أيمن فوزي الكفراوي: أمريكا وريث الاستعمار والهيمنة

فى ظل جبروت وطغيان القوة الامريكية فى المنطقة نستوضح سوياً بعض المفاهيم التى من شأنها أن توصلنا إلى الهدف الأمريكى فى منطقة الشرق الأوسط حتى نكون حاضرين فى قلب الحدث ولا نغيب عن المشهد, فمن الأساسيات المعلومة أن الولايات المتحدة والإدارات الأمريكية المتعاقبة ومعها كثير من الغرب,مشروعهم وهدفهم فى المنطقة محدد, فهم يعملون على أساس هدف واضح ومن أجل تحقيق هذا الهدف الواضح يضعون استراتيجيات ويعدلون فيها ويطورونها ويضعون خططا وبرامج على مدايات زمنية متفاوتة ومختلفة. والإدارة الأمريكية لا تتصرف فى الشرق الاوسط والعالم كقوة جبارة على أساس عشوائى وإنما تسعى لتحقق الأهداف المرسومة والثابتة لأمريكا والتى لاتختلف بين إدارة وإدارة ورئيس ورئيس جمهورياً كان أو ديمقراطيا, وانما تختلف الأساليب.

ما الهدف اذاً؟ الهدف ببساطة أن امريكا التى ورثت نهج الاستعمار من دول المستعمر القديم؛ هدفها الهيمنة على كل صعيد وأن تكون المنطقة تحت سيطرتها؛ سياسيا وعسكريا وأمنيا واقتصاديا وثقافيا, فهذا هو الهدف؛ أن يكون كل من فى المنطقة؛ حكومات وشعوبا وقوى سياسية ونخب مجتمعية خاضعاً ومسلماً وتابعاً لإدارة الولايات المتحدة, ماتريده للجميع بالسياسة يجب أن يقبلوا به, بل وضعت يدها على الثقافة والدين.

مثال: أمريكا تريد منا أن نقبل بوجود إسرائيل فى المنطقة, فيجب أن نقبل! ممنوع أن تعارضوا إسرائيل أو تقاموها أو حتى تناقشوها فى شروط وجودها وهويتها. ماتريده امريكا يجب أن يخضع له الجميع, ومن لايخضع عليه أن يترقب حربا ذكية ومتعددة الأشكال؛ عسكرية حيناً, سياسية حيناً,  اقتصادية,أمنية, إعلامية, حصار,عقوبات…..الخ, المهم أن يستعد, فهذا ثمن الإرادة الحرة, لا فى العالم العربى والاسلامى فحسب, بل من يريد أن يكون حراً وسيداً فى بلده وشعبه, مستقلاً يأخذ قراراته على أساس مصالح وطنه وشعبه وأمنه, فهذا غير مقبول أمريكياً, وعليه أن يستعد لأي شكل من أشكال الحرب الامريكية. هذا ما يجرى فى منطقتنا بل فى العالم منذ عقود.

يريدون أن يكون النفط والغاز وكل الموارد الطبيعية فى العالم العربى والإسلامى فى قبضتهم. فى الظاهر النفط والغاز للحكومات العربية والاسلامية ولكن فى الواقع هو لأمريكا ولشركات النفط الكبرى فى الولايات المتحدة من خلال شَركاتها فى المنطقة, والحكومات العربية والاسلامية لاتملك حتى تسعير سعر النفط .

وعندما تريد أمريكا توجيه ضربة اقتصادية كبيرة لأى دولة فى العالم فى دائرة المواجهة والإخضاع, فهى تأمر الحكومات العربية والاسلامية بأن تخفض سعر النفط حتى ولو كانت هذه الحكومات سيلحق بها الفقر والعجز لأن القرار ليس بأيديها,هم يريدون خيرات بلادنا لهم ويريدون بلادنا سوقاً لمنتجاتهم وحتى لسلاحهم, ولو تابعنا فى آخر ثلاث سنوات كم اشترت الدول العربية من السلاح من أمريكا بشكل خاص ومن فرنسا وبريطانيا, ستفاجئ بأن التكلفة تقدر بعشرات مليارات الدولارات, والله اعلم هل هذه الدول فى احتياج لهذا السلاح أم لا, ولكنهم يرتبون أسواقاً لشركات السلاح الامريكية الكبرى, لأن الذى يحكم فى امريكا ليس جمعيات حقوق الانسان, ولكن أصحاب شركات النفط والسلاح الكبرى.

 ماذا تريد أمريكا من دول وحكومات المنطقة؟

تريد السياسة الخارجية والأمن والنفط والغاز ولو تبقى شيء غير هذا عند هذه الدول فلا يعد مشكلة.

فإذا أردنا توصيفا لكثير من دولنا وحكوماتنا لقلنا إنها حكومات حكم إدارى ذاتي, فهي ليست دولة حقيقية ولا سلطة حقيقية لأن قرار السياسة الخارجية عند امريكا وقرار الحرب والسلم عندها, وقرار النفط والغاز عندها.

هذه هى حقيقة منطقتنا اليوم, ومن أجل استمرار الهيمنة الأمريكية تسعى لإقحام كافة دول المنطقة فى أمور لا آخر لها, من حروب وصراعات تستنزف مقدرات دول وشعوب المنطقة بشرياً ومالياً واقتصادياً وإجتماعياً ونفسياً.

