ربما لا يختلف مشهد فيلم “الهروب” الذى كان يستخدم فيه الفنانمحمد وفيققضية الهارب أحمد زكى لتهدئة الرأى العام تارة ولانشغاله عن شيئ معين تارة أخرى،عن مشهد اليوم الذي يحاول فيه الانقلاب إلهاء الرأي العام عن الفشل المتواصل والتدهور المستمر الذي تعيشه مصر على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والأمنية.
ولنفس الهدف، (التغطية على الفشل)، يستخدم قائد الإنقلاب “السيسى” كلمة، “أهل الشر”، عوضا عن الكلمة التى وظفها وزير الداخلية فى الفيلم لخداع الرأي العام، الكلمة التى لطالما تغنى بها واستخدمها فى غير مواضعها، فلا يستخدم مثل هذه الكلمة إلا ساحر كاذب مشعوذ أو مختلس لا يريد أن يفصح عن مكان ما اختلسه حتى لا يعترضة أحد.
لكن السيسى يستخدم هذه الكلمة، (أهل الشر)، موجها حديثه إلى اكثر من 90 مليون مصرى، متناسيا أن الشعب المصرى على قدر كاف من العلم والإدراك وانه لا يأخذ كلامه على محمل الجد، وكثير منهم يعتبرونه أنه ما زال غارقا فى حلمه الذى قصه على أصدقائه والذى كان يتمنى فيه أن يكون رئيسا للبلاد.
فاجأ السيسي، المصريين بمداخلة هاتفية مع الإعلامي المقرب والمؤيد لإنقلابه،”عمرو أديب”، ببرنامج “القاهرة اليوم”، مساء الاثنين 7 مارس أثناء حديثه عن تنمية سيناء، قدم فيها ما أسماه كشف حسابه للمصريين.
وسخر كثير من الإعلاميين المؤيدين والمعارضين له من ظهوره على قناة،” اليوم”، المشفرة حيث أن فقراء الشعب المصرى لا يتابعون هذه القناة نظرا لاشتراكها الذى لم يتوفر فى جيوبهم بسبب ارتفاع الحياة المعيشية.
ويعتبر خطاب السيسي حينما تحدث عبر “قناة اليوم” المشفرة، ببرنامج القاهرة اليوم مع الإعلامي عمرو اديب، أنه خاطب الصفوة أصحاب الدخول المرتفعة، والقادرة على الإشتراك بالقنوات المشفرة وليس محدودي الدخل”.
تهجير أهالى سيناء
قال السيسي: “كلفت بتطوير سيناء ولدينا مخططات لتنمية سيناء بتكلفة 10 مليارات جنيه بعد سنة أو سنة ونصف”.
كان الرئيس مرسي ومعه الحكومة يعملون بجد على تنمية سيناء، وإنصاف أهلها، ثم استثمار خيراتها المكنونة لصالح أهلها وشعب مصر عموما، ويعتبرون ذلك بمثابة طوق نجاة يمكنه أن ينهض باقتصاد مصر ويحقق لأهلها العيش الكريم.
ومنذ عام 2014 يعمل السيسى على تهجير أهالى سيناء إرضاءا للعدو الصهيونى، حيث أجبرت قوات الانقلاب عددا كبيرا من أهالي مدن محافظة شمال سيناء الحدودية وفي مقدمتها مدينة رفح على إخلاء منازلهم قسريا بحجة محاربة الإرهاب، بالإضافة إلى عمليات القصف المتواصل وإطلاق الناري العشوائي، وعمليات التفتيش المهينة التي يتعرض لها أهالي سيناء في كمائن الجيش.
الآلاف من أهل سيناء هُجروا من بيوتهم بأوامر عسكرية ليقيم الجيش منطقة عازلة “بشكل دائم” بعمق 300 متر على طول الشريط الحدودي مع قطاع غزة (خمسة كيلومترات) بداية من الساحل كـ”مرحلة أولى”، ردا على مقتل جنود مصريين في هجمات مسلحة على نقاط أمنية بشمالي سيناء.
880 منزلا متاخما للحدود يتم تفجيرها لمواجهة الإرهاب، حسب مسؤولين حكوميين. رغم أن الهجمات التي استهدفت قوات الجيش تبتعد عن مناطق التهجير بأكثر من 45 كيلومترا.
