إستراتيجية الإعلام الإيراني المحافظ تجاه سوريا
لا تزال طهران ترجو، وتأمل بقوة الإبقاء على نظم الحكم في سوريا، وتسعي لتقديم الدعم بكافة أشكاله وصورة لها، حفاظاً على نظامها السياسي؛ وتأكيد الالتزام غير المحدود تجاه أمنها. وقد ركّزت طهران من خلال صحف التيار المحافظ على ضرورة الوقوف مع سوريا، ووضع مختلف إمكانات الدولة الإيرانية تحتَ تصرّفها للخروج من المؤامرة التي حاكتها لها قوى الاستكبار. وخلافاً لموقف إيران من الثورات في مناطق أخرى من المنطقة العربية، ركّزت صحفُ التيّار المحافظ على وصف “الثوريين” وليس الحالة الثورية في سوريا، ونعتت الثوريين بألفاظ قاسية مثل: شغب الإرهابيين([1] )، عملاء الفتنة([2])، المأجورون والعملاء،([3]) أحداث الشغب المدعومة من الاستكبار العالمي”([4])، قوى الشر([5])، الشياطين ([6])، الخارجون عن القانون والوحدة الوطنية ([7]), ونعتت المحتجين بأنهم مثيرو الفتنة ([8])مثيرو شغب([9] ) إرهابيون مأجورون من أمريكا وإسرائيل لخلق الفتنة والفوضى وضرب الوحدة الوطنية،([10])عملاء قوى الشر والظلام ([11]).
ويلاحظُ أنها تجاهلت بداية الانتفاضة في سوريا، وركّزت على الأحداث في البحرين واليمن، ثم بدأت تتحدث عن الثورة في سوريا من حيث كونها حركة إرهابية مدعومة من الخارج للنيل من مواقف سوريا الداعمة للمقاومة اللبنانية والفلسطينية ([12])، واعتبار سوريا ركناً أساسياً مهماً لتحقيق الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط، وركزت على بث “اعترافات” نقلتها وسائلُ الإعلام الرسميّة السورية لمجموعات وخلايا إرهابية، هدفها ضرب استقرار سوريا، وقالت إنها تلقّت أسلحة وأموالاً من عملاء الاستكبار أمريكا وإسرائيل لإرسال معلومات وصور وفيديو للاحتجاجات إلى الخارج، والتنسيق مع المعارضة في الخارج، ومع قوى سلفية تكفيرية متطرفة مدعومة من بعض الدول العربية، ونشرتْ هذه الأخبار في عناوين صفحاتها الرئيسية ([13]).
وقد ركزت وسائل الإعلام الإيرانية المحافظة على أهمية الإصلاحات التي تقوم بها القيادة السورية، حيثُ تأتي هذه الإجراءات في إطار سياسة التهدئة التي تقوم بها، معتبرةً أنَّ الحكومةَ السورية قامت بإجراءات وخطوات متوازنة بهدف تعزيز مسيرة الإصلاح، وتعزيز الأمن ([14])، وأقرت بمراعاة سوريا للسقف الزمني لتحقيقها، وعللت أنَّ هناك فئات خارجة عن القانون قامت بافتعال التظاهرات في سوريا لتعطيل عملية التحول الديمقراطي في سوريا ([15]).
ومعتْ وسائلُ الإعلام المحافظة على وجود مخطط دولي مدعوم بقوى إقليمية عربية للنيل من صمود سوريا، عن طريق الاستعانة بالحركات السلفية التي وصفتها بالمتطرفة، وأشارت إلى الحملة الممنهجة التي يتعرض لها صمود الدولة السورية المناضلة ضدّ قوى الغطرسة التي تسعى للنيل منها ([16])، ودلّلتْ على ذلك من خلال عرض الوثائق التي كشف عنها موقع ويكيليكس لكشف تاريخ المؤامرة ضدّ سوريا إلى فترة حكومة بوش التي وضعت إستراتيجية هدفتْ إلى مد جماعات المعارضة للنيل من استقرار الأوضاع وتوتيرها في سوريا ([17])، وتحميل جماعات المعارضة المسئولية عن تأخر الإصلاحات، وأنّ هناك قوى داخلية سورية قاومت سياسة بشار إجراء الإصلاحات ([18]) .
