“أي بني .. أجلس الآن أمام فراشك, وأتذكر كم كنت صغيرا في سنك, كبيرا في أفعالك, كنت دائما تتألم ولا تظهر إلا الرضا. اتذكر حين تم القبض عليك للمرة الثانية وأخفوك قسرا أربعة أيام تحت التعذيب في سلخانة الدور الرابع. وعندما رأيناك أول مرة في النيابة وكان الإنهاك من التعذيب باديا عليك وكانوا قد حرقوا لك لحيتك الصغيرة بالنار لتعترف بما لم تفعل, وقلت لي: لا أريد من أمي أن تقترب مني, لأَنِّي جسدي يؤلمني, وستعرف أنهم عذبوني وستحزن, ولا أريدها أن تتألم.
اتذكر حين كنّا في معهد السرطان وطلبنا أنا وأمك مترجمًا حتي نستوعب ما سيقوله الطبيب وحينها رفضت أنت بشدة إحضار المترجم, وقلت إنك أنت ستتولى الترجمة, وغضبت أنا وأمك, وتدخلت إحدي المسؤولات, وكانت تحبك, وقالت: أنا سأذهب له, واتولى إقناعه, ثم عادة بعد نصف ساعة, فسألناها: هل أقنعتيه؟ فانفجرت في البكاء وقالت: أول مرة يحدث أمامي هذا الأمر.. هو لا يريد مترجمًا حوفًا عليكما من الأخبار السيئة, ويقول أنا أترجم لهما ما لايؤلمهما واحتفظ لنفسي بما يؤلم. ثم قالت: لأول مرة أرى الابن الصغير هو من يحمي والديه, رغم ألمه.
اتذكر حين دخل عليك الطبيب بعد جلسة من (العلاج) الكيماوي والإشعاع معا, وقال لك: كيف حالك؟ فقلت كعادتك: الحمد لله. فقال لك أنت تكذب! .. أنا طبيبك وأعلم أنك تحترق من الداخل, فنظرت إليه وأنت تبتسم, وقلت: الحمد لله.
كم كنت كبيرا يا بني وكنا نحن صغارا”.
الكلمات السابقة قالها الأب المفجوع في ابنه؛ إيهاب حسن, والد الشاب مهند إيهاب, الشهير بـ “نحلة”, والذي توفي قبل يومين في الولايات المتحدة حيث كان يعالج, وكان قد سُجن مرتين في ظل الانقلاب العسكري في مصر, لأنه يقوم بتصوير المظاهرات, وفي السجن غزا السرطان جسده النحيل وتمكن منه, ولم يتركوه إلا لعد أن تمكن السرطان منه, فلم تفلح معه محاولات العلاج.