منذ احتلال القدس عام 1967, كانت الكنيسة المصرية ترفض أي اتصال مع العدو الصهيوني؛ حتى بعد التطبيع الرسمي بين الحكومات بعد اتفاقية كامب ديفيد, وأكد رئيس الكنيسة السابق؛ البابا شنودة مرارا على أن المسيحيين لن يدخلوا القدس إلا بتأشيرة فلسطينية على جواز سفره ومع إخوتهم المسلمين، بعد أن يزول الاحتلال عن القدس.
لكن منذ نوفمبر 2012 ومع مجيئ البابا تواضروس الثانى اختلف الأمر وأصبحنا نسمع ونقرأ عن زيارات للمسيحين المصريين إلى القدس تنظمها الكنيسة بتأشيرات دخول إسرائيلية.
وجاءت الزيارة التي قام بها البابا تواضروس نفسه على رأس وفد كنسي للقدس في شهر نوفمبر من العام الماضي ــ وهي الأولى من نوعها منذ ٥٣ عاما، لتؤكد أن هناك تحولاً نوعياً في موقف الكنيسة المصرية من قضة فلسطين والاحتلال الصهيوني لها رغم التبريرات غير المنطقية للزيارة .
فقد قرر تواضروس السفر إلى القدس، في نوفمبر 2015 بدعوى المشاركة في جنازة الأنبا أبراهام، مطران الكرسي الأورشليمي (القدس) والشرق الأدنى، والغريب أو لعله أمر مرتب, أن يسافر السفير الصهيوني في القاهرة على نفس الطائرة مع تواضروس.
ووقتها تساءل بعض الأقباط على صفحة المتحدث الرسمي باسم الكنيسة القس بولس حليم، هل السفر للقدس ” حلال لناس وحرام لناس” ؟، وتساءل آخرون لماذا ل يؤتى بجثمان القس الميت ليُصلى عليه في الكنيسة المصرية؟
وكشف نادر صبحي، من حركة شباب “كريستيان” للأقباط الأرثوذكس أن “الأنبا بيشوى مطران كفر الشيخ سبق أن زار القدس مرتين من قبل بناءً على تكليف من البابا الراحل شنودة الثالث، وهو ما يتسق مع ما قام به البابا حاليا بأنه تكليف من صميم عمله وليس انقلابا على قرار البابا شنودة الثالث بمنع السفر للقدس”، الأمر الذي يثير التساؤلات حول جدية تصريح شنودة بعدم السفر للقدس, وهل موقف مبدئي أم سياسي, أم مجرد موقف غاضب بسبب ضياع دير السلطان؟.
تاريخ المنع
كان البابا كيرلس السادس؛ البطريرك 116 للكنيسة القبطية الأرثوذكسية، أول من رفض زيارة القدس تحت الاحتلال، حيث أعلن ذلك فى أعقاب هزيمة 1967 وبعد وقوع القدس فى يد الاحتلال الصهيونى، بعدما لاحظ عمليات تهويد واسعة بمنطقة القدس، وظل الأمر كذلك حتى جاء العام 1980 حين قرر المجمع المقدس للكنيسة القبطية وهو أعلى سلطة فى الكنيسة، منع الأقباط من زيارة القدس، وذلك فى أعقاب الشقاق بين البابا شنودة والرئيس الراحل أنور السادات وما جرى فى مصر بعد اتفاقية كامب ديفيد التى لاقت معارضة شعبية واسعة.
وينص قرار المجمع المقدس بشأن القدس( فى جلسة الأربعاء 26/ 3/ 1980)” على عدم التصريح لرعايا الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بالسفر إلى القدس هذا العام، فى موسم الزيارة أثناء “البصخة المقدسة” وعيد القيامة، وذلك لحين استعادة الكنيسة رسمياً لدير السلطان، ويسرى هذا القرار تلقائياً ما دام الدير لم يتم استعادته، أو لم يصدر قرار من المجمع بخلاف ذلك”.
استمر العمل بقرار المجمع المقدس طوال عهد البابا شنودة الثالث الذى قال مقولته الشهيرة “لن ندخل القدس إلا مع اخوتنا المسلمين”، حتى أنه كان يعاقب الأقباط الذين يزورون القدس بالحرمان الكنسى، أى الحرمان من سر التناول، وهو أحد الأسرار المقدسة السبعة للكنيسة الأرثوذكسية.
موقف متماهي مع الانقلاب
منذ انقلاب 3 يوليو 2013 الذي شاركت فيه الكنيسة ممثلة بالأنبا تواضروس, أصبح موقف الكنيسة من القضية الفلسطينية متماهياً مع موقف سلطات الانقلاب التي بدلت العلاقات الباردة مع الصهاينة بأخرى دافئة وزادت من وطأة التضييق والحصار مع الفلسطينيين في قطاع غزة ارضاءً للصهاينة.
وقبل أيام قليلة ذكرت صحيفة يديعوت أحرونوت الصهيونية أن السفير الإسرائيلي في مصر عقد لقاءات مع ممثلى الطائفة المسيحية فى الإسكندرية، وكذلك رجال أعمال وممثلى منظمات مجتمع مدنى هناك.
أما منسق التيار العلماني القبطي؛ كمال زاخر فقال في معرض دفاعه عن زيارة البابا تواضروس الثاني للقدس إن عشرات من شركات السياحة المصرية تنظم رحلات إلى القدس في الأعياد، خاصة في عيد القيامة, وإن ما بين 10- 15 ألف مسيحي يذهبون إلى الحج سنوياً, مما يكشف حجم تطبيع الكنيسة المصرية مع الكيان الصهيوني.
دور سياسي بارز
على خلاف توجه البابا الراحل شنودة فيما يتعلق بتعامله مع النظام المصري بحذر ودون الاندماج معه أو التماهي مع سياساته؛ قاد البابا الحالي تواضروس الكنيسة للعب دور سياسي واضح المعالم منذ مشاركته في انقلاب 3 يوليو 2013.
حتى أصبحت الكنيسة ورأسها من أكبر المدافعين عن نظام الانقلاب وقائده رغم الأزمات والفشل المتلاحق في جميع المجالات والملفات التي يديرها الانقلاب.
وقبل أيام كانت الكنيسة تحشد رعاياها في الولايات المتحدة للترويج لزيارة قائد الانقلاب لنيويورك, لحضور الجمعية العامة للأمم المتحدة, حتى أن أن الكنيسة أرسلت إثنين من كبار القساوسة لتنظيم الدعم للسيسي هناك سواء عن طريق الاقباط المتواجدين هناك أو إرسال أقباط من مصر على نفقة الكنيسة لمؤازرة قائد الانقلاب هناك.