أين المرأة المسلمة في الحركة الإسلامية التي بدأت منذ عقود وحتى الآن؟
هل يتصور مهتمٌ بفكرة التغيير المجتمعي والتغيير الحضاري والفكرة التي تحملها الحركة الإسلامية أن تسير تلك الحركة أو تنجح بغير مشاركة المرأة الواعية المدركة لحجم القضية بما يتناسب والحجم الذي تحتله المرأة في الأسرة والمجتمع والأمة؟
هل يمكن أن يحدث ذلك التطور المجتمعي والحضاري المنشود في الوقت الذي يُعطل فيه نصف طاقة المجتمع، بل والنصف المؤثر في النصف الآخر؟
أثارت قضية المرأة المسلمة جدلا واسعا بين أهل الفقه وأهل الحديث والمتنورين والمجددين والسلفيين وغيرهم، منهم من غالى في مسألة دور المرأة وحقوقها، ومنهم من قصر لدرجة أن أفتى بتحريم تعليمها أو خروجها من بيت أبيها إلا لبيت زوجها ثم للقبر، مستندين في ذلك لأقوال وأسانيد مبتورة كقاعدة لا تقربوا الصلاة، ومنهم من صور المسألة صراعا بين الرجال والنساء على حقوق وليس تكليفات ومهام. وبين التفريط والإفراط, وسطحية الفهم, أخذت قضية المرأة بعدًا آخر غير حقيقتها لتظل مجرد جدال لغوي, ومؤتمرات تعقد وتنتهي بتوصيات تكرر في كل مرة، فلا المرأة حصلت على إثر أحدها على حقوقها، ولا الحركة استطاعت أن توظفها كما يجب لتجدد ذاتها من خلال إمكاناتها وطاقاتها الكامنة.
ولسنا هنا في معرض استعراض التاريخ الإسلامي لإثبات مكانة المرأة وقدرتها علي مشاركة الرجل بما منحها الله عز وجل من تحرير وحرية بعد الظلم والقهر الذي تعرضت له في الحضارات المختلفة قبل قدوم الإسلام لتحرير الإنسان ككل. ولست هنا كذلك لتوصيف واقع انحدرت به الأمة في كل مناحيها، وإنما للفت نظر القائمين على الحركة الإسلامية إلي أن هناك طاقة مهدرة، تمثل قدر الطاقة العاملة بالفعل، إذ كيف نعطل تلك الطاقة أو نستغني عنها أو نتغافل والله عز وجل لم يغفلها وحاشا عنه الغفلة سبحانه، يقول الله تعالى ﴿والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله، أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم﴾ [التوبة:72].
كانت تتنزل الآيات المباركات على نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم فيسرع الرجل ممن سمعها لبيته يعلم زوجته وأهله القرآن، وكان الرجل يعود فتسأله زوجته عما نزل من القرآن؛ ليس على سبيل الرفاهية أو الثقافة العامة، وإنما الأمر كان ملزما للنساء كما كان ملزما للرجال.
إن دعوة الإسلام أتت بتكليف الإنسان ” رجلا وإمرأة ” بالفهم والتطبيق وحمل أمانة الدعوة، ولم يكن تحرير الإنسان الذي أتى به الإسلام والذي أخبر به ربعي بن عامرٍ رستمَ قائدَ جيش الفرس حين سأله عما جاء بهم ومن هم؟ فقال ” نحن قوم ابتعثنا الله لنخرج من يشاء من عبادة العباد إلي عبادة رب العباد، ومن جور الحكام إلي عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة “. لم تكن رسالة التحرير تلك حكرا على الرجل، وإنما هي لتحرير الرجال والنساء على السواء، وكذلك يقوم بها النساء والرجال على السواء؛ يقول نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم ” إنما النساء شقائق الرجال”.
وفي معرض مساواة المرأة بالرجل في تبعات العمل يقول الله عز وجل: ” لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً (123) وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَـئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيراً (124) ” (النساء).
ويقول سبحانه في وحدة الأجر: ” مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَىٰ إِلَّا مِثْلَهَا ۖ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ (40) ” (غافر).
وحين تنزل الوحي على نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم ، لم يجد النبي له ملجئا وملاذا سوى زوجته ” خديجة ” رضي الله عنها، التي لم تجزع، ولم تتهمه بالجنون أو المرض أو المس الشيطاني، ولم تقف عاجزة عن التصرف ولا وقفت تنتظر منه حلا للأمر الغريب الذي حل به؛ وهو زوجها الصادق الأمين، بل هدأت من روعه، وذكرته بمكارم خلقه، وذهبت به لأهل العلم في زمانها؛ ذهبت لابن عمها ورقة بن نوفل النصراني ليسألانه فيخبرهما أنه الناموس الذي يتنزل علي الأنبياء، وأن محمدا هو نبي آخر الزمان، ويحذرهما من حرب الأهل والعشيرة, ومن التهجير، فتكون خديجة أول المؤمنين على الإطلاق، وتشمر عن ساعديها وتحمل هم الدعوة، وتحمل عن زوجها هموم الحياة كلها ليفرغ لدعوته ومهمته التي اختاره الله لها.
ويأتي جبريل ليبلغ خديجة السلام من ربها في اللحظة التي تفارق فيها الحياة. الله عز وجل في عليائه يرسل لخديجة السلام، فأي شرف تلقته تلك المرأة الأم والزوجة والداعية، ثم نجد في زماننا من يدعي أن المرأة غير مؤهلة للعمل أو المسئولية، في حين أنها تحملتها في صدر الإسلام وقامت بخير ما يقوم بها إنسان يعرف ما هي مهمته التي اختاره الله لها.
وتلك أم عمار ” سمية بنت خياط ” يبشرها الرسول صلى الله عليه وسلم وأهلَها بالجنة فيقول ” صبرا آل ياسر فإن موعدكم الجنة “، وتكون أول روح ترتقي لله شهيدة، وتكون أول دماء زكية في سبيل الله، لم تختبئ من كفار قريش وتتلمس الأعذار لكونها امرأة، ولم ينهرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنها امرأة ويجب أن تكون في الظل خوفا وحفاظا عليها، بل كانت كزوجها وابنها، ولم تضعف, وبلغت مرتقى عجيبا بصبرها وإيمانها.
كذلك هاجرت المرأة مع من هاجر إلى الحبشة ثم المدينة المنورة، ثم بايعت نبيها وجاهدت معه في الغزوات والفتوحات من بعده صلى الله عليه وسلم .