عدت لمقاعد الدرس!! فالعام وماتلاه علمني، أنني واهم جامح بسبب الجهل، نعم عدت لمقعدي الطبيعي بين الطلاب، دعوني أتعلم.
أخبرتكم مرة أننا سنحتفل بإطفاء شمعة أولى لحرب اليمن 2015 ، وقد حدث. فما من منتصر في الحرب، سوى مصالح الساسة التي هي تدار خلف تلك الغرف المغلقة.
أخبرتكم حينها أيضًا أن من بدأ الحزم لن يصنع الحسم، فالحسم في معارك السياسة القادمة من الخارج لأثبات شرعية ما، تحتاج إلى قرار هو تجاوز الداخل، هو ببساطة بسط نفوذ القوات المسلحة والأمنية للطرف المتدخل، وهذا لم يتم لأن هذا لم يكن ضمن اطار التدخل، بمعنى أوضح أن الحسم هنا لفرض الشرعية يحتاج إلى قوات احتلال لبسط النفوذ والأمن في المنطقة المراد السيطرة عليها، أما الاعتماد على تشكيل ألوية أهلية من المجتمع فكأنك تشكل ميليشيات في مواجهة المليشيات، وبالتالي ما حدث في أفغانستان وسوريا وليبيا هو الطريقة التي رسمت في كسر قوة الخصم.
المليشيات التي تتشكل أو بالأصح المقاومة المسلحة التي شكلت ليست على قلب رجل واحد، كلنا يعلم الآن ان تحرير عدن كان بقرار واتفاق، وبقوة ومعدات كبيرة أمام بضع مئات من القوات المتمردة، كان الأمر سريعًا، ونصرًا يثبت أن العدة والقوة يمكن أن تُحدث التغيير الفوري، لكن الخطر التالي هو ان كميةً ليست بالهينة من تلك المعدات وصلت لأطراف متعددة، منها من اندمج مع قوات الجيش النظامي حديث التشكيل، ومنها من لم ينضوِ، والأخطر فيمن لم ينضو وخاصة ممن ينتمون لفكر القاعدة، أو أيا كان ما نسميه. وفي خفايا الغرف حديث طويل عن تلك الأسلحة التي سُربت أو سُلمت لأولئك, بدون تأمين من طرف من أطراف الحكومة او التحالف .
تتالت الأحداث في عدن، رسمت بصورة واضحة أن حكومة الشرعية لم تكن تمتلك أي رؤية واضحة لما بعد الحرب، بل صارت حكومة مهاجرة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، سعت الجهود الأخيرة لإعادة بلورة ورسم صورة إيجابية عن الحكومة ورئيسها في التدخل الأمني في المنطقة الشرقية لعدن، أيام ثلاثة، نظر الجميع، اختفى شباب القاعدة، بل عادوا لرشدهم، ابتسم الناس، لماذا لم يكن ذلك سابقا؟!. صحيح !.. الأهم أن لا سلاح من الأسلحة التي تمتلكها تلك العناصر استردته الحكومة، لا سلاح وخاصة الأسلحة النوعية؛ الآليات العسكرية، وصواريخ حرارية، تخيل لا سلاح تم استعادته، اذن هو هدوء, لا سيطرة أمنية، هدوء من طرف آخر لا يريد أن يؤذي أهل المدنية ربما، أو لديه أبعاد أخرى، …. لذا فالجمر لم ينطفئ، الجمر مازال تحت الرماد.
وفي الغرف المغلقة يتحدثون عن تلك الجمرة الخبيثة!
تعز الدامية .. والإصلاح
في جبهة أخرى؛ تعز الدامية، ما تم تدميره في تعز أضعاف ما تم في غيرها، والدماء التي سُكبت عشرات أضعاف ما حدث في غيرها، تعز أصبحت مجزرة لطرفين؛ لأهلها؛ وبالتحديد لجبهة الإصلاح ومن يساندونهم، وللحوثي من جهة أخرى، وفي أفضل الحالات ما يقدم من دعم لوجستي وعسكري لتعز ولمقاومتها إلى الآن، هو ذات الدعم الفتات الذي قدم في الشهور الأولى للحرب في عدن ولمقاومة عدن وبلا مزيد، وحتى معارك النصر الأخيرة التي في تلك المحافظة، بنيت على أساس فك الحصار، وبدا وكأنه اتفاق، ولم تهنأ تعز بالمزيد، لأن أطرافًا في تلك المعركة وفي قلب التحالف، لا تريد ان تقدم لتعز ما قدمته لعدن أبدًا، رؤية مختلفة، سياسة مختلفة، ربما أريد لتعز ان تكون محرقة في تلك الحرب. وليبتسم الجميع فإنها السياسة، لو تحققت إرادة التحالف في تحرير تعز لتم في أقل من أسبوع.
