- التعايش بين شرائح المجتمع الأمريكي تحكمه المواطنة تحت ظل الدستور
- هناك محاولات جادة من قادة العمل الإسلامي في أمريكا للانشغال في الصالح العام
مع حملة الدعاية للرئاسة، يستخدم المرشحون الجمهوريون “كارت” العنصرية وتأجيجها ضد المسلمين، وهناك تخوف حقيقي من إنتشار حالة كراهية لدى عامة الناس ضد المسلمين، إضافة الى ما قد يفعله بعض المرشحين إن فازوا بانتخابات الرئاسة.
بهذه الكلمات الواضحة عبر الشيخ كفاح مصطفى، الإمام والمدير العام للمركز الإسلامي للصلاة بشيكاغو، عن تخوفات “محتملة” لدى مسلمي الولايات المتحدة من تحول “الخطاب السياسي التحريضي ضد المسلمين” إلى حالة عامة تسود الشارع الأمريكي، وهو ما لم يحدث من.
وأكد الشيخ كفاح أن المسلمين لم يعانوا حقيقة كثيراً من عنصرية ضدهم أو تمييز عرقي إلا بعد سبتمبر/أيلول 2001م.
ولفت ضيف الحوار إلى أن التعايش بين شرائح المجتمع تحكمه المواطنة تحت ظل الدستور الأمريكي، وهو الأمر الذي صان حقوق الأفراد العامة والخاصة، مشيراً إلى أن هناك نسبة مرتفعة من الاحترام المتبادل بين الأجناس والأعراق والطوائف. كما أن: “التعايش الديني بالعموم متبادل ومحترم وتجد الكثير من مؤسسات التعارف الديني ناشطة فيما بينها ومن ضمنها المؤسسات الإسلامية.
وأبدى الشيخ “كفاح” تفاؤله من المستقبل بعد أن أصبح المسلمون في أمريكا أكثر وعيا… وبدأت الكثير من المؤسسات الإسلامية بالاتجاه بقوة نحو العمل العام، ومشدداً بأن المرحلة الحالية تحتم الانشغال بالعمل الإجتماعي والانفتاح.
جاء ذلك في الحوار الخاص بالولايات المتحدة, أحد حوارات ملف “الإسلام فوبيا ” الذي يأتي ضمن سلسلة ملفات شهرية تلقي الضوء على أهم قضايا الأقليات المسلمة حول العالم.
ويتضمن كل ملف مجموعة من الحوارات “المتعددة الأطراف”، والتي يشارك فيها الجمهور الناطق بالعربية على الفيسبوك، حيث يطرح أسئلته على ضيوف في عدد من دول العالم.
وقد أجريت حوارات ملف شهر يناير 2016م الجاري، عن قضية: (الإسلامو فوبيا)، تحت عنوان: “ظاهرة تصاعد العداء للإسلام والمسلمين في الغرب: الأسباب.. التداعيات.. الحلول”… وإلى الحوار..
المشاركة الأولى.. من: هاني صلاح ـ رئيس تحرير موقع “مرصد الأقليات المسلمة”، تتضمن ثلاثة محاور/اسئلة للتعريف بموضوع الحوار والضيف:
المحور الأول: الخريطة العرقية والدينية
نود التفضل بإعطاء إطلالة مختصرة حول الخريطة العرقية والدينية التي يتكون منها الشعب الأمريكي.. ومدى التعايش والتواصل بين مختلف هذه الأعراق، وأيضاً بين مختلف أتباع الديانات.
أ ـ نشر موقع بيو للأبحاث تقريراً عن الديانات الموجودة في أمريكا الآن، ونسبتها, وهي كالتالي مئوياً:
النصارى: 24.4 للبروتستانت الإنجيليين، 14.7 للبروتستانت العامة، 6.5 للبروتستانت السود أفريقيي الأصل. ثم 20.8 للكاثوليك، 1.6 لطائفة المورمون، 0.5 للأورثوذوكس، 0.8 لشهود يهوه، 0.4 لباقي المسيحيين.
