البحرين تسقط الجنسية عن الشيخ عيسى قاسم.. الموقف والتبعات

أعلنت البحرين يوم 20 يونيو الجاري عن إسقاط جنسيتها عن الشيخ عيسى أحمد قاسم، الأب الروحي لتيار المعارضة الشيعي في البحرين، وورد في بيان وزارة الداخلية البحرينية “أن مملكة البحرين ماضية قدما لمواجهة كافة قوى التطرف والتبعية لمرجعية سياسية دينية خارجية، سواء تمثل ذلك في الجمعيات أو أفراد يخرجون على واجبات المواطنة والتعايش السلمي، ويقومون بتعميق مفاهيم الطائفية السياسية، وترسيخ الخروج على الدستور والقانون وكافة مؤسسات الدولة، وشق المجتمع طائفيا سعيا لاستنساخ نماذج إقليمية قائمة على أسس طائفية مذهبية”.

 وفيما لم يصدر أي رد فعل – ساعتها – من الشيخ قاسم على قرار حرمانه من الجنسية، احتشد أتباعه عند بيته مساء ذات اليوم رافعين شعار “بالروح بالدم نفديك يا فقيه” لابسين أكفانهم، ومعلنين تحدي النظام وأنه لن يصل إلى الشيخ إلا على أجسادهم.

وفي اليوم نفسه, عبرت الخارجية الأمريكية عن قلقها من تجريد الشيخ عيسى قاسم من جنسيته وأكدت أنها ستتابع هذه القضية، وفي اليوم التالي 21/6 أصدر الكونجرس الأمريكي تقريره بشأن الإصلاح السياسي وحقوق الإنسان في البحرين الذي اتهم الحكومة بالتقصير في تنفيذ توصيات التقرير الدولي (تقرير بسيوني) لمعالجة الانسداد السياسي منذ 2011.

وعبر الأمين العام للأمم المتحدة عن قلقه من القرار، واعتبر أن ذلك يقلل من فرص قيام حوار وطني. ووصفت المتحدثة باسم مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة القرار بأنه “غير مبرر وفقا للقانون الدولي”.

وأدانت إيران الإجراء بشكل خارج عن حدود الدبلوماسية المتعارف عليها، فالخارجية الإيرانية اعتبرت القرار تصعيد لـ “الممارسات الأمنية ضد الزعماء الدينيين والوطنيين” وأن هذه “الإجراءات التعسفية تبدد الآمال بإصلاح الأمور في البحرين عن طريق الحوار والوسائل السلمية، ونصحت الحكومة البحرينية بإنهاء الإجراءات الخارجة عن القانون، وتجنب تدمير جسور التواصل مع الشعب والزعماء المعتدلين في هذا البلد، والقبول بالحقائق الراهنة في البلاد، وعقد حوار وطني جاد لتسوية الأزمة الراهنة”.

أما مؤسسة المرشد فقد كانت أكثر حدة في تصريحاتها التي اتسمت بالتهديد الصريح للعائلة الحاكمة؛ إذ دعا المرشد الأعلى علي خامنئي إلى “عدمِ السكوتِ على هذا الظلمِ من قبلِ السلطاتِ البحرينية، مؤكدا أنَ نظام آلِ خليفة أقدمَ على خطوةٍ خطيرةٍ وبعيدةٍ عن العقلِ وذلكَ في إطارِ خدمتهِ لأمريكا وأتباعِها وخاصةً السعودية”.

من جانبه, أدان رئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني الإجراء وأن “ذلك يدلل على أن أسرة آل خليفة تلفظ أنفاسها الأخيرة” وفي إشارة لا تخلو من تهديد بثورة قادمة تطيح بالنظام قال: “حكام البحرين ينبغي لهم أخذ الدروس والعبر من مصير الشاه السابق، وأن يفهموا أنهم لا يمتلكون واحدا بالألف من جيشه وسلاحه”.

