أعلن الرئيس التركىُّ رجب طيب أردوغان أن قائد الانقلاب العسكرىِّ فى مصر عبد الفتاح السيسى أثار غضب أمريكا وإسرائيل معًا إلى الحد الذى جعلهما يتخذان القرار بالتخلص منه، وتوقع أردوغان أن يتم ذلك فى القريب العاجل، بيد أن الرئيس التركىَّ لم يفصح بعدُ عن الأسباب التى دعت أمريكا وإسرائيل إلى الانقلاب على حليفهما الاستراتيجىِّ بهذا الشكل الجنونىِّ .
جاءت تلك التصريحات فى الوقت الذى أعلن فيه نظام الانقلاب عن تخصيص مليونى متر مربع لإقامة منطقةٍ صناعيةٍ روسيةٍ شرق بورسعيد .
بالطبع سيتم إنشاء المنطقة الصناعية الروسية ولكنها ستعمل كستارٍ يُخفى القاعدة العسكرية التى سيقبع فيها الدب الروسىُّ الذى مرَّر تفجير طائرة الركاب التابعة لبلاده فى سماء سيناء من أجل أن يبسط نفوذه على أرضها وسمائها وبحارها، وهو ما يعنى الهيمنة الروسية على قناة السويس وسيناء والساحل الشرقىِّ للبحر المتوسط بما يشكل ضربةً موجعةً لأمريكا وأوروبا وإسرائيل تجعلهم يستشيطون غضبًا من ذلك الأحمق الذى صنعوه بأيديهم .
لقد كانت الضربة التى وجهها بوتين إلى الغرب وحليفته إسرائيل موجعةً حقًّا، فالموقع الذى اختاره الدب الروسىُّ لقاعدته العسكرية يمثل ثغرةً استراتيجيةً تنفذ إلى عمق الكيان الصهيونىِّ مهددةً حدوده البريًة والمائية من ناحيةً، كما أنها تمثل كابحًا ولجامًا للهيمنة الأمريكية على مياه البحر المتوسط من ناحيةٍ أخرى، فضلًا عن أنه سيسمح للأسطول الروسىِّ بالتواجد الدائم بالقرب من السواحل المصرية والإسرائيلية مشكلًا جسرًا بحريًا بين موسكو وقواتها فى مصر وحلفائها فى الشام.
ونظرًا لقرب هذا الموقع من العاصمة المصرية فإن موسكو ـ من خلاله ـ ستتمكن من بسط سيطرتها ونفوذها على القاهرة وإلا فإن هى إلا ساعاتٌ قلائل حتى تصل القوات الروسيةٌ إلى قصر الرئاسة لتحاصره كما فعلت بريطانيا من قبل عندما حاصرت قواتها التى كانت متمركزةً ـ وقتئذٍ ـ فى ذات النقطة الملك فاروق فى قصره لتخيَّره بين أن يُولىَّ النحاس باشا رئيسًا للحكومة أو أن يوقع على وثيقة تنازله عن العرش. ويزداد هذا الموقع أهميةً إذا ما قُورن بموقع القاعدة العسكرية الأمريكية فى رأس بناس على البحر الأحمر؛ إذ أن بفضله سيتمكن الروس من حصار الأمريكان فى رأس بناس وقطع الإمدادات عنهم فى أىِّ وقتٍ يشاؤون .
لقد استشعر قائد الانقلاب أن أيامه فى الحكم أصبحت معدودةً بعدما نفَّذ الأجندة الأمريكية الإسرائيلية المطلوبة منه بأكملها ولم يعد له من دورٍ آخر يُبقيه حلفاؤه من أجله فأخذ يبحث عن حليفٍ جديدٍ بأجندةٍ جديدة آملًا أن يعمل حليفُه الجديد على ابقائه بعض الوقت ريثما تتغير الظروف .
بالطبع لقد استعان السيسى بخبير الانقلابات ومهندسها المخضرم محمد حسنين هيكل لتعديل السيناريو الذى وضعه له من قبل كما فعل ” المجرم ” فى فيلم “بطل من ورق” عندما استعان بمؤلف سيناريو الجرائم التى ارتكبها ” رامى قشوع ” ليضع له نهايةً سعيدةً بدلًا من النهاية المأساوية الموجودة فى الرواية الأصلية، وبالتأكيد فإن هيكل قد أشار عليه باللعبة القديمة التى رسمها لعبد الناصر من قبله، ولأن الزمن قد توقف فى تفكير هيكل عند مرحلة الستينات وبسبب سذاجة وبلاهة السيسى فقد قبل الأخير المشورة ونفذها بحذافيرها .
ولعل التسريب الأخير الذى تناول مكالمةً هاتفيةً بين السيسى وهيكل هو مجرد مقطع صغيرٍ من حديثٍ مطول تناول تلك الأمور تفصيلًا، ومن المؤكد بالطبع أن هذا التسريب ـ الذى جاء هذه المرة بعيدًا عن عباس وهاتفه ـ يعد أحد أعمال الاختراق الكامل للنظام المصرى من قبل أجهزة الاستخبارات الخارجية .
إن الأمر هذه المرة جد خطير، فالمتحدث هو صديقنا المخلص الرئيس أردوغان، والمصدر بالطبع هو جهاز مخابرات الدولة التركية الصديقة، ربما يفسر ذلك لنا كثرة المبادرات ودعوات المصالحة والانشقاقات التى تشهدها تلك الفترة، فقد اقتربت ساعة الصفر، وفى النهاية فإنه لا يسعنى إلا أن أشكر باسم الثورة المصرية الرئيس أردوغان وجهاز الاستخبارات التركية على المعلومات الهامة التى كشفا لنا النقاب عنها.