اليهود 1.9،
المسلمون 0.9،
البوذيون 0.7،
الهندوس 0.7،
الملحدون 3.1،
الملحدون أغنوستك 4 %،
والنسبة الباقية لم تعرّف نفسها بأي معتقد.
أما التعايش فتحكمه المواطنة تحت ظل الدستور الأمريكي، وعليه فإن حقوق الأفراد العامة والخاصة محترمة. وهناك نسبة مرتفعة من الاحترام المتبادل بين الأجناس والأعراق والطوائف، وتطبيق القانون يسري على الجميع.
وهناك طابع عام يحكم الفرد الأمريكي وهو احترام مساحة الحرية الشخصية التي تجعل الكثير ينشغل بنفسه ولا يأبه كثيرا لاختيارات الناس من حوله.
أما التعايش الديني فبالعموم متبادل ومحترم وتجد الكثير من مؤسسات التعارف الديني ناشطة فيما بينها ومن ضمنها المؤسسات الإسلامية. طبعا هناك بعض المتعصبين دينياً لكل ديانة لا ينخرطون كثيرا في أي حوارات تعارفية حتى من بين المسلمين. أخيرا تبقى هناك أنشطة خدماتية للشعب عقب كوارث أو ما شابه قد تجمع الجميع.
هل يمكن توضيح الخريطة العرقية لمسلمي أمريكا؟
إحصاء مؤسسة بيو حصر عدد المسلمين في أمريكا ب 3.3 مليون بينما رؤساء الجمعيات المسلمة يقدرون عدد المسلمين من 7 الى 8 ملايين. العدد الأكبر من هذه الأرقام على الخلاف فيها هو للأفارقة السود المسلمين ثم الهند والباكستان ثم العرب ثم باقي المسلمين من أصول أخرى.
الحقوق والحريات
قبل التطرق لظاهرة “تصاعد” العداء للإسلام والمسلمين في أمريكا ـ خاصةً في السنوات الأخيرة ـ نسأل:
على الـ30 سنة الأخيرة هل هناك تمييز أو تضييق على الحريات المدنية أو الدينية أو العرقية؟
منذ حراك مارتن لوثر كينج في ستينات القرن الماضي، تغيّر الحال كثيراً بالنسبة للأفارقة السود الأمريكيين. ولكن حتى بعد التغييرات القانونية لصالح الحقوق العامة؛ ما زالوا يعانون من عنصرية عرقية ضدهم. فشواهد تعامل الشرطة مع السود حاضرة أسبوعياً تقريباً في كافة الولايات. أما العنصرية ضد اللاتينيين فهي مركزة على تدفق المهاجرين من حدود المكسيك فيما يشكل للبعض خطرا ديموغرافياً على مستقبل أمريكا.
وماذا عن المسلمين خلال نفس الفترة؟ هل يتساوون كمواطنين مع باقي شرائح المجتمع، أم هناك تمييز بحقهم وانقاص من حقوقهم؟
المسلمون لم يعانوا حقيقة كثيراً من عنصرية ضدهم أو تمييز عرقي إلا بعد حادث تفجير أبراج نيويورك في سبتمبر/أيلول 2001م. وحتى بعدها كانت الهجمة إعلامية بالغالب، ولكنها لم تؤثر كثيراً على الحياة العامة للمسلمين. الآن فقط وفي عام 2015م، ومع حملة الدعاية للرئاسة يستخدم المرشحون الجمهوريون “كارت” العنصرية وتأجيجها ضد المسلمين وهناك تخوف حقيقي من انتشار حالة كراهية لدى عامة الناس ضد المسلمين إضافة الى ما قد يفعله بعض المرشحين إن فازوا بانتخابات الرئاسة.