وعود كاذبة
استمر السيسى فى وعوده قاصدا من ورائهامحاولة إرضاء الشعب المصرى عن وجوده وخوفه من انفجاره والخروج عليه بشكل مفاجئ.
وأكد “السيسي”، أن كل الانجازات والأرقام التي وعد بتنفيذها، سيتم الانتهاء منها قبل نهاية فترته الرئاسية، قائلًا: “أي حاجة باقولها لكم يا مصريين عامل حسابي أعملها وأخلصها قبل ما أمشي، وأنهي مدتي، بعد سنة أو سنة ونصف من دلوقتي”..
ووفق باحثين فإن اللقاء بين أديب والسيىسى كان مرتب له مسبقا بشكل جيد بدليل المعلومات والتفاصيل التي وردت في الحديث وأن الهدف من اللقاء محاولة تخفيف الاحتقان بمزيد من الأكاذيب.
لكن هل تفيد هذه التصريحات مع تزايد الأزمات الاقتصادية وارتفاع سعر الدولار واختفاء العملة من الأسواق.
الناظر إلى حال الشعب المصرى فى هذه الأونة يعرف جيدا أن هذه التصريحات ليست إلا مضيعة للوقت، وأنه جل ما يعنيه هو تأمين مستقبلة بشكل قوى، ولكن كيف يستطيع ذلك فى ظل ظروف أزمة أقتصادية طاحنة تعيشها مصر فى زمن الإنقلاب بسبب عدم وضوح رؤية العسكر.
وفى هذا السياق قال د. نادر فرجاني، أستاذ العلوم السياسية: إن عبدالفتاح السيسي، قائد الانقلاب العسكري، قدم- في بداية حكمه- وعودًا فضفاضة، مثل أن مصر ستصبح “أد الدنيا”.
وأضاف عبر “فيس بوك”، تحت عنوان “عام من الحنث بالقسم، ربما لم يعد ولكنه أقسم” أنه شارك في تقديم وعود مخادعة تضعه، مع أساطين مؤسسته العسكرية، تحت طائلة القانون الجنائي في باب النصب والاحتيال، كجهاز الكفتة، والمليون وحدة سكنية، والعاصمة الجديدة، وغيرها.
وتابع، أهدر السيسى النظام الجمهوري بالطغيان والاستكبار، ودهس الدستور وأزهق روح القانون، وسحق حقوق الإنسان وارتكب جرائم ضد الإنسانية، وسام عامة الشعب بئس العذاب حارمًا الناس من العيش الكريم والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية جميعًا، وهكذا أهدر غايات الثورة الشعبية العظيمة.
ووعد السيسى بتخصيص 500 مليار جنيه (70 مليار دولار) لبناء عشرين ألف مدرسة، و160 مليار جنيه (22.6 مليار دولار) لإقامة شبكات ري حديثة بأراضي الدلتا، فضلاً عن استصلاح أربعة ملايين فدان (1.6 مليون هكتار). وعند سؤاله عن التكلفة الإجمالية التي يحتاجها لمعالجة المشكلات الاقتصادية، رد بأنها تقدر بتريليون جنيه (100 مليار دولار).
وتحدث عن مشروعات كبرى ومعالجة لمشكلة الدين العام الذي حدد قيمته بنحو 1.7 تريليون جنيه (240 مليار دولار)، لم ينفذ منها شيئ سوى تفريعة لقناة السويس اطلق عليها اسم، (قناة السويس الجديدة)، التى جنى أضعاف تكلفتها من الشعب المصرى.
من هم أهل الشر؟
عاد السيسي ليستخدم عدواً وهمياً وهو “أهل الشر” للهروب من الفشل الاقتصادي والسياسي والأمني ومحاولة للتغطية على الفشل في سيناء التي خرجت عن السيطرة وعجز الجيش والشرطة عن تحقيق الأمن هناك.
السيسي يستخدم كلمة أهل الشر للتغطية على الفشل وكلما ازدادت الضغوط التي تطالبه بتحقيق انجاز يذكر يعاود الحديث عن أعداء النجاح.
