إردوغان في القاهرة لأول مرة منذ انقلاب السيسي .. نقاط اتفاق وخلاف

بعد قطيعة استمرت أكثر من عقد من الزمن، استقبل عبد الفتاح السيسي، نظيره التركي، رجب طيب إردوغان، في القاهرة اليوم الأربعاء، زيارة رسمية لمصر، هي الأولى منذ 11 عامًا، في زيارة هامة لترسيخ المصالحة بين لاعبين إقليميين رئيسيين في المنطقة.

الزيارة “لبحث الخطوات التي يمكن اتخاذها لتحسين العلاقات بين البلدين وتنشيط آليات التعاون الثنائي”، وفق بيان للرئاسة التركية

لكن مساعد وزير الخارجية الأسبق عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية رخا أحمد حسن قال أن الزيارة “لا تعني انتهاء الخلافات بين البلدين”.

خلافات قديمة

وكانت آخر مرة زار فيها رئيس تركي القاهرة في فبراير عام 2013، عندما جاء الرئيس عبد الله جول إلى مصر خلال حكم الرئيس محمد مرسي للمشاركة في قمة إسلامية، فيما كانت آخر زيارة لإردوغان لمصر في نوفمبر 2012، وكان آنذاك رئيسًا للوزراء.

وبعد الزيارة بعام، قام عبد الفتاح السيسي، وزير الدفاع آنذاك بالانقلاب على الرئيس الشرعي محمد مرسي في 2013، ومنذ ذلك الحين اشتدت الخلافات بين البلدين، وكرر إردوغان أنه “لن يتحدث إطلاقا” مع “شخص مثله”، في إشارة إلى السيسي.

واحتج إردوغان علنا على الإطاحة بمرسي واتهم السيسي، بقيادة انقلاب ضد زعيم الإخوان المسلمين، وتصاعدت حدة الحرب الإعلامية بين البلدين وصولا إلى سحب السفراء، ما مثل بداية قطيعة دبلوماسية استمرت 10 سنوات، وفق تقرير من معهد الشرق الأوسط.

ومن عام 2013 إلى عام 2021، تفاقمت المشكلات بين البلدين بسبب أيديولوجيات ووجهات نظر متباينة للزعيمين حول قضايا إقليمية، وأبرزها المقاطعة الرباعية العربية لقطر.

وانضمت مصر إلى الإمارات والسعودية والبحرين في فرض مقاطعة وحصار على قطر في 2017 بعد اتهام الدوحة بدعم الجماعات الإسلامية في جميع أنحاء الشرق الأوسط، والتي اكتسب بعضها السلطة مباشرة بعد احتجاجات ما سمي بـ”الربيع العربي” عام 2011، وفق تقرير المعهد.

لكن تركيا إردوغان دعمت قطر خلال الأزمة، حيث زودت الدولة الخليجية بالغذاء وتعهدت بتقديم دعم عسكري، ما فاقم الخلاف المصري التركي في ملفات أخرى، أبرزها ليبيا.

دبلوماسية كرة القدم

كانت نقطة التحول الرئيسية هي المصافحة بين الرئيسين إردوغان والسيسي في نوفمبر 2022 في الدوحة، وذلك بفضل جهود قطر في إطار “دبلوماسية كرة القدم” خلال مونديال 2022.

وكان السيسي وإردوغان التقيا لأول مرة في نوفمبر 2022، وتصافحا على هامش افتتاح المونديال في قطر، ثم التقيا خلال قمة العشرين بالعاصمة الهندية نيودلهي في سبتمبر/أيلول 2023، واتفقا على تدعيم العلاقات والتعاون ورفع العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين وتبادل السفراء.

وينقل تقرير معهد “الشرق الأوسط” أن الضغوط الاقتصادية للحرب في أوكرانيا والتأثير الناتج عنها على أسعار الطاقة والغذاء، والاتجاه المتزايد لخفض التصعيد الإقليمي والمصالحة، كانت عوامل ساعدت على الأرجح في تمهيد الطريق للتقارب بين إردوغان والسيسي.

وبعد المصافحة الشهيرة بين إردوغان والسيسي، في قطر، بدأ التقارب، إذ زار وزير الخارجية المصري سامح شكري تركيا؛ لإظهار تضامن بلاده بعد الزلازل المدمر في تركيا وسوريا في فبراير 2022.

ورفعت وزارتا الخارجية المصرية والتركية في يوليو العام الماضي التمثيل الدبلوماسي بين البلدين إلى مستوى السفراء لإعادة العلاقات إلى طبيعتها بعد انقطاعها منذ عام 2013.

وتحادثا أيضا غداة وقوع زلزال السادس من فبراير 2023، الذي خلف أكثر من 50 ألف قتيل في تركيا. وفي يوليو تمت إعادة تعيين سفراء من الجانبين.

