أزمة دير وادي الريان وعين تواضروس الحمراء!

“نزولكم يوم 30 يونيه أعاد لمصر مسيحيتها المفقودة.. اشترطنا أن تعرض علينا المناهج الدراسية ونحذف منها ما يعارض معتقداتنا.. عودة مرسي والإخوان للحكم لازال قائما وسينسف كل ما اكتسبناه”

تلك كانت أهم تصريحات البابا تواضروس الثاني، بطريرك الكنيسة الأرثوذكسية المصرية، أحد الأضلاع الأربعة للانقلاب العسكري، في عيد ميلاده الواحد والستين وهو اليوم الذي تمت فيه محاكمة الرئيس محمد مرسي، وكان القس “فلوباتير” قد صرح بأن الكنيسة هي من حددت موعد محاكمة مرسي، ليتزامن مع عيد ميلاد “تواضروس”، وكأنها هدية العسكر له بهذه المناسبة.

على خطى “تواضروس” الذي لا يكل ولا يملّ في ترديد مقولة :” مصر دولة مسيحية ويجب أن لا تترددوا في ذلك الآن”، تأتى خطوات الراهب “بولس” الذي طرد محافظ الفيوم ووفد حكومة الانقلاب، بينما “تواضروس” يقف ويراقب من بعيد، مستمتعاً بمشهد إذلال دولة العسكر، مطلقاً تصريحات مجاملة من حين لآخر، وليثبت أن كنيسة الانقلاب فوق القانون، وفوق رقاب عبيد البيادة.

كسر عظام!

وفي واقعة حية لتكسير العظام، ذهب وفد السيسي في زيارة قيل عنها إنها “مفاجئة”، وضم الوفد محافظ الفيوم ومدير الأمن بها، وذلك لمقابلة رئيس دير “وادي الريان” الأنبا مكاريوس، من أجل إعلان إذعان سكان الدير لقانون جمهورية العسكر، باعتبارهم أحد رعايا انقلاب 30 يونيو، وعبثاً حاول وفد السيسي التفاوض الودي مع الرهبان، لاسترداد أرض الدولة من أجل البدء في شق الطريق الدولي الذي يريط الساحل الشمالي من الضبعة إلى أسيوط، ودار حديث بينهم وبين الأب مارتيروس وذلك منتصف ليلة الأربعاء 16 مارس الجاري.

وفوجئ وفد السيسي بعصبية الراهب “بولس”، وكيل الدير وعدد من الرهبان يالذين اعترضوا على وجود وفد السيسي بدون موعد مسبق، ما اعتبره الرهبان تهديدًا لهم للتخلي عن الأرض التي سرقوها منذ 1980، فأعلنوا رفض مقابلة وفد السيسي، ورفض أي تفاوض يخص رد الأرض المسروقة ومساحتها 13 ألف فدان.

ووصل الأمر إلى حد طرد وفد السيسي مصحوباً بـ”سب الدين” والشتائم، وخرج المحافظ ومدير الأمن يجران أذيال العار والخيبة والفشل، وأحرق “رهبان تواضروس” لودر تابع لشركة المقاولين العرب، أثناء محاولة هدم السور المحيط بمساحة الأرض التي استحوذ عليها الدير.

 دير وادي الريان

الشعب “القبطي”!

طالب زميل المفوضية السامية بالأمم المتحدة لشؤون الأقليات، جوزيف ملاك، طالب حكومة الانقلاب باللجوء للقضاء، لحل أزمة دير وادي الريان، معربًا عن خشيته من دخول الأزمة إلى “نفق مظلم”!

واستطرد، منتقدًا بيان الكنيسة: “نزع ملكية الأرض ليس باستثناء وهناك حالات مماثلة تعاملت الدولة من هذا الطريق.. وعلى الدولة التوقف عن إحراج الكنيسة بتسليم الأرض تقديرًا لمشاعر الشعب القبطي”.

ورفض ملاك، الدعوات التي تتطالب باللجوء إلى القضاء الدولي، ووصفها بأنها “واهية”، مشيرًا إلى أنه “من اللازم رفعها داخل البلاد “أولا”، طبقًا للتشريعات القانونية!

وبعدما أعلنت حكومة السيسي حلّ الأزمة، دون نشر بنود الاتفاق مع رهبان دولة السيسي، لا يزال الأهالي يتهمون الرهبان بالتعدي على مساحة كبيرة من أراضي المحمية الطبيعية،التي كان يأتي إليها السائحون للقيام برحلات السفاري، وبناء سور كبير بطول 11 كيلومترًا حول آلاف الأفدنة، التي تضم منطقة العيون السحرية، وعيون المياه الطبيعية الكبريتية، التي تفجرت وسط هذه الصحراء منذ مئات السنين.

