البنك المركزى المصرى
البنك المركزى المصرى

إهدار المال العام فى مصر .. من يحاسب طارق عامر؟

على مر العصور؛ كانت أموال المصريين مستباحة من قبل حاكميها دون حسيب أو رقيب اللهم إلا فى بعض الفترات التي وُجد فيها حكام يخافون الله أو قبل استيلاء العسكر على الحكم عام 1952، حين كانت هناك مجالس نيابية منتخبة تحاسب على أوجه إنفاق المال العام.

واستمرت عمليات نهب المال العام بطريقة منظمة, بل بطريقة مقننة بعد دخول مصر عصر “الخصخصة” فى مرحلة التسعينات من القرن الماضي وتسارعت مع بداية الألفية الجديدة وتحديدا مع حكومة سيئ الذكر “عاطف عبيد” الذى تولى رئاسة الوزارة من أكتوبر 1999 وحتى يوليو 2004 والتى كانت عصرا ذهبيا فى سرقة المال العام وبيع مصانع وشركات مصر تحت اسم “برنامج الخصخصة” الذي تسبب فى تشريد آلاف العاملين وإهدار مليارات الجنيهات على الدولة.

“عاطف عبيد” أيضًا هو أول من اتخذ قرارا بتعويم الجنيه المصرى أمام الدولار فى بداية عام 2003 , وقد تسرب هذا القرار إلى عدد من الأشخاص المقربين فتمت عمليات اقتراض واسعة من البنوك دون ضمانات تذكر، وتم شراء دولارات بالأموال المقترضة بسعر 3.40 قرشا للدولار والاحتفاظ بالدولار إلى أن اتخذ قرار التعويم خلال أيام قليلة فارتفع الدولار حتى قارب الـ 7 جنيهات ثم استقر عند 6.20 قرشا للدولار وحقق المحاسيب من الحظوة مكاسب اقتربت من الضعف وحققوا الملايين، ولم يُحاسب أحد.

وما أشبه الليلة بالبارحة؛ تمر الأيام وتقوم ثورة عظيمة هى ثورة يناير 2011 ويختار المصريين من يحكمهم من خلال انتخابات ديمقراطية شهد لها العالم أجمع بنزاهتها فيتم الانقلاب على الرئيس الشرعى واختطافه على يد عصابة تسمى نفسها زورا “قادة الجيش المصرى”, والجيش منهم براء فهم ليسوا إلا عصابة تقوم على سرقةٍ منظمة لمقدرات الشعب المصرى.

وبعد تولى قائد الانقلاب حكم البلاد، شهد الاقتصاد المصرى أزمة طاحنة أدت إلى تراجع إيرادات قناة السويس وتوقف شبه تام لحركة السياحة، فضلا عن تراجع تحويلات المصريين بالخارج وتوقف الصادرات المصرية بسبب تراجع الاستثمار المباشر وانسحاب عديد من الشركات العالمية من السوق المصرية، كل هذه العوامل وغيرها أدت إلى تراجع حاد فى احتياطى مصر من النقد الأجنبى وشح كبير فى المعروض من الدولار ما أدى إلى تراجع حركة الاستيراد بسبب عدم قدرة البنوك على توفير الدولار للمستوردين, فأدى إلى ارتفاع سعر الدولار فى السوق الموازي “السوق السوداء” إلى مايقارب 10 جنيهات.

الجنية

وفى ظل اقتصاد مهترئ وتراجع كبير فى حركة الصادرات وانخفاض مستوى الدخل للمواطنين، اتخذ محافظ البنك المركزى “طارق عامر”, أحد المحسوبين على نجل المخلوع “مبارك” الذى قامت ثورة يناير عليه، اتخذ قرارا خطيرا بتعويم الجنيه المصرى مرة أخرى بعد أن كان سعره الرسمى فى البنوك 7.83 قرشا للدولار، ما اعتبره الخبراء قرارا أهوجا بسبب اعتماد مصر على استيراد 80% من احتياجاتها الأساسية مما يترتب عليه ارتفاع أسعار جميع السلع وخاصة الأساسية منها مع رفع الدعم عنها, وهو الأمر الذى لا يستطيع المواطن المصرى تحمله.

لكن طارق عامر اتخذ قرار تعويم الجنيه بعد طرح عطاء دولاري بقيمة نصف مليار دولار للبنوك بسعر 7.83 قرشا بعد إلغاء حد الإيداع والسحب فى البنوك بالدولار والمحدد بـ 10 آلاف دولار، ولم ينتظر “عامر” سوى 4 أيام وقام بخفض قيمة الجنيه بنحو 112 قرشا .

هذا القرار أدى إلى خسائر أكثر من 500 مليون جنيه على خزائن الدولة فى الوقت الذى يطالب فيه قائد الانقلاب المصريين بالتبرع لمصر بـ “جنيه” مع بداية كل صباح لانقاذ الاقتصاد المصري الذى أصبح يعيش على التسول والمنح، فى حين تهدر موارد الدولة جهارا نهارا.

