في 29 يونيو الماضي، صرّح قائد الانقلاب العسكري في مصر؛ عبدالفتاح السيسي، قائلًا: “أقول لعلماء الأزهر واصلوا جهودكم، ومساعيكم المحمودة؛ من أجل تجديد الخطاب الديني، والتعريف بمفهوم الإسلام الحقيقي، الذي يحض على التسامح والرحمة، ويتنافى مع دعاوى القتل والتخريب والتدمير”، غير أن دعوته بدأت بوضع قيود صارمة على خطبة الجمعة.
الخطبة الموحدة أو المكتوبة، كانت إحدى الطرق التي حاول بها الانقلاب لجم كل من يتحدث, حتى لو كان المتحدث عالم دين وهو ما أسماه “تجديد الخطاب الديني”، ويبرر مسؤولو وزارة الأوقاف الخطبة المكتوبة بأنها تلزم الأئمة بمدة مناسبة للخطبة، وتضمن ألا تتشتت أفكارهم خلال الخطابة الحرة، وأن لجنة الشؤون الدينية والأوقاف بمجلس النواب ستشارك بالرأي في كتابة الخطبة، وأن علماء النفس والاجتماع والتنمية البشرية سيكون لهم دور في ذلك.
وبعد القرار، زعِم وزير أوقاف الإنقلاب، محمد مختار جمعة، أن هذه الفكرة ستمنع استغلال المنابر في الترويج لأي أفكار منحرفة أو متطرفة تدفع المجتمع إلى الفتنة أو الفرقة”، وقال “إن الخطبة الموحدة ستجعل الخطيب غير مهموم باستحضار المعلومات الدينية، بل يكون اهتمامه منصبا على التمكن من الأداء الجيد على المنبر”.
هيئة كبار العلماء ترفض القرار
وقد رفضت هيئة كبار العلماء قرار الخطبة المكتوبة بإجماع الآراء, في حضور رئيسها؛ زعيم الانقلاب الديني، وأحد أذرع 30 يونيو؛ الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، وقالت الهيئة فى بيان لها: “إنه اضطلاعًا بدور الأزهر الشريف الذي حدده له الدستور بأنه المسؤول عن الدعوة الإسلامية، قرَّرت الهيئة بالإجماع رفض الخطبة المكتوبة، مُعتبرة هذه الخطوة تجميدًا للخطاب الديني”.
وأضافت: “أنه حتى لا يتكئ الخطيب على الورقة المكتوبة وحدها، مما سيؤدي بعد فترةٍ ليست كبيرة إلى تسطيح فكره وعدم قدرته على مناقشة الأفكار المنحرفة والجماعات الضالة التي تتخذ الدين سِتارًا لها”.
وأوضح البيان أن تلك الجماعات المتطرفة تستخدم من بين أساليبها تحريف بعض آيات القُرآن الكريم والأحاديث النبوية عن مواضعها، والتلبيس بها على أفهام عوامِّ المسلمين، مما قد يصعب على الإمام مناقشة هذه الأفكار وتفنيدها والرد عليها وتحذير الناس منها، وهو الأمر الذي يوجب مزيدًا من التدريب للخطيب والداعية وإصقاله بمهارات البحث العلمي والدعوة والابتكار حتى يستطيع الحديث بما يُناسب بيئته والتغيرات المتطورة كل يوم، وحتى يجتمع الناس من حوله منصتين إليه.
تخبط أوقاف الانقلاب
منشور رسمى أصدرته مديرية أوقاف الغربية، أمس الثلاثاء، يلزم ائمتها وقياداتها، بالإدارات الفرعية بالخطبة المكتوبة والإلتزام بها حرفيا اعتبارا من الجمعة المقبلة، دون خروج عن النص، وقد تسبب المنشور فى إحراج الوزارة واتهامها بمخادعة الرأى العام بعد وعود بعدم إلزام الدعاة بها دون اقتناع وهو ما ثبت عكسه بموجب منشور الغربية.
وكانت وزارة الأوقاف قد ردت على بيان الأزهر، قائلة إن نجاح مصر فى الخارج يتوقف على تجديد الخطاب الدينى، مؤكدةً أن الخطبة المكتوبة ليست قيدًا أو نوعًا من القمع، ولكن لتقود الفكر المستنير فى العالم، مشيرةً إلى إعداد 54 قضية لمناقشتها على مدار العام بخطبة الجمعة، بمشاركة خبراء علم النفس والاجتماع، مع وجود خطة متكاملة وضعتها الوزارة لتجديد الخطاب الديني.
وقال البيان: “إن جميع قيادات الوزارة والغالبية العظمى من الأئمة على قناعة تامة بأداء الخطبة المكتوبة كونها تأتي في إطار مشروع فكري مستنير وفق خطة ومنهجية شاملة تحقق مصلحة شرعية ووطنية وذلك في إطار اختصاص وزارة الأوقاف في تنظيم شئونها الدعوية والإدارية”.
وأشار إلى أن الوزارة لم تصدر حتى تاريخه أي تكليف رسمي بذلك، وإنما تركته لقناعة واختيار الأئمة، وما زال موضوعها المكتوب حتى الآن استرشاديًا وفق ما يعلن دائمًا على موقعها الرسمي، وألمح إلى أن الوزارة أكدت – من قبل- أن المتميزين من الأئمة الراغبين في الارتجال لن يُمنعوا منه ما داموا ملتزمين بضابطي الوقت وجوهر الموضوع.