التعريف الشخصي
تعودنا تقديم ضيف الحوار للجمهور.. لذا نستاذنكم في تعريف بأنفسكم للجمهور المشارك.. تعريف إنساني وعلمي ووظيفي.. مع الإشارة للمهام الدعوية والمسئوليات التي توليتموها من قبل أو تتولها حالياً؟
أخوكم كفاح مصطفى، من عكار شمال لبنان، متزوج ولدي 4 أبناء وبنات. بكالوريوس شريعة من الجامعة الأمريكية العالمية، ودبلوم شريعة أيضاً من جامعة بيروت الإسلامية دار الفتوى.
أعمل إماماً ومديراً للمركز الإسلامي للصلاة في منطقة “أورلاند بارك” من ضواحي “شيكاغو”، وممثلا لدار الفتوى اللبنانية في أمريكا، ورئيساً لتجمع الأئمة والعلماء في ولاية الينوي.
مشاركة من عبد الله شفاعة ـ مدرس لغة عربية، ومترجم من اللغة العربية إلى اللغة الكمبودية ـ كمبوديا، وتتضمن سؤالين: ـ هل ظاهرة الكراهية للإسلام والمسلمين في الغرب هى مجرد عملية سياسية ونتيجة للتنافس بين الأحزاب السياسية، أم أنها أصبحت جماهيرية؟
وإن كانت جماهيرية فما تفسيركم بشأن إقبال إنسان الغرب على الدخول في الإسلام؟
نعم لقد بدأت سياسية مرتبطة بموعد الإنتخابات ثم لا تلبث أن تذوب وتختفي، إلا أنه الآن مع مرحلة الانتخابات المقبلة، هناك تخوف حقيقي من ترجمة رفع مستوى التهجم الواضح ضد المسلمين من بعض المرشحين الجمهوريين بانتقال هذه الكراهية والعنصرية إلى الشارع العام. هناك بوادر قليلة له من قبل، وبعد الحوادث المتفرقة هنا وهناك، ولكن الزمن هو العنصر الوحيد الذي سيتكلم فيما بعد الانتخابات بتصاعد أم انكفاء هذه الكراهية.
وبالنسبة لي أعتبر أن هذا أمراً طبيعاً أنه بقدر وجود أناس تعادي وتكره بقدر ما يوجد أناس أضعاف منصفون ويقتربون من المسلمين أكثر بسبب التمييز ضدهم. وبالتالي هذا يفتح المجال للتعرف على الإسلام عن قرب فيعتنقه بعض من اقتنع بمبادئه.
من جانب آخر في مسجدنا الآن في كل فصل دراسي بالجامعات التي حولنا نلاحظ أن اختيار الإسلام للدراسة هو الخيار الأول لدارسي مواد أديان عالمية أو مقارنة أديان. وكل فرد منهم يطلب منه البروفسور أن يأتي للمسجد ويتعرف على الإسلام كيف يُطبق وكيف تُمارس الشعائر الدينية. قبل 11 ايلول لم نكن نجد مثل هكذا أعداد.
إلى متى يظل الإنسان الغربي أسير قيود الصهاينة وسيطرتها على المجتمع الغربي ولا يتحرر منها؟
برأيي الإنسان الغربي، هو كباقي الشعوب، كلهم أسرى الفئات المتسلطة في بلادهم كل حسب عرقه، وبرأيي أيضاً أنه الأكثر تحرراً من تبعات هذا التسلط.
هناك حركات اجتماعية حقوقية على مستوى أمريكا تحاول جاهدة أن تحافظ على روح الدستور الأمريكي في تكافؤ فرص العمل والتحرر من قبضة الـ 1% الممسكين بزمام البلد اقتصاديا وبالتالي سياسيا وغير ذلك. لعلي أضيف أن مجيئ أوباما الى سدة الحكم ساعد في نمو هذه الحركات وبدأت الفجوات تتضح أكثر بين الإصلاحيين وبين المنتفعين بالوضع كما هو.