وفي سبتمبر تحدث المسؤولان للمرة الأولى وجها لوجه على هامش قمة مجموعة العشرين في نيودلهي.

ورغم استمرار الأزمة السياسية لفترة طويلة، بقيت العلاقات التجارية جيدة، فأنقرة هي الشريك التجاري الخامس للقاهرة.

ومطلع فبراير أعلن وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، عن بيع مصر مسيرات قتالية، في إشارة إلى إتمام المصالحة بين البلدين.

وأكد هاكان فيدان في مقابلة تلفزيونية أن “عملية التطبيع اكتملت بشكل كبير. العلاقات (بين البلدين) مهمة للأمن والتجارة في المنطقة”.

وكانت وزارة التجارة والصناعة أعلنت أن حجم التجارة بين مصر وتركيا بلغ نحو 5.875 مليار دولار خلال 2023، وأن تركيا تعد أكبر مستقبل للصادرات المصرية خلال العام الماضي، ومن أهم الشركاء التجاريين لمصر.

غزة أبرز النقاط

وقالت الرئاسة التركية إنه سيتم خلال الزيارة المرتقبة لإردوغان “تبادل وجهات النظر حول القضايا العالمية والإقليمية الراهنة، خاصة الهجمات الإسرائيلية على غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة”

وتوقع مساعد وزير الخارجية الأسبق عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية رخا أحمد حسن، لموقع “المنصة” أن يكون جدول الزيارة مزدحمًا لتعدد الملفات المشتركة بين البلدين، سواء على مستوى التعاون الثنائي أو القضايا الإقليمية، المنصة، “على رأسها القضية الفلسطينية، ومحاولات وقف الحرب الإسرائيلية على غزة، وكذلك الملفات الإقليمية الليبية والسورية والسودانية”

ولفت حسن إلى أن الزيارة لا تعني نهاية الخلافات بين مصر وتركيا، فلا تزال هناك خلافات على المستويين السياسي والاقتصادي تعوق تقدم العلاقات “هيتبقى هناك تنافس، وطالما هناك تنافس، سيبقى هناك بعض الخلافات بين البلدين، لكن المهم أن هذه الخلافات لن يكون لها تأثير على مسار تقدم العلاقات بين البلدين”

وأوضح أن ملف التشاور بشأن القضايا الإقليمية من بين أهم الملفات التي ستكون مطروحة على أجندة اللقاء، وعلى رأس هذه القضايا يأتي الوضع في غزة، خاصة أن تركيا لها علاقات وثيقة بالجماعات الإسلامية في غزة، سواء حماس أو الجهاد، إلى جانب الجالية الفلسطينية الكبيرة الموجودة في تركيا.

وتابع “سيكون هناك تشاور عما تستطيع الدولتان تقديمه سواء مساعدات، أو جهود مع الأطراف الأخرى لوقف القتال، وإعادة الإعمار”

سرت والخط الأحمر

كانت أنقرة والقاهرة تدعمان جهات متناحرة في ليبيا. فقد أرسلت تركيا مستشارين عسكريين وطائرات مسيرة لمحاربة المشير، خليفة حفتر، الرجل القوي في شرق البلاد، والذي تدعمه مصر بشكل خاص.

وتصاعد التوتر بين البلدين في الملف الليبي عام 2020، ما هدد بمواجهة عسكرية كاملة بعد تدخل تركيا عسكريا في الحرب الأهلية في ليبيا، وهي خطوة أثارت رد فعل عنيف من السيسي، الذي اعتبرها تهديدا صارخا للأمن القومي المصري.

وخلال زيارة إلى قاعدة عسكرية صحراوية بالقرب من الحدود الليبية في 22 يونيو 2020، أمر السيسي الجيش المصري بأن “يكون مستعدا لتنفيذ أي مهمة خارج البلاد” وهي رسالة واضحة إلى أنقرة، وفق تقرير من المركز “الأطلسي”

ويبقى الموقف بشأن أزمة ليبيا محل خلاف بين البلدين، ففي يونيو 2020، اعتبر السيسي أي تدخل مصري مباشر في ليبيا بات شرعيًا، مؤكدًا أن جاهزية القوات المصرية للقتال صارت “أمرًا ضروريًا”، وعارضت مصر ما اعتبرته تدخلًا تركيًا في الشأن الليبي، ورفضت قرار أنقرة ترسيم حدودها البحرية مع ليبيا. وأعلن السيسي أن “سرت والجفرة خط أحمر” بالنسبة لمصر، ردًا على التدخل التركي.