فلاتظنوا ياسادة أن إسرائيل هى المشروع.. إسرائيل أداة تنفيذية فى مشروع الهيمنة الامريكى الغربى, فهى تؤدى دورا تنفيذياً وإجرائياً فى خدمة الهيمنة الامريكية على منطقتنا, ولذلك يقومون بحمايتها حتى فى مجلس الأمن, يكون الفيتو جاهزا, ويقدمون لها الدعم المالى والاقتصادى والعسكرى وإذا تعرضت لخطر جدي سيقاتلون للدفاع عنها .

تصوروا لو أن أمريكا ضعُفت أو خرجت من المنطقة او انشغلت بشأنها لأسباب داخلية واجتماعية واقتصادية؛ هل إسرائيل هذه قابلة للبقاء فى منطقتنا؟ الإجابة (أبداً)..إسرائيل أداة أمريكية حقيقية والشعب الفلسطينى اليوم وشعوب المنطقة وفى القلب منه الشعب المصرى الذين عانوا قبل ذلك من العدوان الاسرائيلى ومجازره واحتلاله, إنما يتحملون أعباء مشروع الهيمنة الامريكية فى المنطقة, وإسرائيل أداة له, فالذى يتحمل المسؤلية الأولى وبالأساس عن كل جرائم إسرائيل ومجازرها واستيطانها وماتفعله فى القدس والمسجد الاقصى وفي الضفة الغربية وقطاع غزة هي أمريكا والادارات الأمريكية المتعاقبة.

 وفى هذا السياق وعلى هذا الأساس غير مسموحٍ أن تقوم دولة قوية عربية كانت أو إسلامية, دولة قوية بمعنى دولة مستقلة تتخذ قراراتها من تلقاء نفسها؛ تراعى مصالح شعبها, تستفيد وتوظف مواردها واقتصادها, دولة تتطور علمياً وتكنولوجياً وثقافياً وإدارياً وفى كل صعيد.. هذا ممنوع فى مشروع الهيمنة الأمريكية على أي بلد؛ مصر, باكستان أو غيرها, بل تُشن عليها الحروب المباشرة أو بالواسطة مثل مافعلوا مع صدام حسين ودفعوه للحرب مع ايران 8 سنوات, أو بالحصار والعقوبات او باختلاق أحداث ونزاعات داخلية يقومون بتغذيتها إعلامياً وسياسياً ومخابراتياً ومالياً, كل ذلك ليرسلوا إلينا معادلهً مفادُها: ممنوعٌ عليكم فى العالم العربى والاسلامى أن تكون لكم دولة قوية حتى ولو كنتم (أصدقاء لأمريكا), حتى لو كنتم موالين للأمريكان, حتى لو كانت ثقافتكم ثقافة غربية, لأن المطلوب فقط أن تكونوا عبيداً وآدوات ومطيعين .

أمريكا لاتريد فى هذه المنطقة أصدقاء؛ لأن الأصدقاء قد يُزعجوها فى بعض المراحل,هذا من أساسيات هذا الموقف.

–  ومن الأساسيات أيضا أن كل ما يتحدث عنه الأمريكي  مثل (الديمقراطية, حريات الشعوب, الانتخابات الحرة النزيهة, حقوق الإنسان, المجتمعات المدنية,محاربة الفساد) كل هذا عند الأمريكان (كلام فارغ) وليس هذا إدعاء وسنقدم الدليل:

أليس هناك كثير من الحكومات والنظم الدكتاتورية بل أطغى أنظمة  الدكتاتوريات فى المنطقة ترعاها وتدعمها وتدافع عنها الولايات المتحدة؟!

اذاً هذا تضليل وخداع وكذب,عندما نرى أمريكا تطالب مثلا بالانتخابات والديمقراطية وحقوق الإنسان فى كل الدول نصدقها, لكن عندما نجدها تدعم أعتى الدكتاتوريات فى المنطقة بل وأسوأ أنظمة الفساد وأسوأ أنظمة الاعتداء على حقوق الانسان, وتدعم أنظمة لا دساتير فيها ولا انتخابات ولا تداول سلطة ولا أى شئ مما يدعون إليه, عندما نجد أمريكا تدعم هذا النوع من الحكومات والأنظمة فمعنى ذلك أن كلامها عن الديمقراطية والانتخابات وحقوق الإنسان وتداول السلطة ومحاربة الفساد, أكاذيب وأضاليل, فالولايات المتحدة بجيوشها وأساطيلها وأسلحتها النووية والذكية ليست جمعية خيرية لنشر الديمقراطية فى العالم.

هل تصدقون أنهم يريدون المساعدة على إقالة نظام – ليست لهم مشكلة معه- لأجل الشعوب؟ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ.

أما الشعوب والحكومات غير الخاضعة للهيمنة الأمريكية فإنهم يفتحون لها الملفات بسؤال: أين الديمقراطية عندكم؟ أين الانتخابات؟ نريد حكومة منتخبة على الشكل التالى, ويملوا عليها. ويفتحوا لهذه الدول ملف حقوق الإنسان, ناهيك عن الوضع على لائحة الإرهاب والمنع من السفر ومصادرة الأموال..أليس هذا مايحدث؟

لماذا يفعلون ذلك؟ من أجل استخدام هذه العناوين والشعارات لإخضاع الدول التى رفضت الخضوع للهيمنة الأمريكية, يفرضون عليها الحرب أو الحصار أو العقوبات أو الأحداث الداخلية وفتح ملفات لا آخر لها.

 هذه هي أمريكا.. ومن يقول غير ذلك عليه تقديم دليل من الواقع وليس من الخيالات والأوهام والأحلام والشعارات الكاذبة .

شاهد أيضاً

محمد فاروق الإمام : التوازن سر البقاء

التوازن سر عظمة هذا الكون وجماله، وهو سمة من سماته، قال تعالى في سورة الرحمن: …