كما هدد قائد فيلق القدس اللواء قاسم سليماني بأن “التعرض للشيخ عيسى قاسم سيشعل النار في البحرين والمنطقة” واعتبر “أن غطرسة آل خليفة وصلت إلى حد أنهم زادوا من جرائمهم يوما بعد يوم وشددوا الضغط على الشعب البحريني” وأن الإجراءات التعسفية ستكون “بداية لانتفاضة دامية”. كما أصدرت السلطة التشريعية الإيرانية بيانا وقعه 252 نائبا “ندد هؤلاء بانتهاك النظام البحريني لحرمة الشيخ عيسى قاسم عبر تجريده من جنسيته وحقوقه، مشيرين إلى أن هذه الخطوة تتنافى وميثاق الامم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان.”

و صرح زعيم حزب الله اللبناني حسن نصر الله بصيغة التهديد بأن هذه الإجراءات “تدفع الشعب البحريني إلى خيارات صعبة ستكون عاقبتها وخيمة على هذا النظام الديكتاتوري الفاسد” واصفا القرار بأنه “نهاية الطريق” في تعامل البحرين مع ما وصفه بـ”الحراك الشعبي السلمي”، ودعا شعب البحرين إلى التعبير الحاسم عن غضبه وسخطه بسبب النيل من رمزه الكبير.

ودخلت الميليشيات العراقية في المشهد بتهديد البحرين بالأعمال الانتقامية، حيث قال قائد الحشد الشعبي قيس الخزعلي إن الحشد مستعد لنصرة إخوانهم البحرانيين، وانطلاق العمل المسلح لتحرير المظلومية بحق الشيعة.

 وفي يوم 23 يونيو أجرى المرجع الأعلى آية الله علي السيستاني اتصالا هاتفيا مع الشيخ عيسى قاسم، أعرب فيه عن دعمه له، وأشاد بجهوده في الدفاع عن حقوق الشعب البحريني سلميا؛ كما اتصل نجل السيستاني بممثل الأمين العام للأمم المتحدة في العراق، وأبلغه امتعاض السيستاني مما جرى لاسم، مطالبا بالتحرك السريع للضغط على السلطات البحرينية للعدول عن قرارها.

من ناحيته, قال عبدالله الدقاق الممثل والمتحدث باسم عيسى قاسم في مؤتمر صحافي في إيران إن القرار يعني بداية العد التنازلي لحكم آل خليفة.

 التبعات

ولا ينظر إلى قرار إسقاط جنسية المرجع السياسي، وممثل المرشد الأعلى في البحرين عيسى أحمد قاسم بمعزل عن إجراءات البحرين المتتالية منذ تعرضها لأعمال عنف وشغب هدد وجودها وكياناتها المؤسسية عام 2011، فيما عُرف بثورة 14 فبراير، التي اتهمت بالطائفية وتنفيذ مخطط إيراني لإسقاط الحكم وإعلان جمهورية خاضعة لولاية الفقيه.

كما لا يمكن تحليل الموقف دون اعتبار المشهد الإقليمي المتأثر بالخلافات الإيرانية السعودية، ومقتضيات صراع القطبين الذي قد يستمر لعقدين قادمين، إلا أن انعكاساته وإفرازاته الاجتماعية والاقتصادية قد تطول لضعفي المدة أو يزيد.