مشاركة من محمد سرحان – صحفي وباحث في شئون الأقليات المسلمة, ما الأسباب الحقيقية وراء تصاعد ظاهرة العداء للإسلام والمسلمين في الغرب؟
برأيي الأسباب هي:
أ ـ ضمان هوية أمريكا من أي تغيير مستقبلي لما هو معهود لهم: والإسلام دين قوي بين أتباعه وحاضر بقوة بمبادئه التي تتوافق كثيراً مع الدستور الإمريكي، فالخشية منه كبيرة، إذ قد يغيّر قناعات الناس تجاه الصعود في توافق منظومة القيمية الأخلاقية بين فئات الشعوب العامة ومنها المسلمين، مقابل النفعية المصلحية والمستفيد منها “القلة” ومن دار معهم من أصحاب الأموال والنفوذ.
ب ـ الجهل بالاسلام والخوف من المجهول: إذ عادة ما الناس تعادي أموراً لجهلها به. خذ على سبيل المثال مشروع محاربة الشريعة الإسلامية في ولايات كـ”أوكلاهوما” وغيرها، فبعض السياسيين سئلوا من صحفيين غير مسلمين إن كانوا يعرفون شيئا عن الشريعة الإسلامية أو يستطيعون فقط تعريفها فكان الجواب لا، اللهم إلا من بعض النقاط المثيرة للجدل كالرجم وغيره.
ج ـ الماكينة الإعلامية: التي ما فتئت تعادي المسلمين في كافة شؤون حياتهم، والمستفيدة من أرقام المشاهدين لمثل هكذا تغطية.
د ـ الأعمال الإرهابية التي يرتكبها المنتسبون للإسلام: في العالم عموماً وفي أمريكا خصوصاً تؤجج حالة الكراهية.
لماذا يشعر مسلمو الغرب دائما بأنهم موضع اتهام، ولماذا هم مجبرون على تبرئة أنفسهم بعد أية اعتداءات إرهابية يشهدها الغرب؟
لأن الماكينة الاعلامية الضخمة تفعل ذلك في كل حادث من فرد مسلم في حين أنها لا تنسب الإجرام والإرهاب لغير المسلمين في حوادث قد تكون أشنع نوعاً وأكثر عدداً لطوائف أو عرقيات أخرى. والمسلمون يريدون أن يعيشوا بعيداً عن قفص الإتهام فيلجؤوا إلى مثل هكذا طريقة.
السؤال هنا هل هذه الوسيلة هي الأنجع؟ بالطبع لا..
أنا أرى أن هناك حالة وقوع في منظومة الاتهام نفسه بمعنى أننا نثبت هذه الحالة في الانشغال بالدفاع.
توجد الآن بعض المحاولات الجادة من قادة العمل الإسلامي للخروج من هذه الدائرة والانشغال في الصالح العام لنجعل أعمالنا الخيرة القِيمية تتحدث أكبر من أفعال البعض بالإرهاب أو غيره.
من يتحمل المسؤولية عن تلك النظرة المخطئة لدى معظم الغرب عن الإسلام والمسلمين؟ وما دور الجاليات المسلمة في الغرب ومؤسساتهم في تصحيح صورة الإسلام؟
أحب أن نلوم أنفسنا بالتقصير حتى يكون ذلك حافزا لنا للعمل من دون أن ننسى الميزانيات الضخمة التي يرصدها أعداء الإسلام لمحاربته من خلال الإسلاموفوبيا.
أما الدور فهو حقيقة شاق لقلة أعداد المسلمين من جهة، ولعدم اقتناع المسلمين بالدعم المالي لمثل هكذا برامج. على سبيل المثال الى الآن الناس تنفق تبرعاتها لمصائب الشرق ولا تعير اهتماما لمستقبل البلد هنا ما قد يحمل معه خطراً على وجود المسلم.. إلا أننا أيضاً لا نغفل عن دور الإعلام والكارهين للإسلام والمسلمين في تأجيج هذه النظرة الخاطئة ودعمها وتسويقها بين الناس.