عملية نهب منظمة

وكانت البداية كالاتى :

في ٨ مارس الجاري.. قررالبنك المركزي برئاسة طارق عامر إلغاء الحد الاقصى للإيداعات في البنوك، وفي ١٠ مارس أي بعد يومين من رفع الحد الاقصى للايداعات بالنقد الأجنبي أعلن البنك المركزى المصرى ضخ 500 مليون دولار فى عطاء استثنائى, بديلًا عن العطاء الدولارى الدوري، الذى كان مقررًا بنحو 40 مليون دولار للبنوك العاملة فى السوق المحلية بسعر 7.8301 جنيه للدولار، أي أن البنك المركزي باع ٥٠٠ مليون دولار للبنوك بسعر 7.83 جنيه وقامت البنوك ببيع جزء من تلك الاموال لمستثمرين وأفراد ومؤسسات, ما يعني أن من اشترى سواء البنوك, أو من اشترى منها فقد  اشترى بسعر 7.83 جنيه.

وفي ١٤ مارس أي بعد ٤ أيام فقط من بيع نصف مليار دولار رفع طارق عامر سعر الدولار ليصبح 8.85 قرشًا أي بزيادة 112 قرشًا، مايعني أن من اشتروا منذ ٤ ايام فقط ربحوا 112 قرشا على كل دولار، أي ٥٦٠ مليون جنيه.

ولما كان قرار بيع 500 مليون دولار حصل بعد رفع البنك المركزي الحد الاقصى للايداعات اليومية داخل الحسابات بيومين فقط فإن هذا يعني أن القرار تم تفصيله حتى يتمكن من حصل على الدولارات المدعومة من ادخالها في الحسابات البنكية بدون حد أقصى.

وحاول طارق عامرالتغطية على تلك الجريمة بطرح 200 مليون دولار بالسعر الجديد حتى يبدو وأنه يقوم بإغراق السوق بالدولارات للقضاء على السوق السوداء.

وبالتالى تعرض المال العام للدولة لعملية نصب على أعلى مستوى من محافظ البنك المركزي طارق عامر؛ نجل شقيق المشيرعبد الحكيم عامر, وهو قد تم تعيينه بمعرفة “عبدالفتاح السيسى” وأصبح شريكا له فى ضياع  أموال الدولة التى من حق الشعب أن يعرف أين ذهبت؛ وهى جرائم لاتسقط بالتقادم.

طارق عامر

بلاغ للنائب العام

المحامي محمد سالم تقدم ببلاغ لنائب عام الانقلاب يتهم فيه “طارق عامر ” محافظ البنك المركزى بإهدار المال العام، وقال المحامي في نص مذكرته: “قرر البنك المركزي برئاسة طارق عامر بيع 500 مليون دولار أمريكي، إلى البنوك وقاموا بالبيع إلى الأفراد والمؤسسات بخلاف ما احتفظت به هذه البنوك بسعر 7.83 جنيه للدولار الواحد وذلك في عطاء استثنائي مفاجئ بديلا عن العطاء الدولاري الدوري المعتاد”.

واتهم سالم, عامرًا بالتسبب في تدهور الأحوال النقدية للبلاد، وارتكابه لمخالفات صارخة أثناء فترة وجوده محافظا للبنك المركزي، معتبرا أن مخالفات عامر أوصلت البلاد حاليا لـ “حارة سد”.

شريف اسماعيل

استجواب برلمانى

وتقدم الدكتور محمد فؤاد عضو “برلمان العسكر” عن حزب الوفد، بطلب لرئيس المجلس، لتوجيه طلب إحاطة لكلٍ من شريف إسماعيل رئيس مجلس الوزراء, وطارق عامر محافظ البنك المركزى، وهانى قدرى وزير المالية، بشأن أهدار المال العام من جانب طارق عامر محافظ البنك المركزى لضخ 500 مليون دولار قبل خفض قيمة الجنيه بأيام معدودة.

وقال فؤاد فى الطلب المقدم منه، إن العطاء الاستثنائى بمبلغ 500 مليون دولار بديلاً عن العطاء الدورى المعتاد بتاريخ 10 مارس 2016 بسعر 7.83 قرش للدولار وبعد 4 أيام فقط قام البنك المركزى بعده بخفض قيمة الجنيه أمام الدولار بقيمة 1.12 جنيه لكل دولار، الأمر الذى أدى إلى أهدار 560 مليون جنيه عبارة عن فروق بين العطاء المذكور قبل التخفيض والعطاء بعد تخفيض قيمة الجنيه، مع العلم أن خفض الجنيه من القرارات الخطيرة التى تتم دراستها.

وأوضح فؤاد فى طلب الإحاطة، أن قرار محافظ البنك المركزى ببيع 500 مليون دولار تزامن مع رفع الحد الأقصى للإيداعات الدولارية فى البنوك ما أدى إلى خسارة خزينة الدولة 560 مليون جنيه، وهذا التصرف المريب يضع العديد من علامات الاستفهام حول أداء محافظ البنك المركزى، الذى كان يعلم بقرار خفض الجنيه أمام الدولار، ومع ذلك أصدر عطاءً استثنائيًا بديلاً عن العطاء الدولارى المعتاد قبل قرار التخفيض بأربعة أيام.

بقي أخيرا أن نشير إلى أن سلطة الانقلاب تغولت على المال العام من أجل تحقيق بعض أفراده لمكاسب خيالية في أوقات قليلة ربما لخلق لوبى مصالح يلتف حول قائد الانقلاب العسكرى ليرتبط مصيرهم بمصيره .. ولا عزاءَ للشعب المقهور.

شاهد أيضاً

بعد موقفهما تجاه ليبيا.. محاولات لبث الفتنة بين تركيا وتونس

منذ أن بدأ الجنرال الانقلابي خليفة حفتر محاولة احتلال طرابلس في إبريل الماضي، لم تتوقف …