وبالنظر في شخص عيسى قاسم فإن الرجل يعتبر ممثلا لتوجهات المرشد الأعلى علي خامنئي الذي يدير مشروعا ثوريا توسعيا تحت مقررات أيديولوجيا ولاية الفقيه وبرامج عملها في منطقة الشرق الأوسط، وخاصة الجزيرة العربية التي تعتبر مجالا حيويا للنشاطات الإيرانية، فقد عرف عيسى قاسم (مواليد 1937) منذ سبعينيات القرن الماضي بكونه رجلا سياسيا أكثر منه ديني، فقد أسس عام 1971 جمعية التوعية الإسلامية، وقاد كتلة نيابية شيعية في فترة تمثيله النيابي في برلمان البحرين الأول بعد الانتداب؛ بحكم رئاسته المجلس الإسلامي العُلمائي الذي أسسه آنذاك، وفي انتفاضة التسعينات الشيعية غادر البحرين عام 1996 ليقيم في قُم إلى حين صدر العفو العام من ملك البحرين عام 2001، ليعود ويؤسس المجلس العلمائي، ويترأس الحراك السياسي الشيعي من جديد، وقد عُرف عنه تدخله في العملية الانتخابية عبر فتاوى “القوائم الإيمانية” وإلزام مريديه بالتصويت للقوائم التي يصدرها المجلس العلمائي الذي يترأسه، ما منح حزبه السياسي “جمعية الوفاق” إمكانية الفوز بـ (17) مقعدا في انتخابات عام 2006، ثم بمقاعد مماثلة في انتخابات 2010، من أصل (40) مقعدا تمثل خمس محافظات بحرينية.

وبعد انتفاضة 14 فبراير 2011، أضفى عليه أتباعه صفات “قائد الشعب البحراني” وبالتالي قيادة الحراك الثوري، واشتهر حينها بفتواه من على منبر جامعه في منطقة الدراز بأن رجال الأمن ومكافحة الشغب إنما هي “قوى مرتزقة” تعتدي على الأعراض في الشوارع, وصرح بفتوى “اسحقوهم”، التي لاقت صداها على الأرض بدهس رجال الشرطة في حوادث متفرقة في البحرين.                                                                 

ومنذ تولي الملك سلمان بن عبدالعزيز الحكم في السعودية، وانتهاج منهج مغاير لسلفه في التعاطي مع التهديدات الإيرانية للمنطقة، وتحول مشروعها التوسعي إلى حقيقة ملموسة في سوريا والعراق فضلا عن لبنان واليمن، مورس على البحرين ضغط لإنهاء الملفات العالقة منذ 2011، ووقف سياسة الاحتواء مع قيادات المعارضة التي ثبت ارتباطها مع البرنامج الإيراني التوسعي في منطقة الخليج، وخاصة المواطن الرخوة منه (الكويت والبحرين وجيوب في المنطقة الشرقية), فأسقطت البحرين جنسيات عدد ممن ثبت لديها ارتباطهم بالبرنامج الإيراني، كما أغلقت أكبر جمعية سياسية تمثل تيار عيسى قاسم، وهي جمعية الوفاق الإسلامية في 14/6، التي يخضع أمينها العام الشيخ علي سلمان لعقوبة قانونية طويلة.

ومن خلال تحليل الخطوات التي أقدمت عليها السلطات البحرينية، يبدو أنها اتخذت قرارا جريئا بمواجهة أدوات البرنامج الإيراني التوسعي على أراضيها عبر تطبيق بنود القانون عليها، وربما تكييفه بما يخدم هدف قطع الطريق على تلك الأدوات للعمل تحت مظلة القانون، وبالتالي اكتساب شرعية وجودية تُحرج السلطات أمام مؤسسات الشرعية الدولية التي ما فتئت تنتقد الإجراءات الرسمية وتصفها بالتأزيمية، وربما التراجعية عن استحقاقات مشروع الإصلاح السياسي والاجتماعي الذي أطلقه ملك البحرين منذ عقد ونصف العقد تقريبا.

وبهذه الإشارات المهددة والمتوعدة, كشفت إيران عن نفسها ورجالاتها النافذين في دول الجوار، وخاصة أن سياسة إيران المعهودة هو الهروب إلى الأمام من استحقاقات فشل خطواتها العسكرية الاستحواذية في العراق وسوريا واليمن، وتصدع الحلف الروسي الإيراني في سوريا، وانهيار صورتها بين شيعة العراق، فضلا عن عدم قدرتها على حسم الصراع لصالح الحوثيين في اليمن.

