دخل المنتخب المغربي التاريخ كأول منتخب عربي وأفريقي يصل نصف نهائي كأس العالم، وهو إنجاز يرجع محللون جزءا منه إلى عنصر مهم وهو إقامة البطولة على أرض عربية إضافة إلى التشجيع العربي الكبير لأسود الأطلس في الدوحة.
وتلاقي انتصارات المغرب فرحة عارمة ومؤازرة واسعة في دول عربية عديدة، من سوريا ولبنان شرقا إلى ليبيا وتونس غربا، حيث تتابع حشود مباريات “الأسود” على شاشات عملاقة في الساحات أو في المقاهي والمراكز التجارية.
وقاد وليد الركراكي المغاربة إلى حلم جديد لم يكن في حسبان أكبر المتفائلين، ليصبح المغرب أول بلد عربي وإفريقي يبلغ نصف نهائي المونديال إلى جانب الكبار.
لم يكن الطريق سالكا أمام منتخب المغرب، فهو واجه منذ الدور الأول أربعة منتخبات توجد ضمن قائمة أفضل 12 منتخب في العالم، لكنه نجح في فرض أسلوبه الخاص المبني على التحصين الدفاعي واستغلال التقدم الهجومي للخصم قبل الانطلاق في عمليات مرتدة.
هذا الاسلوب أصبح محط تحليل من كبار التقنيين، على اعتبار أنه في آخر المطاف، التاريخ يحتفظ بالفوز والتأهل ولا يحتفظ بنسبة استحواذ الكرة كما حصل مع المنتخبين الاسباني والبرتغالي.
ووجد المغرب نفسه حاليا بين الأربعة الأفضل في العالم في واحدة من أجمل الحكايات التي تعيشها كرة القدم المغربية، فباستثناء تأهله إلى الدور الثاني في مونديال المكسيك سنة 1986، فإن باقي المشاركات الأخرى كان بعضها استهلالا للحضور المغربي في المونديال كما حصل في دورة 1970، أو مرورا بجانب التأهل خلال دورتي فرنسا وروسيا، وفي أسوأ الحالات خروجا مذلا كما حصل في دورة 1994.
ويظل الاستثناء في دورة قطر، قيادة مدرب وطني لرحلة التأهل بعدما ظل المغرب مؤمنا منذ عقود خلت أن الأصلح لقيادة منتخب مدجج بالنجوم المحترفة في أوروبا هو المدرب الأجنبي، علما أن الدول الثماني الفائزة بكأس العالم تأتى لها ذلك منذ 1930 بمدربين أجانب
بل إن المنتخبات الستة عشر المتأهلة إلى ثمن نهائي دورة قطر قادها مدربون وطنيون باستثناء منتخب واحد، قبل أن تخلو الساحة للمدرب المحلي في ربع النهائي.
هذا المعطى يؤكد وجهة نظر المدرب المغربي وليد الركراكي الذي صرح قبل المباراة أن المدرب المحلي لديه نفس تكوين المدربين الأجانب، وما يتبقى هو منح الثقة له مع توفير الإمكانيات التي غالبا ما يتم توفيرها فقط للإطار الأجنبي.
ومنحت دورة قطر للاعب يوسف النصيري أرقاما استفرد بها، فهو لعب دورتين وسجل في كليهما، كما بلغ عدد أهدافه ثلاثة متجاوزا حصيلة عبد الرزاق خيري وعبدالجليل كماتشو وصلاح الدين بصير
علما أن النصيري كان محط انتقادات الجمهور والإعلام المغربي قبل المونديال بعد تراجع أدائه في مباريات سابقة بسبب غيابه عن فريقه اشبيلية الاسباني نتيجة الإصابات المتكررة، لكن وليد الركراكي أصر على أن يكون ضمن المجموعة النهائية، ليكون هو نفسه وراء هدفي المغرب أمام كندا في الدور الأول، وهدف الخلاص للمغاربة أمام اسبانيا.
ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن ننفي دور جمهور حج إلى ملاعب قطر مشكلا كثافة عددية ساندت بدون توقف رحلة الاسود، إلى درجة أن الفيفا صنفته اللاعب واحد، وليس 12، في المنتخب المغربي.
وتأتي دورة قطر لتمنح متنفسا آخر لكرة القدم المغربية التي دخلت قبل حوالي 12 سنة عالم الاحتراف في بطولتها المحلية، إلى جانب قطف ثمار مجهودات حكومية من خلال تحسين البنية التحتية الرياضية واعتماد التكوين على مستوى اللاعبين وباقي الأطر التقنية، ما جعل المغرب صاحب أقوى بطولة في إفريقيا والعالم العربي، بل وتوج بلقبين قاريين وهيمن على ألقاب كأس إفريقيا للمحليين، ناهيك عن المسار البطولي الذي دشنته سيدات المغرب في كأس إفريقيا للمنتخبات والأندية.
يبقى أن المغاربة أصبحوا يطمحون للنهائي، حتى لو كان على حساب المنتخب الفرنسي في نصف النهائي يوم الأربعاء المقبل، فعندما تكبر الآمال يصبح كل شيء متاح التحقيق.