وقال إن مصر مستعدة لمواجهة أهل الشر وأشاد بالقوات المسلحة قائلاً “إنتو متعرفوش قوة الجيش المصري، وبسم الله ما شاء الله ولا قوة إلا بالله، لسه.. إحنا ساكتين ومستنيين وبنستعد لأهل الشر”.
يقول الناشط الحقوقى، “عمرو عبدالهادى”، فى تصريح خاص لـ “علامات اونلاين”، لا يستخدم هذا المصطلح ألا أصحاب السحر و الشعوذة و الدجلوتابع، فهل مصنعين فتحهم بتسهيلات تخسر مصر أمام 1400 مصنع يغلق هو انجاز؟.
لم تكن هذه المرة الأولى التي يتحدث فيها السيسي عن “أهل الشر” دون أن يوضح من المقصود بالضبط، فقد أشار إليهم أكثر من مرة منذ تنصيبه رئيسا لمصر، وظهر في معظم هذه المرات أن السيسي يفضل عدم الكشف عن تفاصيل معينة بخصوص المشروعات التي يفتتحها خوفا من أهل الشر هؤلاء، وهو ما يتماشى مع أسلوبه المفضل في التلميح وليس الحديث بصورة صريحة.
وفي مايو عام 2015، وأثناء حديثه عن بعض التفصيلات الخاصة بالميزانية وحجم الإنفاق على المشاريع القومية في كلمته خلال الندوة التثقيفية للقوات المسلحة، قال السيسي “أنا مش عايز أقول كل حاجة بالتفصيل وبقول الأرقام بشكل سريع علشان أهل الشر الموجودين بنشاور لهم على الخير يخلوه شر”.
بعد هذا الخطاب بأيام قليلة، كانت الندوة التثقيقية للقوات المسلحة على موعد ثان مع أهل الشر، حيث أكد السيسي أنه لن يبيع الوهم للمصريين أو يكذب عليهم كما يردد أو يروج البعض، لافتا إلي أنه كان لا يريد أن يتحدث في تلك الامور أمام الرأي العام لأن “أهل الشر موجودون ويترصدون لنا لإفساد ما نقوم به”. مضيفا: “في حاجات المفروض ما أقولهاش هنا، لأن أهل الشر شر يعني”.
وفي التاسع والعشرين من نوفمبر الماضي، كرر السيسي للمرة الثانية خلال شهر الحديث عن “أهل الشر” في تصريح يشبه ما قاله أول مرة عنهم. إذ قال خلال احتفالية إطلاق مشروع تنمية شرق بورسعيد “أنا حريص أزرع الأمل في نفوس الناس، وهنزرع الأمل بكل ما أوتينا من قوة وإرادة”، متابعًا: “خلصنا المرحلة الأولى من الشبكة القومية للطرق، اللي هتساهم في ربط المناطق الصناعية والمطارات، وفي مشاريع وكلام كتير مرضاش اقوله عشان أهل الشر”.
أما العام الحالي (2016) فكان نصيب مصطلح أهل الشر من الترديد على لسان السيسي مرتين، بخلاف الأخيرة مع عمرو أديب، كانت الأولى في يناير الماضي، خلال احتفالية إطلاق الموقع الإلكتروني لمشروع “بنك المعرفة”.”.
وفي فبراير، وفي خطابه الذي أثار موجة واسعة من السخرية على مواقع التواصل، بسبب كلمات مثل “صبح على مصر بجنيه” و”أنتم مين” قال السيسي إن هناك مصنعين لإنتاج الغاز لن يصرح بمكانهما “حتى نتجنب أهل الشر وحتى لا يضرنا أحد”.
مشروعات السيسى الوهمية
المشروعات التي تحدث عنها السيسي مجرد أكاذيب جديدة تضاف إلى رصيد الأكاذيب التي أطلقها منذ السيطرة على السلطة.
تأكيد السيسي أنه سينهي كل المشاريع التي وعد بها قبل انتهاء مدته، هي اعادة تأكيد لنفس الجملة التي أطلقها في خطابه الأخير والذي أكد فيه أنه لن يترك الحكم قبل انتهاء مدته بما يوحي أن هناك ضغط يتعرض له لعدم استكمال مدته.