هناك شيء ما لكننا نفهم اننا لسنا في تلك الغرف المغلقة.
في غمرة هذا كله كان الطرف الشريك في المعركة؛ الإصلاح والسلفيون، هم أكثر من يتلقى النقد والهجوم، وبصورة كبيرة من إعلاميين في الداخل والخارج، والتشويه تلو التشويه، في البداية لم تمس السلفية رغم أن هناك أطرافا قاتلت معهم ينتمون لهم فكرا, وليسوا من اليمن أصلا, طبعا ولا من جنود التحالف، فسرنا الأول لأنه يمثل الإرهاب!!، فهو يمثل جماعة الاخوان!! ، والآن الهجوم على الثاني وخاصة بعد بروز تحركات القاعدة، والسبب أن فكره ينتمي لفكرهم، والآن هناك تشويه لصورتهم، ومن الحوادث الغريبة مثلا في مقتل الشيخ العدني قيل في التحريات أن أحد القتلة هو شيخ جامع سلفي، لماذا تمت الإشارة إلى هذا الأمر؟ هل هو فعلا أم …ماذا بعد هذا؟. في المقابل كأن هناك اتفاقا من نوع ما مع الطرف الأول، حيث نجد انه يتحرك ليسيطر على اغلب المعسكرات في الجبهة الجنوبية.
هناك دائما شيء نجهله في تلك الغرف المغلقة.
نجحت الحرب في تحديد أولوياتها بصورة قوية، ورسمت خطوات محددة لما تريده قوى التحالف والأطراف المتنازعة، فأصبح الأمر في إعلام المملكة كأنه القصيدة؛ تلك الحرب الدامية هي لحماية حدود المملكة، فقط نتذكر أن الامر مختلف وأن هناك تحالفا مع الشرعية اليمنية في الإعلام الفضائي التابع للتحالف أيضا..لا تستغرب! ما يمكن اثباته أيضا أنه تم تحطيم قوة الحوثي العسكرية، لكن في المقابل أعطيت للحوثي قوة سياسية واقتصادية لم يكن ليحلم بها قبل تلك الحرب. شيء بشيء.
ومازلنا نجهل ما يدور في تلك الغرف المغلقة .
طرف آخر ما زال يصرخ، نريد حق تقرير المصير، خلال شهور وضع بأيديهم كل ما يحتاجونه، لم يكن لديهم أيضا أي رؤية سياسية ولا اقتصادية ولا تنموية، ولأن خلافهم بينهم أكبر من خلافهم بين الآخرين لم يصلوا لاتفاق، فكان أن كان…والآن وضحت الصورة، فتنازلت بعض القيادات، ووضعت نفسها تحت راية التحالف، وبالأصح تحت راية شرعية هادي، وتحت بند الاتفاق 2216 فاصبحوا جزءا من حكومة الدولة الموحدة، كانت الناس في صدمة بين مصدق ومكذب، فمن 2007 وحناجرهم تطالب بالحقوق، ثم جاء 2009 وانضمت قيادات بارزة لتلك الأصوات، ويمر العام تلو العام، ولم تهيء تلك القيادات قيادات جديدة واعية، لم يتم صرف ولا مليم على تطوير قدرات القيادات الجديدة على العمل السياسي، بل ظلت تدور تلك القيادات في المنفى بحثا عمن يدعمها، كانت مستعدة لأن تقبل أن يدعمها إبليس لتحقق كلمتها (فك الارتباط ) ولم تفكر يوما في (فك الاعتباط ) والبدء في رسم صورة حقيقية للأجيال القادمة، لم يكن لديهم وقت ليقدموا وماذا بعد الفك؟ … هي نفس الأخطاء التي ترتكبها حكومة الشرعية وماذا بعد تنفيذ القرار 2216؟
للأسف الجميع يتعامل مع الشعب وكانه شعب الستينيات من القرن الماضي، والكل ينتظر الجميع أن يصدق أن الحرب قامت لعيونه، ومن أجل خاطره، وهو يرى الدماء التي سكبت انهارا، والأطفال الذين يتموا، وتلك الصرخات الحمقاء من اعلام التهريج في العداء للآخر أو الموت للجميع. تتعمد نشر الكراهية والخرافات عن الماضي. فقط دعونا نصدق ألا نصدق كل ما يأتي من إعلام التهريج .. دعونا نبحث ونتأكد.
