على الرغم من الاستياء والتحرّكات الاحتجاجية التي قام بها موظفو “جوجل” خلال الأشهر الأخيرة، اعتراضاً على موقفها من العدوان على غزة وعقودها التجارية مع إسرائيل، فإن الشركة الأميركية العملاقة لا تتجاهل هؤلاء وتقمعهم فحسب، بل توفر خدمات الحوسبة السحابية لوزارة الدفاع الإسرائيلية، وتفاوضت على تعميق شراكتها معها وسط حرب الإبادة المتواصلة منذ السابع من أكتوبر الماضي، وفقاً لما كشفته وثيقة داخلية اطلعت عليها مجلة تايم.
استناداً إلى الوثيقة المذكورة، أفادت مجلة تايم الأميركية، أمس الجمعة، بأن لدى وزارة الدفاع الإسرائيلية ما وصفته بـ”منطقة إنزال” خاصة بها داخل “جوجل كلاود”، وهي نقطة دخول آمنة إلى البنية التحتية للحوسبة التي توفرها “جوجل”، والتي من شأنها أن تسمح للوزارة بتخزين البيانات ومعالجتها والوصول إلى خدمات الذكاء الاصطناعي. وتاريخ بدء العمل بموجب هذا العقد قُدّر في 14 إبريل الحالي.
وكشفت “تايم” أن الوزارة الإسرائيلية طلبت مساعدة استشارية من “جوجل” لتوسيع وصولها إلى “جوجل كلاود”، من أجل السماح لـ”وحدات متعددة” بالوصول إلى تقنيات الأتمتة، وذلك وفقاً لمسودة عقد مؤرخة في 27 مارس الماضي. ويظهر العقد أن “غوغل” تقدّم فواتير لوزارة الدفاع الإسرائيلية بأكثر من مليون دولار مقابل خدماتها الاستشارية.
نسخة العقد التي اطلعت عليها “تايم” لم تكن موقعة من قبل “جوجل” أو وزارة الدفاع الإسرائيلية. لكن تعليقاً، في 27 مارس، على العقد نفسه، من قبل أحد موظفي الشركة الذي طلب نسخة قابلة للتنفيذ من العقد، ورد فيه أن التوقيعات “ستكتمل من دون اتصال بالإنترنت، لأنها صفقة بين إسرائيل ونيمبس”.
كذلك منحت “جوجل” الوزارة الإسرائيلية خصماً بنسبة 15 في المائة على السعر الأصلي مقابل الاستشارات في “إطار عمل نيمبس”.
مشروع “نيمبس” هو عقد وُقّع عام 2021، قيمته 1.2 مليار دولار، لتوفير خدمات سحابية إلكترونية للجيش والحكومة الإسرائيليين. وتسمح هذه التكنولوجيا بمزيد من المراقبة وجمع البيانات بشكل غير قانوني عن الفلسطينيين، وتسهل توسيع المستوطنات اليهودية غير القانونية على الأراضي الفلسطينية.
وُقّع هذا العقد في نفس الأسبوع الذي هاجمت فيه قوات الاحتلال الإسرائيلي فلسطينيين في قطاع غزة، ما أسفر عن استشهاد ما يقرب من 250 شخصاً، من بينهم أكثر من 60 طفلاً. وبموجب شروط العقد، لا تستطيع “جوجل” و”أمازون” منع أي جهة حكومية إسرائيلية، وبينها الجيش، من استخدام خدماتهما، ولا تستطيعان إلغاء العقد. لكن هذه المرة الأولى التي يكشف فيها عن عقد يوضح أن وزارة الدفاع الإسرائيلية هي أحد عملاء “جوجل كلاود”.
وكانت “جوجل” قد زعمت أخيراً بأن تعاونها مع حكومة الاحتلال الإسرائيلي مخصص لأغراض مدنية. وقال متحدث باسم الشركة لمجلة تايم، في مقال نُشر في 8 إبريل الحالي: “لقد كنا واضحين جداً في أن عقد نيمبس مخصّص لأعباء العمل التي تشغل على منصتنا التجارية من قبل وزارات الحكومة الإسرائيلية مثل المالية والرعاية الصحية والنقل والتعليم، وليس موجهاً إلى أعباء عمل عسكرية حساسة للغاية أو سرية تتعلق بالأسلحة أو أجهزة الاستخبارات”.
وأكدت المجلة أنها تواصلت مع “جوجل” في 10 إبريل، لتستفسر عن هذا العقد مع وزارة الدفاع الإسرائيلية، لكنها لم تتلقّ رداً.
ويأتي الكشف عن هذا العقد بعد أن كشفت تقارير إسرائيلية إخبارية أخيراً أن جيش الاحتلال يستخدم نظاماً مدعوماً بالذكاء الاصطناعي لاختيار أهداف للغارات الجوية على قطاع غزة.
من المحتمل أن يتطلب نظام الذكاء الاصطناعي هذا بنية تحتية للحوسبة السحابية لكي يعمل. لا يحدد عقد “غوغل” الذي اطلعت عليه مجلة تايم التطبيقات العسكرية، إن وجدت، التي تستخدمها وزارة الدفاع الإسرائيلية، وإن كانت “جوجل كلاود” بينها.
لكن موظفين في الشركة أكدوا لـ”تايم” أن “جوجل” لديها قدرة محدودة على مراقبة كيفية استخدام عملائها، وبينهم إسرائيل، بنيتها التحتية السحابية.
كانت “جوجل” قد طردت المهندس إيدي هاتفيلد، الناشط في مبادرة “لا تكنولوجيا للأبارتهايد”، الذي احتجّ على مشروع نيمبس، خلال فعاليات “مايند ذا تِك” Mind the Tech، وهو مؤتمر إسرائيلي سنوي للتكنولوجيا في نيويورك، في مارس الماضي. وكشفت “تايم” أن اثنين من موظفي “جوجل” استقالا احتجاجاً على المشروع نفسه الشهر الماضي.