برأيي أن الدور الرئيسي هو الإنخراط في العمل العام لكافة شرائح المجتمع المسلم وتسخير عنصر الشباب في ذلك وحل عقدة جيل المهاجرة مقابل جيل المواطنة بالولادة. المشلكة في ذلك هي عقلية المهاجر الأب للعمل مقابل نظرة الإبن أو البنت المولودين هنا. ما زلنا نعاني فجوة “جيلية” في هذا المضمار. المهاجر الأب يتهم الجيل الناشئ بالإندفاع وقلة الخبرة, والجيل الناشئ يتهم الجيل الأول بعدم تفهم الواقع الأمريكي حقيقة.
ما مصير الحريات الشخصية والدينية لمسلمي الغرب مع تصاعد وتيرة العداء؟
أعتقد أنه إلى الآن ما زالت بمأمن عن أي تغيير؛ فهي دستورية والسواد العظم يعلم أن أي مساس بها هو مساس بحرياتهم الشخصية. ولكننا سنشهد الكثير من الإعتداءات الفردية على كافة المستويات. الكثير من غير المسلمين الآن يقترب من الدفاع عن الإسلام والمسلمين لأنه يعلم أن في ذلك اعتداء على المبدأ أساساً بغض النظر عن الضحية.
بالمقابل الخوف أن أبواق المعتدين قلة ولكن عالية، يقابلهم قلة متعاطفة متضامنة مع المسلمين، أما السواد الأعظم ساكت.. هذا السكوت يشكل قلقاً لنا نحن المسلمين لأنه إن كان من حراك يغيّر مسار العنصرية ويحد من خطرها ينبغي أن يُبنى على هذا السواد بالوقوف أمام المعتدين على الحريات والدستور.
مشاركة من كريم خيري – طالب ماجستير ـ الجزائر. أين وصلت جهود المسلمين في الغرب عموما في سعيهم لإدراج “تجريم الإسلاموفوبيا” ضمن المنظومات القانونية في الدول التي يعيشون فيها؟ ولماذا لم يتوصلوا إلى ذلك رغم كثرتهم العددية, وبالمقابل نجد اليهود -على قلتهم- استطاعوا افتكاك قانون معاداة السامية؟
التقييم أن المسلمين لهم أكثرية عددية غير صحيح, فاليهود أكثر عددا وأقدم خبرة ثم إن عمر الجالية المسلمة صغير زمنيا بالمقارنة مع غيرهم.
انا أعتقد ان المسلمين لم يبدأ لهم وجود حقيقي رقمي إلا في أواسط التسعينات، أما ما قبل ذلك فبالكاد أعدادهم لها قيمة. ثم حتى الآن النسبة تحت الواحد بالمئة. أضف إلى ذلك فشل المسلمين المهاجرين في احتضان المسلمين الأفارقة السود أو العكس، ثم الخلافات الفكرية بين المسلمين أنفسهم أو السلطوية ساهمت في مثل هكذا تأخير عن القيام بقوة لإنشاء قانون يجرّم الإسلاموفوبيا.
ألا ترون أن تصرفات بعض المسلمين ساهمت في تصاعد ظاهرة العداء والتخويف من الإسلام؟
بلا شك نعم، ولكن لا يمكننا تجاهل من يستثمرها بالتضخيم مقابل غض الطرف عن التسمية بالإرهاب اذا كانت من غير المسلمين. هناك ظلم اقتصادي سياسي عالمي من قبل المنتفعين عالميا وبأيدي متسلطة في دولنا العربية والإسلامية، فيستغل البعض الدين لأنه يؤجج عاطفيا وبلا تكلفة مادية إذا آمن الشاب بالفكرة، ليواجه هذا الظلم بظلم آخر! فنصبح بدل أن نواجه الظلم بالعدل نواجهه بظلم من نوع آخر مغلف دينيا دون الإنتباه لذلك. إذا أضفت فشل الدول العربية والإسلامية في إيجاد قنوات وسطية تحترم التديّن ولا تعاديه وتؤمّن فرص العمل للشباب وتشبع عطشهم بنوافذ ثقافية فكرية تربوية فنية الخ.. فإن هذا الشاب سيلجأ الى تفريغ حالات التذمر والظلم بردات فعل عنيفة.