كانَ من الصعب على الحكومة الإيرانية إعلان مبدأ واحد، أو سياسة موحّدة للتعامل مع ثورات المنطقة العربية، وتطبيقه في جميع الحالات، فبعد اتساع نطاق التظاهرات في عدد من الدول العربية، عمدت مؤسسات صنع القرار الإيرانية إلى التعامل مع كل ثورة أو حالة احتجاج على حدة, حسب المصلحة البراجماتية الإيرانية؛ وعكس السلوك الخارجي الإيراني بشكل واضح هذا الموقف، وهذا ما برز من خلال تحليل محتوى الصحف المحافظة مستندًا على عدد من الاستراتيجيات أبرزها:
أولا: الفصل في تأييد الثورة في اليمن والبحرين، خدمة لأهداف سياسية ومذهبية تندرج في إطار حفاظ إيران لبناء مجالها الحيوي المذهبي, فقامتِ الصحفُ المحافظة بتأييد ثورة من اليمن والبحرين مباشرة، دون انتظار أو ترقب، وتبعت ذلك بتكثيف التحليلات الإعلامية لتعظيم الفوائد المرجوة من هذا التغيير؛ والتدخل في هذه الأزمات المشتعلة، وشجّعتْ مطالب المتظاهرين بالإطاحة بالأنظمة الحاكمة في هذه الدول، وضرورة حدوث تغير حقيقي في سياسات الأنظمة الجديدة وإعطاء الشيعة حقوقهم كاملة غير منقوصة على اعتبار أنهم يشكلون أغلبية في البحرين، وجزء مهم من النسيج الاجتماعي والديموجرافي في اليمن، وخارجياً ضرورة إحداث تحول حقيقي في سياسة الأنظمة الجديدة تجاه الهيمنة الأمريكية، وطرد الوجود الأجنبي من اليمن والبحرين، وضرورة بناء علاقات جديدة مع إيران.
فالعلاقةُ بينَ إيران وكبار قادة الثورة في اليمن والبحرين ضرورية ومستمرة في فترة الثورة، الأمر الذي يترك انطباعاً بأنّ هناك قنوات كثيرة مفتوحة بين الجانبين، وأنّ هذه القنوات لم تُغلق في أي وقت، ورغم أي ظرف، على عكس علاقات إيران الدبلوماسية مع حكومات اليمن والبحرين التي عاشت قبل الثورة وأثناءها بينَ مدٍّ وجزرٍ.
ثانياً: إستراتيجية التشدد والتعبئة في الوقوف ضدّ الثورة السورية، ووضع مختلف إمكاناتها في خدمة النظام دعماً لمصالحها، وتعزيزاً لعلاقاتها الإستراتيجية معه. وتشكل الثورة في سوريا تحدياً خطيراً لإيران، حيثُ أنَّ الثورة السورية سوف تعرَّض المصالح الإيرانية في المنطقة للخطر، وسيكونُ من الصعب جدّاً حماية هذه المصالح مستقبلاً، أو تعويضها؛ خاصّةً في ظلّ التداخل الواسع بين المصالح الإيرانية والسورية في مداخل الأزمات الإقليمية، واعتبار سوريا مدخلاً مهما لإيران للعبور إلى الأزمات في كل من لبنان، وفلسطين، وتوظيف إيران لهذه الأزمات كأوراق رابحة تنتظرُ مقايضتها في بناء جسور العلاقات مع الغرب مستقبلاً، وقد عبّرت عن ذلك وسائل الإعلام المحافظة وتحدثت عن أهمية تقديم الدعم اللامحدود للنظام السوري للقضاء على الثورة، خاصة أن الإيرانيين لم يتخيلوا أن تصلَ شرارةُ الانتفاضاتِ العربية إلى سوريا، وكانوا يعتبرونَ أن انتفاضةَ الشّعب السوريّ ضدّ نظام حكمه محضُ افتراء، ولكنها بالمقابل وضعتْ عدّة سيناريوهات لكيفية التعامل معَ أيّ حالةٍ جديدةٍ قد تنشأ في سوريا خلافاً لمصالحها.
رئيس وحدة الدراسات الإيرانية – مركز أمية للبحوث والدراسات الإستراتيجية
-[1] روزنامه جمهورى اسلامى، 17 ارديبهشت1390
[2] -روزنامه رسالت، 18 ارديبهشت 1390
-[3] روزنامه قدس، 19 ارديبهشت1390
[4] -روزنامه جمهورى اسلامى، 21 ارديبهشت1390
[5] -روزنامه كيهان فارسى، 22 ارديبهشت1390
[6] -روزنامه جمهورى اسلامى، 22 ارديبهشت1390
-[7] روزنامه جمهورى اسلامى، 23 ارديبهشت1390
[8] -روزنامه جمهورى اسلامى، 24 ارديبهشت 1390
-[9] روزنامه رسالت، 25 ارديبهشت1390
-[10] روزنامه جمهورى اسلامى، 25 ارديبهشت 1390
-[11] روزنامه كيهان فارسى 26 ارديبهشت1390
[12] – روزنامه قدس، 17ارديبهشت 1390
[13] -روزنامه قدس، 22 ارديبهشت1390
[14] – روزنامه جمهورى اسلامى، سوريه وآينده اصلاح، 4 ارديبهشت1390
[15] -روزنامه كيهان فارسى، 23 ارديبهشت1390
-[16] روزنامه جمهورى اسلامى، 25 ارديبهشت1390
[17] -روزنامه رسالت، 25 ارديبهشت1390
[18] -روزنامه جمهورى اسلامى، 25 ارديبهشت1390