عمرو عبد الهادى، الناشط السياسى، يقول لـ “علامات اونلاين”، أن حديثه محاولة امتصاص غضبة الشعب المصرى، وأنه يدل على دبكتاتوريته و هو ما قاله فرعون قبل هلاكه لا أريكم إلا ما أرى.
وطلب السيسي من الشعب المصري أن يثقوا فيه ولا يشككوا في انحازاته أكبر دليل على شعوره بالفشل في تحقيق أي مشروع.
و في ردّه على سؤال حول إمكانية ترشّحه لولاية رئاسية ثانية، قال “حكم مصر يخضع لأمر الله ثم إرادة الشعب، وإن الشعب المصري لا يُفرض عليه أيّ شيء”.
وطالب المصريين بالثقة وألا يشكّكوا في الإنجازات التي تمّت خلال 20 شهراً الأخيرة.
الدولة البوليسية
وفى هذا السياق شن زعيم حزب غد الثورة السابق أيمن نور، هجومًا حادًّا على قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي، مؤكدًا أنه يستند إلى الدولة البوليسية وأن مِصْر مقبلة على حراك شعبي واسع بدوافع اقتصادية في ظل التراجع الكبير من الاقتصاد المصري والظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد.
وقال نور -خلال حوار له بصحيفة “القدس العربي” اليوم الأربعاء-: إن الوضع الاقتصادي هو النقطة الأضعف في خاصرة المسار الذي بدأ منذ3/7 حتى الآن، وذلك يأتي في إطار التدهور الواضح في كافة المؤشرات الحقوقية والإنسانية في مصر.
وأضاف: أن النظام يفتقد الكثير من عوامل القوة في العلاقات الإقليمية والدولية، وشرعية الإنجاز التي كان يستند عليها تبين أنها شرعية متآكلة تتراجع في كافة جوانبها وتتكشف عيوبها، مشددًا على أن «الحراك الآتي هو حراك اقتصادي بالدرجة الأولى، وهو حراك المواطن الذي ساند السيسي لوعوده باستعادة قوة الدولة والرخاء الاقتصادي، ولكن تبين له أن كل هذه الوعود كانت سرابًا وخداعًا، مؤكدًا أن مصر مقبلة على حراك شعبي واسع للإطاحة بقائد الانقلاب.
ولفت إلى وجود «صراع بين أجهزة الدولة»، معتبرًا أن «البرلمان الحالي منقوص الشرعية واللون والطعم والمعنى تتصدره شخصيات صغيرة مثيرة للجدل. وهذا الأمر يعطي صورة ذهنية سيئة، وهو في أحسن التوقعات لم يحصل على 20٪ من أصوات الشعب، الأمر الذي يؤكد أن شرعيته منقوصة».
الفقراء لا مكان لهم لدى السيسى
ومن تابع حديث السيسى في المداخلة التلفزيونية عن “الغلابة” و”فقراء الوطن” من المقهورين يشعر من الوهلة الأولى أنهم على قائمة أولوياته، لكن على أرض الواقع فهناك تناقض كبير بين تصريحات السيسي الرافضة لأي توصية بشأن الفقراء، لأنهم هم من يحيا لأجلهم، على حد وصفه، وبين ما يحياه قرابة 40 مليون مصري تحت مستوى خط الفقر، فضلاً عن 19 مليون من قاطني العشوائيات والمقابر.
وكما تشير التقارير الاقتصادية فهناك تراجع كبير في مستوى المعيشة، ولا زالت الفجوة بين أغنياء الوطن وفقرائه في تصاعد مستمر، فضلاً عن حالة الإحباط التي غطت سماء تلك الملايين ممن يتسولون “لقمة العيش” من هنا وهناك، في الوقت الذي يعانى غيرهم من تخمة نتيجة الحياة المرفهة التي يتنعمون بها وفيها على حساب الغلابة.
فكيف يخاطب السيسي الفقراء من خلال قناة “مشفرة” لا يشاهدها إلا الأغنياء القادرين على دفع فاتورة الاشتراك؟ أو بمعنى آخر فإن مداخلة السيسى لم يشاهدها حينها إلا أغنياء الوطن فقط، أما ماسواهم من المطحونين فلم يسمعوا إلا صوته حينما يقول، “صبحوا على مصربجنيه “.