الكل يريد أن يتحدث عن التطرّف الحاصل من هؤلاء الشباب ولا أحد يريد أن يبحث حقيقة عن السبب وراءه لمعالجته، فالمستفيدون من حالة الصراع كثيرون.
من خلال ماشاهدناه في غضون السنوات الأخيرة وماحملته من أحداث تخويفية من الإسلام في الغرب (شارلي إيبدو,أحداث باريس..), مع توجيه البعض لأصابع الإتهام للوبي الصهيوني بأنه الصانع لتلك الأحداث. ألا ترون أن حقيقة الصراع هي صراع قوى وأنه لاسبيل للمسلمين للتخلص من ذلك ماداموا في الهوان الذي هم فيه؟
حتى لو كان ما تقوله صحيحاً فأنا لا أحب لفظ “لا سبيل للخلاص.” وكأننا لا قدرة لنا على التغيير مع أنه بوسعنا أن نعمل ولو ببطء, ولو بزمن طويل نسبياً على تغيير واقعنا. برأيي قوة المسلمين في بلادهم تعكس قوة لمجتمعاتهم المغتربة والعكس صحيح ولو بنسبة أقل، فالإصلاح ينبغي أن يصل المسملين جميعاً حتى يكون النهوض أمام الأعداء.
إلى الآن المنظومة الدينية الرسمية في بلاد الإسلام تدور في فلك الحاكم لا في فلك المصالح الشرعية المعتبرة للأمة. لو آمن بعض الحكام بقيمة المصالح العامة “المقاصدية” ورصدوا لها ميزانيات وأعدوا لها علماء ونشطاء لأشبعت عقول وقلوب الشباب ولاستثمرتهم في رفع حالة الذل والهوان التي تعترينا ونهضت بهم إلى منافسة عالمية في كافة نواحي الحياة.
الهمّ كبير… العالم بشبابه يقدّم الخير للبشرية من منظوره الإنساني ونحن منشغلون بالحكم عليه هل هو حلال أم حرام أم مكروه..
مشاركة من عبدالوهاب, علماء كويلان ـ خريج كلية اللغة العربية جامعة الازهر، وعضو هيئة العلماء المسلمين بجنوب الفلبين
ـ ألا ترون أن سبب تصاعد ظاهرة العداء للمسلمين يغذيه حكام المسلمين من أجل الحفاظ علي كرسيهم؟
أحب أن أرى وأسمع حقائق حتى يكون الرد أدق وأوضح. وعلى احتمال أن هذا الأمر صحيح، فالمسلمون المغتربون قادرون لو أحسنوا استخدام أصواتهم الإنتخابية وأموالهم على منع أي تأثير خارجي ضدهم من حكام مسلمين أو غير مسلمين.
كيف نواجه هذه الاتهامات الباطلة للمسلمين وأحيانا يبدأ من بني جنسنا؟
علينا أن ننشغل بتطبيق الإسلام الذي يرفع الظلم ويطعم المسكين ويفتح فرص العمل للناس وليس الدعوة إليه فكراً وهيئات تعبدية فقط.. علينا أن ننظر للعالم على أنه مساحة تعارف وتعاون وتواصل فيما هو خير بيننا ومتفق عليه أخلاقياً أو خدماتياً أو غيره.. علينا الاهتمام والتركيز والعمل على هذه المسارات الأربع:
1 ـ إصلاح البيت الداخلي أولاً:
ـ مصالحة بين الملتزم دينيا وغير الملتزم.
ـ ترتيب الأولويات للصالح العام والتوافق عليه.
ـ ثقافة القبول بالغير كشريك في النهوض.
2 ـ الإيمان بالدعم المادي:
ـ لا بد من استثمار مالي ضخم يستوعب إعداد الشباب إنسانياً.
ـ ثقافة العبادة بعمارة الأرض بمفهوم الشمولية لا “المناسكية”.
3 ـ فتح قنوات مع من يتوافق معنا على القيم:
ـ دور عبادة، رجال دين.
