المهارة المهمة, والاستماع يختلف عن الإنصات فالاستماع هو تمرير الصوت على الأذنين دون الانتباه والتركيز معه، أما الإنصات فهو أكثر تركيزا من الاستماع، حيث تركز وتنتبه لما يقال وتحدد الأهداف من الفكرة المثارة وتحللها، ولقد قال المولى عز وجل في كتابه الحكيم “وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون” (الأعراف 204).
كما أن مهارة الإنصات لا تقتصر فقط على أن تنتبه لما يقال، بل أيضا ألا تقاطع المتحدث، وأن تنتظر حتى ينتهي من فكرته، وبعد أن تتأكد من أنه قد أنهى كلامه، تبدأ أنت في الحديث، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة حينما أنصت إلى حديث عتبة بن ربيعة معه، وبعد أن أتم عتبة حديثه، سأله النبي صلى الله عليه وسلم “أفرغت يا أبا الوليد؟” وذلك للتأكد من أنه قد أنهى فكرته.
3- التواضع: وهي سمة مهمة ينبغي أن تتوفر في المحاور الجيد، وكما سبق وأن بينا أن هدف الحوار هو تبادل الأفكار والآراء للوصول إلى حل يرضي الطرفين، والتواضع يسهل من إتمام الحوار بشكل ناجح، أما التكبر والنظر إلى الآخر بفوقية فإنه يُفقد الحوار معناه ويخرج عن إطاره الصحيح مما يؤدي إلى فشله وعدم تحقيق الهدف منه.
4- الهدوء أثناء الحوار وعدم الانفعال: في بعض الأحيان نجد أن المحاور يتفاعل مع الفكرة التي يؤمن بها ويعرضها بشكل يظهر فيها تعصبه مما يؤدي إلى اختلال اتزانه الانفعالي وبالتالي يظهر بمظهر الغاضب، وهذا يضعف من قيمة الحوار. ولذلك علينا كآباء ألا ننفعل في حديثنا مع أبنائنا وأن نحاورهم بأسلوب هادئ ومتزن حتى نستطيع إقناعهم بما نقول ومن ثم نحقق الهدف من الحوار.