مع بداية العام الميلادي الجديد, أعلن الغرب رفع العقوبات المفروضة على إيران بسبب برنامجها النووى, وبدأت إيران تسابق الزمن لاستقطاب استثمارات أجنبية كبيرة تعوضها عن سنوات حرمان العقوبات الغربية التي دامت نحو 13 عاما, فضلا عن عقوبات أخرى كانت مفروضة منذ قيام الثورة ضد الشاه عام 1979 ثم تولي الخميني السلطة.
إيران وبفضل سياستها الخارجية استطاعت إدارة ملفها النووى مع الغرب فى مفاوضات شاقة استمرت سنوات, لوح الغرب خلالها بخيار الحرب عليها مرارا وتكرارا بقيادة الولايات المتحدة، لكنها استطاعت أخيرا أن تحصل على ما تريد لأن الضعفاء لا مكان لهم وسط الأقوياء.
كبدت العقوبات الغربية الاقتصاد الإيرانى نحو 120 مليار دولار على مدار 13 عاما، بالإضافة إلى استشراء الفساد في معظم مفاصل الدولة الإيرانية، وارتفاع معدلات التضخم السنوي إلى 40 % وهى من أكبر المشكلات التي تواجه حكومة الرئيس حسن روحاني، علاوة علي فقد العملة المحلية أكثر من 50% من قيمتها أمام العملات الأخرى، ومن أهم الآثار السلبية للعقوبات علي الاقتصاد الإيراني تلك المتعلقة بخفض صادرات إيران النفطية بأكثر من مليون برميل يومياً، وهو ما حرم طهران من عائدات بيع تقدر بمليارات الدولارات شهرياً، وأدي إلي انخفاض احتياطيات إيران من النقد الأجنبي من 100 مليار دولار في عام 2011 إلى 80 مليار دولار بحلول يوليو 2013.
وتسعى الحكومة الإيرانية بعد رفع العقوبات إلى اتخاذ إجراءات من شأنها تهيئة الاقتصاد لجلب الاستثمارات الأجنبية، وذلك من خلال إصلاح القطاع المصرفي وضبطه، إلى جانب دعم الصناعات المحلية، وحماية القطاعات الاقتصادية المؤثرة من المستثمرين الدوليين الكبار، لفائدة الهيئات والمؤسسات الداعمة للنظام الإيراني.
ويبدو أن أكثر ما ستستفيد منه طهران على المدى القريب بعد رفع العقوبات، هو الأموال المجمدة في الخارج، وتتضارب الأرقام بشأن حجمها، لكن بعض المصادر تتحدث عن أن لدى إيران ما بين 100 و140 مليار دولار من عائدات النفط مجمدة في مصارف أجنبية.
كما ستستفيد الهيئات البنكية والاقتصادية من سياسة الانفتاح على الغرب في المجالات الاقتصادية المتنوعة، حيث يقابلها من الطرف الغربي – وبخاصة ألمانيا – حماس كبير للاستثمار بالأساس في المجالات المرتبطة بصناعة النفط.
لكن ليست إيران المستفيد الأول والأخير من رفع العقوبات المفروضة عليها، إذ كان الغرب مستفيدا بدرجة يمكن أن تفوق الجانب الإيرانى .
فمازالت اقتصادات الدول الغربية تعانى منذ الأزمة المالية العالمية عام 2008 وتحتاج إلى أسواق خارجية جديدة لإنعاش اقتصادها وتصريف منتجاتها.
وقد بدأ الرئيس روحانى، أول جولة أوروبية لرئيس إيران منذ 16 عامًا إلى العاصمة الإيطالية روما، وهى الأولى له بعد رفع وتعليق العقوبات عن إيران، وكذلك فرنسا واصطحب معه وفدًا تجاريًا ضخما يضم 120 من كبار رجال الأعمال الإيرانيين، وخلال الزيارة جرى توقيع اتفاقيات ضخمة تقدر بعشرات المليارات من الدولارات.
إيران وايطاليا
وكان مصدر حكومي ايطالي قد قال إن روما بصدد توقيع اتفاقيات تصل قيمتها إلى 17 مليار يورو مع طهران خلال زيارة روحاني إلى ايطاليا.
وتغطي الاتفاقيات قطاعات مختلفة من بينها الطاقة والصلب, وأعلن مصدر مطلع أن الاتفاقيات تشمل عقدا مع مجموعة سايبم للخدمات النفطية لمد خط أنابيب بطول 2000 كيلومتر بقيمة تتراوح بين 4 و5 مليارات دولار.
من جانبها قالت شركة الصلب الإيطالية “دانييلي” إنها ستوقع اتفاقيات تجارية مع إيران بقيمة 5.7 مليار دولار. كما تشمل الاتفاقيات مشروعا مشتركا بقيمة ملياري دولار يعرف باسم “بيرجيان ميتاليكس” ولكن لم يفصح عن تفاصيل المشروع.
إيران وفرنسا
فرنسا التى كانت مقر إقامة “الخومينى” مفجر الثورة الإيرانية ضد حكم الشاه عام 1979 هى المحطة الثانية فى جولة الرئيس الإيرانى روحانى حيث يقوم بإبرام عديد من الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية.