ـ مؤسسات خدماتية.
4 ـ دراسة الواقع:
ـ دوافع الهجوم وأسبابه.
ـ طرق مواجهته.
هذا العداء يبدأ من الاعلام سواء كان مرئياً أو مسموعاً.. ما الخطوات اللازمة التي يجب أن تتخذ؟
المسلمون في أمريكا بحاجة إلى زمن طويل لينافسوا إعلامياً بمحطة خاصة. قناة “الجزيرة أمريكا” الفضائية مثلاً رغم الدعم الهائل وراءها لا يكاد يتفرج عليها إلا القلة من الشعب الأمريكي.
على المسلم أن يأخذ زمام الإنخراط في قضايا الأمريكي اليومية، والتي تغطيها الماكينة الإعلامية الغربية حتى نأخذ مكاننا الطبيعي بالإصلاح.
الإعلام لن يغطي الاسلام ولكنه يغطي أنشطة حياتية للأمريكي العادي، كمظاهرات مثلاً لعدم وجود سكن للفقراء. فهل أنا كمسلم سأتواجد معهم لتقديم المسلم على أنه مهتم بشؤون المواطن؟
وهذه المنهجية ليست فقط للملتزم دينياً من المسلمين؛ بل برأيي هو سبيل أي حراك دعوي في العالم الإسلامي والعربي.
مشاركة من خالد الأصور، كاتب وباحث إعلامي مصري ـ أليس من الأفضل لمعالجة مشكلات المسلمين في الغرب من المنبع تشكيل لوبيات وجماعات ضغط للمسلمين في إطار القوانين الأوروبية وتوجيه الدعم المادي من البلدان العربية والاسلامية لهذه اللوبيات التي تستهدف التأثير في صانع القرار الاوروبي.. بدلاً من توجيه الدعم فقط للأعمال الخيرية والاجتماعية أو بالتوازي معها؟
أنا معك 100% بـ (100%).
مشاركة من سعيد محمد ـ ميلانو – إيطاليا ـ مدير موقع “مباشر اوروبا” الإلكتروني:
“إذا نظرنا إلى الأعمال المتطرفة في أوروبا التي تلصق بالمسلمين؛ نجد أن أغلبها يقوم بها شباب لا يمت للإسلام بصلة. لذا علينا توعية وتوجيه الشباب والعناية بهم، وتكثيف دورات وبرامج خاصة بهم، وعلينا في هذه المرحلة أن نتوقف عن بناء المساجد ويوجه الدعم لبناء الشباب. كيف تقيمون هذا الطرح؟
نعم ولا.. بمعنى نعم للبرامج والدورات ولا لإلغاء بناء المساجد؛ بل لاستخدامها لهذه الدورات.
من جهةٍ.. في خضم هذه الهجمات لا بد من الدورات بالمساجد حتى يتعرف الناس والمسلمون إلى الدين الصحيح الخالي من الإرهاب هذا من جهة.
ومن جهة أخرى.. المساجد تستقبل الكثير من المسلمين الذين علموا أنهم مهما حاولوا أن يبتعدوا عن الإسلام سيظلون في أعين الغير مسلمين، وبالتالي لا بد من وجود دور العبادة لتستقبلهم.
ومن جهة ثالثة.. الشعب الأمريكي يدرك قيمة دور العبادة في حياة الفرد وهو يرتاح أكثر الآن لمساجد واضحة الفكر والمنهج مقابل تشدد وتطرف فردي عبر النت وغيره.
مشاركة من أحمد التلاوي، باحث مصري في شؤون التنمية السياسية:
هل تتصورون نجاح جهود المواجهة في ظل ما ترتبه أعباء الأزمات الحالية في العالم الإسلامي؟
حالة الإسلاموفوبيا في أمريكا والغرب لها مادة ثرية قادمة من بلاد المسلمين والعرب، إضافة إلى ما يحصل حالياً في الغرب من مسلمين لاستخدامها من قبل الحاقدين. أما مواجهتها والنجاح في ذلك فسيرتبط بلا شك بحالة الأزمات التي تشير إليها.