ففي الغرف المغلقة أشياء لابد ان تنشر.
في غمرة تلك الانفعالات يتحرك وفدٌ حوثيٌ الى لقاء في “أبها” مع اللجنة الأمنية السعودية والتي كانت تحضر اللقاءات التي سبقت في سلطنة عُمان، السلطان كان أذكى الجميع، فجأة توقفت العمليات العسكرية في الحدود بين المملكة واليمن، وفجأة حدث فك حصار سريع عن تعز، وفجأة بدأت عمليات نزع الألغام، وفجأة قيل إن حكماء القبائل في اليمن والمملكة هم من رتب الاتفاق، والصورة ان هناك امرا مختلفا يدار.
ومازلنا خارج الغرف المغلقة.
أعد حزب المؤتمر حشده الأضخم منذ حشود 2011 في شاررع السبعين كما العادة، لكن الأمر مختلف الآن، لم يكن قبل عام قادرًا على حشد مماثل، يومها كان الجميع بل الأغلبية مع العاصفة، إلا أن العاصفة أرهقت الجميع، فصار الجميع يبحث عن البطل، وهذه إحدى عيوب الحرب التي يقودها الغباء.
اكتسب حزب المؤتمر المزيد من القوة، الحزب الوحيد الذي يحمل عباءة العمل السياسي بعيدا عن العنصرية والدين، في المقابل هناك حشد آخر لم يكن للمقاومة او أحزاب اللقاء المشترك بل للحوثي، جعل الأمر وكأن هناك اختلافا بين الطرفين، به جانب صحيح وآخر ليس كذلك، الحشد الآخر حشد متواضع لأنصار الحوثي في منطقة النهضة، متواضع مقابل حشد المؤتمر، بما يؤكد أن الناس لا تقبل الهرج الديني .. وفي المقابل أيضا تجمعات احتفالية في مسارح مغلقة؛ عدن، تعز، مأرب، يحتفلون بالعاصفة، وتتصدر تصريحات هادي بأن اليمن صار أكثر أمنا، وبحاح يعلن أن الجميع صار مستعدا للسلام.
هناك أمر ما يدار في تلك الغرف المغلقة.
حشد المؤتمر وحشد الحوثي مختلفان في التوقيت، صباحا للأول ومساء للثاني ، وفي مكانين مختلفين، وفي ظل بروز واضح لقوات الحرس الجمهوري. هناك رسالة من المؤتمر أنه ليس مع الحوثي في توجهه الديني أو السياسي، بل كان الأمر واضحا في مقال الدكتور سيف العسلي العودة للشرعية الدستورية، الرسالة التي يريدها المؤتمر من البداية في انهاء مهزلة الحرب، العودة للبرلمان وللدستور الحالي، لكنه لا ينتمي لنفس التيار. رسالة أخرى أهم، صنعها ظهور صالح المفاجئ حتى لمن هم في المنصة، هذا الذي خسر كل رصيده في فترة سابقة، كسب من الحرب ما خسره في الجدل والعبث السياسي السابق خلال خمس سنوات، ساهم التحالف في تقديم هذا له على طبق من فضة، بقصد أو بدون قصد، في البدء عندما دمر منزله، وهذا تصرف لا يعبر عن أداء عسكري ذكي، بعده استغل صالح هذا فزاد من شعبيته، هو الوحيد الذي صمد بين قيادات أخرى، فرت، وهو الآن يحتمي بأفراد من شعبه ومن كل المحافظات تقريبا، في مقابل طرف مازال في حماية عناصر اجنبية، حتى في احتفالات سابقة في عاصمتنا المؤقتة عدن لم يخرج بين الجموع .. رسالة ربما تحرج الأصدقاء نعم! إلا أنها تحرج الخصوم بصورة أقوى، رسالة أخرى؛ أراد ان يقول إنه المنتصر. لم يكن احد ليهتم بالحشد، ابدا كان سيمر مرور الكرام، لكن ظهور صالح المفاجئ، جعل الجميع في حالة ذهول .. أنه الرجل الأقوى الذي عليكم ان تتفاوضوا معه، دهاة الساسة العرب الأحياء قلة في هذا العصر.
لا تستغرب مازلنا نجهل ما يحدث في تلك الغرف المغلقة.
