بسام ناصر يكتب: رؤية الإصلاح التدريجي في تجربة إسلاميي المغرب

أظهرت نتائج الانتخابات البرلمانية المغربية فوز حزب العدالة والتنمية بـ 125 مقعدا، وهذا هو الفوز الثاني للحزب بعد ثاني انتخابات برلمانية جرت في المغرب منذ إعلانه عن إصلاحات دستورية سنة 2011، بعد موافقة ملك المغرب على تحويل الحكم إلى ملكي دستوري على إثر مظاهرات شعبية احتجاجية سادت المنطقة إبان الربيع العربي.

وقد استطاع حزب العدالة والتنمية أن يحصد 18 مقعدا جديدا في انتخابات 2016، أي بزيادة 16% عن انتخابات 2011، وهو ما يعني في أوضح القراءات زيادة شعبية الحزب، وقبول تجربته ودعمها من قطاعات شعبية مغربية جديدة.

من المعلوم أن هوامش الإصلاح في ظل نظام ملكي، يتحكم الملك فيه بمفاصل الدولة، محدودة جدا، ولا يمكن بحال لمن اختار العمل من داخل النظام إلا تحديد التطلعات، وتضييق الأمنيات، بما يسمح به النظام القائم، فليس من الحكمة السياسية في شيء رفع شعارات ضخمة وكبيرة يعرف واضعوها قبل غيرهم، عجزهم عن تحقيقها في ظل البنى والمعادلات السياسية القائمة.

لقد كان حزب العدالة والتنمية، برئاسة عبد الإله بنكيران، واضحا في برامجه ووعوده لجمهوره، فهو يعرف تماما المساحة المتاحة له للحركة الإصلاحية التي يتطلع إليها، ويدرك تماما أن مفاصل الدولة الأساسية بيد الملك، وأن إمكانية التغيير والإصلاح محدودة جدا، وقد اختار العمل من داخل النظام بما يتحيه النظام إياه ويسمح به.

ومع أن الذين انتخبوا الحزب في الدورة السابقة، يعلمون محدودية مساحة الحركة والإصلاح المتاحة للحزب، إلا أنهم أعادوا انتخابه مرة أخرى، واضعين ثقتهم به، وبزيادة 18 مقعدا جديدا حصل عليها في هذه الانتخابات.

ومن الواضح أن الحزب لم يخض معركته الانتخابية الأولى، وكذلك الثانية برؤى وبرامج أيدلوجية، بل خاضها ببرنامج عملي إصلاحي، يتطلع إلى إحداث إصلاحات سياسية واقتصادية، من داخل النظام، وقدم نفسه بكل تواضع بناء على المتاح والممكن، دون إطلاق شعارات كبيرة وضخمة، وإيهام جمهوره بأنه سيفعل كذا وكذا مما يعلم يقينا عجزه عن تحقيقه والقيام به.

أظهرت تجربة حزب العدالة والتنمية أن مصارحة جماهير الأتباع والمحبين بحقائق الأمور، وطبيعة العمل الذي يمارسه، في ظل النظام القائم، تخدم الحزب أكثر بكثير من التلبس بخطابين متناقضين؛ خطاب تعبوي حماسي لحشد الأتباع، وتجييش المحبين، وخطاب براجماتي ناعم يوجه لدوائر صنع السياسات والقرارات، وهو ما كان يوقع الأحزاب والحركات الإسلامية السالكة له في مآزق خانقة، حينما تفارق ممارستهم السياسية ما يقال في خطابها العقائدي التعبوي.

في تجربة إخوان مصر، كانت قطاعات واسعة من الشعب المصري، تحسب أن مقاليد الحكم كلها بيد الرئيس محمد مرسي، حتى وقعت واقعة الانقلاب، ليكتشف الجميع أن الرئيس لم يكن بيده شيء، وكانت مفاجأة مفجعة، واضطر الإخوان بعدها لبيان الحقيقة التي كان يجب أن يصارح بها الرئيسُ شعبه وأتباعه ومحبيه في حينها، حتى لا يحملوه أكثر مما يطيق، ولا يتمنوا منه ما لا يستطيع فعله، لأنه عاجز عنه.

بعد الربيع العربي بتجاربه المشرقة والمريرة، اكتشف الإسلاميون أن تحقيق الفوز في الانتخابات لا يعني امتلاكهم لمفاصل الدولة، ليديروا حكم البلاد كما يريدون ويرغبون، لأنها بكل وضوح تدار بأيدي رجالات «الدولة العميقة»، ما يعني بالضرورة أن الإصلاح من خلال النظام القائم محكوم بتلك المحددات المقيدة لأية طموحات تخرج عن المسموح به.

فإذا ما قرر الإسلاميون المشاركة في أي انتخابات برلمانية أو غيرها، في ظل نظام الدولة الحديثة، فليتواضعوا في طموحاتهم وتطلعاتهم ووعودهم، قبل الفوز وبعده، وليعرفوا قدر إمكاناتهم، والمأذون لهم به، في ظل الأنظمة السياسية التي قبلوا العمل من خلالها، وأنهم كي يحققوا الاندماج في مؤسسات الدولة، مطالبون بتعديل كثير من رؤاهم وأفكارهم التي تربوا عليها، فمشاريع الحاكمية وإقامة الدولة الإسلامية ليست ممكنة، بل مستحيلة في ظل استحكام نموذج الدولة العميقة في الدول العربية بأسرها. 

شاهد أيضاً

شعبان عبدالرحمن يكتب: حوار د. حلمي الجزار للشرق: وقفات وردود

منذ أزمة 2015م توقفت عن الكتابة فيما يتعلق بخلافات جماعة “الإخوان المسلمون”، على اعتبار أنها …