وتعانى فرنسا أزمة بطالة حادة حيث سجلت معدلا قياسيا جديدا، بعد أن وصل عدد العاطلين المسجلين في فرنسا إلى ثلاثة ملايين و590 ألفا في ديسمبر الماضي بزيادة قدرها 0.4 بالمئة عن الشهر السابق و2.7 بالمئة على مدى عام, حسب إحصائيات وزارة العمل. وكانت الوزارة قد أعلنت الأربعاء الماضي، أن 15800 شخص انضموا إلى العاطلين عن العمل في فرنسا في ديسمبر الماضي، ليرتفع العدد إلى مستوى قياسي جديد.
وبالتالى كانت حاجة فرنسا إلى رفع العقوبات عن إيران أكبر منها كونها شريكا اقتصاديا وتجاريا كبيرا قبل فرض العقوبات.
وأعلن وزير النقل الإيرانى عباس اخوندى أن إيران ستوقع عقدا لشراء 114 طائرة إيرباص خلال زيارة “روحانى” لفرنسا، وإنها قد ترفع العدد إلى أكثر من 500 طائرة فى الأجل المتوسط أو حوالى ثلاث سنوات مع خروج قطاع الطيران الإيرانى من عزلته, وذلك من أجل إعادة بناء الأسطول الجوي الذي عانى كثيراً بسبب حظر دولي قاسٍ على استيراد الطائرات من الخارج دام لأكثر من 10 سنوات، كما يبرم روحانى اتفاقات مع شركات إنتاج سيارات كبرى، وشركات متخصصة في إدارة الفنادق، فضلا عن عودة شركة توتال الفرنسية، عملاق شركات النفط العالمية، للعمل في مجال استكشاف النفط والغاز في إيران.
إيران والولايات المتحدة
وكان لتنفيذ الاتفاق النووى ورفع العقوبات المفروضة على إيران تأثير كبير على حركة التجارة بين طهران وواشنطن حيث طلبت الأخيرة فور تنفيذ الاتفاق شراء “الزعفران” من إيران، وقريبا ستنطلق أول شحنة تحتوى على (20 كيلو جرام) من الزعفران الإيرانى لأول مرة منذ 15 عاما إلى الأسواق الأمريكية.
وقال رئيس صندوق تنمية وتصدير الزعفران الإيرانى “محمد جواد رضايى” إنه بعد تطبيق الاتفاق النووى طلبت بشكل مباشر دول أوروبية مثل إسبانيا شراء الزعفران الإيرانى، بينما فى سنوات العقوبات كان يواجه تصدير هذا المحصول إلى الدول الأوروبية مشكلات عديدة بسبب العقوبات المصرفية ونقل الأموال.
إيران واليونان
اليونان التى تعانى أزمة مالية خانقة تكاد تعصف بها خارج الاتحاد الأوروبى وفى ظل تراجع كبير للاقتصاد اليونانى, هرولت هي الأخرى باتجاه إيران بعد رفع العقوبات عليها لطلب إستيراد النفط.
وتوصلت اليونان إلى اتفاق مع مسئولين بارزين بوزارة النفط الإيرانية كى تصبح أول دولة أوروبية تستأنف استيراد النفط من إيران بعد رفع العقوبات عنها.
وتم توقيع الاتفاق بين نائب وزير النفط الإيراني، أمير حسين زمانى نيا، ووزير الطاقة اليوناني، بانوس سكورليتيس.
ووفقا لبنود الاتفاق، فإن أثينا ستشترى 25% من احتياجاتها النفطية من طهران. وتعد اليونان أحد مستوردي النفط التقليديين بالنسبة لإيران، لكنها اضطرت لوقف استيراده جراء اشتداد العقوبات الموقعة من جانب الاتحاد الأوروبى على طهران فى السنوات الأخيرة.
ومع رفع العقوبات، أبدت اليونان مرة أخرى استعدادها لاستيراد النفط من إيران، إلى أن اتفق الطرفان على تفاصيل الاتفاق، الأسبوع الماضى، خلال زيارة لوفد من وزارة النفط الإيرانية إلى أثينا.
إيران والصين
أيضا, فإن الصين وهى أحد أطراف الاتفاق النووى مع إيران كان لها نصيب فى الاستفادة من رفع العقوبات حيث قام الرئيس الصينى شين بينج بزيارة إيران الأسبوع الماضى واتفق مع الرئيس حسن روحاني على زيادة التبادل التجارى بين بلديهما إلى 600 مليار دولار خلال الـ 10 سنوات القادمة.
وفى الوقت الذى تبحث فيه جميع الدول عن مصالحها وتحقيق الرفاهية لشعوبها تعيش المنطقة العربية صراعات وحروب ونزاعات جعلت من مستقبل شبابها غامضا إن لم يكن أسودا فى ظل تراجع أسعار النفط عالميا حتى وصل إلى 28 دولار للبرميل وهى سابقة لم تحدث منذ 13 عاما ، وخسائر كبيرة لأسواق المال وارتفاع نسب البطالة ما اضطر معظم الدول الخليجية إلى الاقتراض لسد عجز الموازنة ورفع الدعم عن المنتجات البترولية .