العمليات الانتحارية هي الحادث الأبرز التي تنقله لنا المدينة الحزينة عدن, بل وينقله العالم لنا، هناك رابط عجيب بين تفجيرات بروكسل الأخيرة، وتفجيرات عدن، هناك رابط ما، لست محققا محترفا. بل والرابط العجيب يعود بنا لأحداث باريس في العام المنصرم والتي وجهت ضد حرية الإعلام، التساؤلات كثيرة وهي تمر في أذهانكم جميعا، وهي جميعها تؤكد أن هناك خلفية مخابراتية رسمية أو غير رسمية، ترتب، تخطط، وبأيدي غيرها يتم التنفيذ… هناك جهاز أوسع، يدار بأيد خبيثة، وتأكد أن السياسة لا يوجد فيها عمل عشوائي. لذا تأكد أن هناك شيئًا يدور خلف تلك الغرف المغلقة .
الآن الجميع في انتظار…
اليمنيون وممن حولهم …
الجميع ينظر باتجاه الكويت، وللكويت حكاية مع أحداث اليمن منذ الستينيات، ولأن الحكاية في الكويت قد تنتهي فلابد من المرور على ” لماذا الكويت؟ “
الكويت .. صباح الأحمد الجابر الصباح.
للإشادة أولا أن المسيرة الإنسانية في القرن العشرين في الشرق نبعت بحق من الكويت، لا مجاملة في هذا ولا محاباة، هي تلك الصامتة التي تعمل بهدوء، وتبذل العطاء بيسر ومحبة، لا منا ولا تفضلا ، بل تظن ذلك واجبا ودينا.
اليوم نرى لمسات الكويت تحنو على أبناء اليمن، في كل مناطقه، ليس جديدا عليها، إنما هي تؤدي شيئا علمته لنا، ليس من المستغرب أن تُمنح الكويت صفة (المركز الإنساني العالمي) بشكل رسمي من الأمم المتحدة في يناير 2014 ، وسام تستحقه الكويت من زمن طويل.
البداية مع الشيخ صباح عند تعيينه في العام 1955 رئيسا لدائرة الشئون الاجتماعية، وعقبها مباشرة 1957 تعيينه في دائرة المطبوعات، برزت القدرة العالية في العمل الإنساني والاجتماعي والإعلامي. جاء الاستقلال في 1961 ليبرز الرجل الذي يعي دور الاعلام في تنمية المجتمع، ومن موقعه الجديد القديم وزيرا للإرشاد والأنباء، قفز الاعلام والصحافة الكويتية والعربية من نبع الكويت. لم يمض وقت طويل؛ مجرد عامين ليصبح وزيرا للخارجية ورئيسا للجنة المساعدات الخليجية ليضع بصمة الكويت الإنسانية في عموم الخليج العربي ممتدا إلى اليمن جنوبا وشمالا، منتقلا عبر البحر الى افريقيا.
ماذا قدم ؟
ركز على ان العمل الحقيقي في بناء الانسان، ومن بناء وتأسيس المدارس ودفع مرتبات المعلمين، وانطلاقا بتأسيس الجامعات، شهدت له إمارات الخليج جميعها، جعل من دبي انطلاقةه عبر افتتاح مكتب تنسيق للعمل الاجتماعي والإنساني يشرف عليه بصورة مباشرة، منتقلا الى الشارقة ليؤسس اذاعتها، ومنها تنتقل لمساته الى اليمن, ثم برز بقوة في عمله السياسي، فكان أحد صانعي المصالحة الوطنية في اليمن 1966 بين الجمهوريين والملكيين، من صنعاء يشاركه القاضي الارياني، برز لاحقا في المصالحة بين اليمن الجنوبي والشمالي بعد أحداث الحدود 1972م ، وساهم في التسوية بين السلطنة واليمن الجنوبي في اتفاقية المبادئ التي انهت الخلاف بين الجنوب والسلطنة 1980 م . واليوم هو الأبرز لاختياره لدور السلام، إنه تكريم تاريخي واشادة واضحة للكويت، وازاحة لما تلى أحداث غزو الكويت من قطيعة .
صناعة السلام لليمن دائما، كما ساهمت في صناعة المثقف اليمني، كل خريجي جامعتي صنعاء وعدن ينظرون بامتنان لتلك الدولة . لهذا أكرر أن لا عشوائية في العمل السياسي.
ودائما في تلك الغرف المغلقة أشياء لا نعلمها.
في انتظار 18 إبريل ولقاء الكويت، وربما نهاية حرب اليمن التي خططها الاذكياء، ونفذها الحمقى، ومات فيها الأبرياء.