وتقدم الناشط الحقوقي خالد المصري، أمين عام المركز الوطني للدفاع عن الحريات والثقافة والحوار، ببلاغ للنائب العام ضد الكنيسة الأرثوذكسية اتهم فيه كل من الأنبا تواضروس بطريرك الكنيسة المصرية والراهب باخوميوس الريان ورهبان الدير، بالاستيلاء على أراضي مملوكة للدولة.

مهادنة مبارك!

وأكد رهبان “الدير المنحوت” في وادي الريان، أن تعديهم على أراضي الدولة المملوكة للشعب المصري “قانوني”، بعلم جهاز شؤون البيئة منذ أيام مبارك، بمقتضى اتفاق أبرم عام 2007، ينص على التزام الرهبان بما هو موجود وعدم التعدي على أرض وبيئة المحمية، وإقامة 40 كهفًا للتعبد وممارسة الشعائر الدينية، مشيرين إلى أن السور تم بناؤه لحماية الرهبان الذين يبلغ عددهم 240 راهبًا، نزحوا من كل المحافظات إلى الدير، متذرعين بأن السور يحميهم من تعدي البلطجية والعرب المقيمين بالصحراء، وكذا حماية ممتلكات الدير التي لا يعلمها إلا الله من السرقة والنهب.

مهادنة “مبارك” أمام استعراض الكنيسة عضلاتها، عاد وبقوة بعد ضلوع الكنيسة في الانقلاب الذي قاده عبد الفتاح السيسي، وتعامل الكنيسة مع قائد الانقلاب وفق مقولة “راس براس”، بل إنها تعلم مدى ضعف حكم العسكر، وإلحاحهم في توسط الكنيسة في الملفات الخارجية مع اثيوبيا في سد النهضة ومع إيطاليا في جريمة مقتل “جوليو ريجيني”.

وحتى عندما أرسل السيسي وفدا برئاسة “إبراهيم محلب”، رئيس وزراء حكومة الانقلاب السابق، للتفاوض مع رهبان دولة تواضروس، لإقناعهم بضرورة السماح لمسار طريق “وادى الريان – الواحات البحرية”، بالمرور في أراضى الدولة، المعتدى عليها من جانب الرهبان، ظهر جلياً توازي السلطة في مصر، حيث تضع الكنيسة سلطتها على طاولة التفاوض في مواجهة بيادات العسكر.

وأراد “محلب” أن يرطب التفاوض بالقول: “الرئيس عبد الفتاح السيسى هو من كلفنى بالتحاور معكم والاستماع إليكم، فرد عليه أحد رهبان الدير ساخراً: “يا ريت تبلغه سلامنا”، عندها استخدم محلب “الترغيب” وهو السلوك الوحيد الممنوح له في التفاوض، فقال إن هناك مخططا لعمل محطة بنزين، من خلال بعض الشركات، من أجل إحياء المنطقة، بالإضافة إلى مجموعة من المحلات وسوبر ماركت ومحطات خدمة!

وعندما أدرك “محلب” أن رهبان دولة تواضروس يعلمون جيداً ضعف موقف السيسي، الذي جاء بانقلاب مدعوم من الكنيسة، قال بلسان السهوكة :”إحنا جينا لغاية هنا عشان نوائم بين التنمية ومحبتكم”، مضيفاً: “الدولة قادرة أنها تحمى كل واحد فيكم”.. فقاطعه راهب قائلاً بسخرية لاذعة: “أشك”.

ويبقى المشهد الذي لن ينساه المصريون، عندما وقف عدد من الرهبان أصحاب اللحى المرخية والطويلة أمام جرافات وبلدوزرات العسكر، فارتعشت أقدام السيسي ولم يجرؤ على التقدم شبراً واحداً، خشية أن يدهس عن غير قصد أصبع أحدهم، فيفتح على نفسه أبواب الجحيم في الخارج، بينما ذات الجرافات والبلدوزرات وطأت أرض اعتصام رابعة العدوية في 2013، وهشمت الجماجم وحطمت الأضلع وكسرت عظام الأبرياء، وكان أغلبهم شيوخاً ومتدينين مسلمين لهم ذات اللحى الطويلة المرخية، إلا أن لحى الكنيسة لها حصانة دولية يخشاها السيسي، ويعلم أنها خط أحمر يستحيل أن يتخطاه.

شاهد أيضاً

بعد موقفهما تجاه ليبيا.. محاولات لبث الفتنة بين تركيا وتونس

منذ أن بدأ الجنرال الانقلابي خليفة حفتر محاولة احتلال طرابلس في إبريل الماضي، لم تتوقف …