الانعكاسات

من المرجّح ازدياد وتيرة الاحتجاجات الميدانية، لا سيما في القرى الشيعية وفي وسط مدينة المنامة وضاحية السيف وفي البديع في غرب البلاد.

ولم يصدر أي تعليق حتى كتابة التقرير عن السلطات البحرينية حول الخطوة التالية لسحب الجنسية من قاسم، هل سيتبعها إبعاد عن البلاد أم لا، وفي حال اتخذ قرار إبعاد قاسم عن البحرين فإنه سيمثل حركة لا تخلو من احتماليات تصادم دموي ظرفي مع قاعدته الشعبية، قد يتحول إلى تأزيم مزمن أمنيا ومقلق جيوسياسيا، ولا يستبعد العمل المسلح والتخريبي في جيوب متفرقة من البلاد، وقد تسربت بعض الأخبار غير المؤكدة بأن الشيخ عيسى قاسم سيعلن مغادرته البلاد طوعيا، حقنا للدماء، وهو خيار صعب ليس لقاسم بقدر ما هو للحكم، فخروج قاسم والتجاؤه إلى الحوزة في قُم سيجعل منه تكرارا لصورة شخصية الخميني في ترحيله من إيران، ما يعني تشكل قناعة متنامية عند قاعدته الشعبية بضرورة التهيئة لمقدمه عبر كسر حاجز الخوف وتفتيت هيبة الدولة بصناعة الفوضى الاجتماعية في الساحة المحلية، وصولا لاستنساخ النموذج الإيراني في إسقاط شاه إيران عام 1979، وهي الإشارة التي وردت على لسان رئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني. 

ولم يتغير إيقاع ردود الفعل الخليجية، على اعتبار وجود قناعة لدى صانع القرار بأن إيران عندما يكثر صراخها فهذا مؤشر على صحة الخطوة المتخذة بحق أحد عناصرها، وهذا ما عبر عنه الأمين العام المساعد للشؤون الخارجية بمجلس التعاون الخليجي؛ عبدالعزيز العُوَيشِق على قناة الجزيرة، إذ صرح بأن دول الخليج تتعامل مع كل التحركات الإيرانية المهددة للخليج بجدية سواء كانت عبر الحرب التقليدية أو غير التقليدية في إشارة إلى توظيف الجيوب الشيعية الموالية لولاية الفقيه في دول الخليج أو الميليشيات الشيعية المتمركزة في العراق وسوريا.

 إلا أن هذا الاطمئنان غير منعكس على طبقة عريضة من سكان دول مجلس التعاون، وخاصة في تلك الجيوب الرخوة التي تخترقها إيران (الكويت والبحرين والمنطقة الشرقية السعودية)، حيث لا تخطئ العين والأذن انزعاج رجل الشارع الخليجي مما يسميه “التهاون الخليجي” في التصدي للحراك الإيراني، الذي يراه مدعوما بغطاء أمريكي مفضوح عسكريا وسياسيا وإعلاميا، ويبدو أن حالة عدم الاطمئنان هي الظاهرة الجديدة الواضحة على رجل الشارع، بحيث يتساءلون: هل تستطيع أن تصمد دول الخليج أمام هذه الهجمة الإيرانية الأمريكية، وهو ذات السؤال في البحرين بعد سحب الجنسية عن قاسم، فهل ستشهد البحرين إجراءات قانونية صارمة تحفظ أمنها وسيادتها أم سيتبعه تراخٍ في المواقف ودبلوماسية في التبرير؟

……………………………………

مركز أمية للبحوث والدراسات الاستراتيجية

شاهد أيضاً

بعد موقفهما تجاه ليبيا.. محاولات لبث الفتنة بين تركيا وتونس

منذ أن بدأ الجنرال الانقلابي خليفة حفتر محاولة احتلال طرابلس في إبريل الماضي، لم تتوقف …