الظلم في البلاد الإسلامية هو مصنع الإرهاب الأول، الجهل والتخلف رافد آخر، ثم انكفاء حالة الإصلاح الإجتماعي دينياً كان أم مدنياً يزيد من رصيد هذه الأزمات.
ولكن لا بد من النهوض بالمستطاع والله تعالى يسألنا عن الجهد لا عن النتائج. المهم أن نكون على قدر الوعي في طرق المواجهة حتى لا تضيع الجهود سدى.
وهل الجهد كافٍ أم مطلوب تعاون من الحكومات والمؤسسات المعنية مثل الأزهر والاتحاد العالمي لعلماء المسلمين؟
على مستوى الغرب أصبح من الصعب تمرير أي تعاون مؤسساتي إسلامي خارجي مع داخلي غربي، اللهم الا اذا كان ضمن دوائر حكومية مرضي عنها من الطرفين. هناك خوف من مسلمي أمريكا من أي تنسيق مع أي جهة خارجية قد تدرج لاحقا على لوائح إرهاب وغيره قد تضرب جهود سنين بذلت هنا. القادم برأيي هو مجهودات محلية أمريكية.
وكيف تتصورون مسارات هذا التعاون؟
لا بد من إشراك مؤسسات غير إسلامية وخط طرق إنسانية تعتني بالإنسان كإنسان لا كمسلم فقط.
مشاركة من محمد سامي بن جلول ـ مستشار اقتصادي بالسفارة الإيطالية بالمغرب ـ عضو جمعية الجالية الإسلامية بريجو إميليا – إيطاليا
هل تصاعد ظاهرة الإسلاموفوبيا، والذي يساهم فيه الإعلام الغربي بشكل كبير، بسبب غياب العمل الإسلامي في الميدان الاجتماعي والسياسي والإعلامي، بحيث الإنسان الغربي لا يعرف عن الإسلام سوى الجرائم المنسوبة إليه ولا يرى واقعاً مُعاشاً ونافعاً وملموساً؟
ربما.. ولكن المسلمون الآن أكثر وعياً؛ أنه لا بد من السير للأمام وبقوة في المنظومة الخدماتية العامة للناس جميعا.
أولادنا لن يعودوا للشرق، هذه بلادهم وهم يؤمنون بأن دينهم سيساهم بإيجابية في بناء مجتمع أفضل لغيرهم ولهم مع باقي أبناء الملل الأخرى.
الكثير من المؤسسات الإسلامية بدأت وبقوة بالعمل العام. وأنا أستبشر خيراً في السنوات الخمس القادمة؛ أن المسلمين سيبدأوا يحصدون تواصلاً طيباً مع شرائح المجتمع. وليس برأيي في هذه المرحلة الحصاد السياسي؛ بل الحصاد الإجتماعي أولاً.
هل عدم النضج وعدم الاستقلالية والعشوائية والنهج غير المؤسساتي في الإدارة إضافة إلى حالات الاستقطاب القطري داخل المراكز الإسلامية في أوروبا يجعلها عاجزة عن مواجهة وإدارة ظاهرة الإسلاموفوبيا؟
كغيري من الناس يرى المآسي التي تعيشها مؤسساتنا، ولكني مليئ بالأمل إن شاء الله. المسلمون في أمريكا بل قل في بلاد العرب, حركات اسلامية وغيرها ما زالوا يعيشون بعقلية الستينات والسبعينات من القرن الماضي.. التغيير قادم لو أحسنّا استخدام البيئة الحرة المنفتحة في الغرب لربط الجيل الجديد بدينه الأصلي مع بيئة متحررة.. يبقى الزمن له دورته..
هل الاستنكار والتنديد ورفض التّهم عند كل جريمة كافٍ لمواجهة هذه الظاهرة؟
بالطبع لا والمواجهة للعداء ينبغي أن تكون على كافة المستويات..