لا تخفي تركيا أطماعها في النفط الليبي، سواء في البحر أو الحقول البرية، حيث كشف إردوغان وقتها عن أهدافه الحقيقية للتدخل في ليبيا، وتحدث عن حساسية عملية السيطرة على مدينة سرت ومحيطها بسبب وجود آبار الغاز والنفط.

وسبق تصريحات الرئيس التركي، تصريح وزير الطاقة في حكومته بأن بلاده تخطط لبدء عمليات التنقيب عن النفط داخل الحدود البحرية التي تم تحديدها بموجب اتفاق مع حكومة الوفاق.

وإضافة إلى التدخل العسكري التركي في ليبيا، غضبت مصر من مذكرة تفاهم تم توقيعها في 3 أكتوبر 2022 بين تركيا وحكومة الدبيبة في طرابلس (غرب) بشأن التعاون في مجال الهيدروكربونات، وفق تقرير من “نورديم مونتير”.

واعتبر وزير خارجية مصر أن مذكرة التفاهم الموقعة بين حكومة الوفاق الوطني السابقة، ومقرها طرابلس، وتركيا بشأن التنقيب عن النفط والغاز في المتوسط “غير قانونية”

وضاعفت مذكرة التفاهم التوتر بين أنقرة والقاهرة، كونها جاءت بعد ثلاث سنوات فقط على إبرام اتفاق ترسيم الحدود البحرية التركية الليبية المثير للجدل في 2019، والذي أثار حفيظة الاتحاد الأوروبي حينها أيضا.

واعتبرت مصر، إلى جانب قبرص واليونان، أن اتفاق 2019 ينتهك حقوقها الاقتصادية، حيث أثار اكتشاف حقول غاز شاسعة في السنوات الماضية مطامع دول عدة في المنطقة.

وفي أغسطس 2020 ردت مصر واليونان على الخطوة باتفاق لترسيم الحدود البحرية في شرق المتوسط.

عقدة سوريا

وفي ملف الأزمة السورية، قال مساعد وزير الخارجية الأسبق “يمكن أن تكون هناك تفاهمات لأن تركيا ترفض حتى الآن وضع جدول زمني لانسحابها من الأراضي السورية، بينما النظام السوري مصرٌ على وجود جدول تركي للانسحاب من أراضيه”

وبينما تدعو مصر إلى احترام السيادة السورية، وترفض الوجود الأجنبي على أراضي الدولة العربية الشقيقة، توجد قوات عسكرية تركية داعمة للمعارضة، وفي 2020 قالت وكالة أنباء الأناضول التركية إرسال مصر العشرات من جنودها إلى شمال سوريا، وهو ما نفاه مصدر دبلوماسي مصري.

ونقلت الوكالة عن مصادر وصفتها بأنها عسكرية وموثوقة، القول إن 150 جنديًا مصريًا ينتشرون حاليًا في ريفي حلب الغربي وإدلب الجنوبي بالتنسيق مع الحرس الثوري الإيراني “دخلوا سوريا عبر مطار حماة العسكري”

لكن في سبتمبر بعدما دعاه السيسي لزيارة القاهرة، أكد إردوغان أن عودة علاقات بلاده مع مصر قد تقود إلى نتائج إيجابية في الملف السوري.

الإخوان في تركيا

وتقول وكالات أنباء أن أنصار جماعة الإخوان المسلمين المقيمين في تركيا وقنواتهم الإعلامية كانوا سببا لتأجيج شدة الخلاف بين البلدين، وكانت القاهرة ترغب في أن تضيق السلطات التركية الخناق على أعضاء الجماعة المنفيين وأنصارهم المقيمين في تركيا وتسلم من يتهمهم نظام السيسي بارتكاب أعمال عنف ضد النظام المصري.

بالإضافة إلى ذلك، أرادت السلطات المصرية إغلاق القنوات الإعلامية التي تتخذ من إسطنبول مقرا لها، والتي تنتقد بشدة السيسي. 

واتخذت أنقرة خطوات لإظهار جديتها بشأن التقارب مع مصر، وفي مارس 2021، حث مسؤولون أتراك قنوات المعارضة المعادية على تخفيف حدة انتقاداتها للسيسي وفق تقرير من المركز “الأطلسي”.

ولم يمض وقت طويل بعد ذلك، حتى أعلنت قناة “مكملين”، التي تشتهر بانتقادها المستمر للسيسي، تعليق بثها من إسطنبول، قائلة إنها ستنقل مقرها الرئيسي “إلى مكان آخر”.

شاهد أيضاً

قلق إسرائيلي من الجيش المصري والقاهرة ترد: الدولة الكبيرة تحتاج جيش قوي

بعد أيام من تساؤل مسؤول إسرائيلي حول سبب قيام مصر بتسليح جيشها رغم غياب التهديدات، …