المدهون: ليس من حق مصر الزج بحماس دون انتهاء تحقيقات مقتل النائب العام
أبو عامر : إعلام العدو يعمل على تضخيم الإتهامات لزيادة العداوات العربية مع الحركة
المغاري : النظام المصرييعمل عبر استهداف حماس على تخفيف الاحتقان الداخلي
يبدو أن محاولات حركة حماس الحثيثة للنأي بنفسها عما يدورمن أحداث داخلية في مصر وبذلها الجهد الجهيد لإقناع نظام الانقلاب أنها ليس لها علاقة من قريب أو بعيد بالمشكلات التي تعصف بمصر والحوادث الأمنية المختلفةتبوء بالفشل في كل حادثة تصيب البلاد، فلا يكاد غبار أي عملية أمنية ينجلي حتى يتم الزج باسم حركة حماس ضمن قائمة المتورطين في مثل هكذا عمليات.
لكن يبدو مسلسل الاتهاماتهذه المرة يأخذ أبعاداً أخرى، إذ يتعداها إلى مؤشرات صراع بين أجهزة ودوائر النظام الانقلابي،حيث خرج وزير الداخلية المصري مجدي عبد الغفار في مؤتمر صحفي متهماً حماس بالتورط في اغتيال النائب العام هشام بركات، يلصق بالحركة تهمةً جرت فصولها في يونيو 2015، أي بعد قرابة عام من الحادثة.
التهمة ذاتها ألصقت بعدد من الجهات والأشخاص على مدار تسعة شهور من التحقيقات، فقد رصدت وسائل إعلام تغير المدانين بتهمة اغتيال بركات أربع مراتٍ، فمرة تسع قياداتٍ إخوانية جرت تصفيتهم بمدينة السادس من أكتوبر بالقاهرة، وأخرى باتهام الضابط السابق بالجيش المصري، هشام عشماوي، وثالثة بقتل خلية بحي المعادي ألصقت بها التهمة، وليس أخيراً باتهام جماعة الإخوان وحركة حماس.
بوادر تقارب!
وقبيل مؤتمر وزير الداخلية خرجت العديد من التحليلات والمؤشرات التي تشي ببوادر لنزع فتيل التوتر في العلاقة بين مصر وحركة حماس، وهو ما أكدته الحركة لدى تفنيدها مؤتمر وزير الداخلية المصري، حين قال الناطق باسم حماس سامي أبو زهري، إن “مؤتمر وزير الخارجية المصري جاء مفاجئاً، بعد اتصالات مكثفة عقدتها حماس بأعلى المستويات مع جهاز المخابرات العامة مؤخراً؛ لعقد لقاء بين الحركة والجانب المصري، وكان الأولى أن يخبرنا جهاز المخابرات حول ذلك، لكنه لم يكن مطروحاً بالأساس”.
وجدد أبو زهري موقف حركته الرافض للاتهامات المصرية، مردفاً: “أنه إذا كان وزير الداخلية لديه أي معلومات رسمية حول اتهاماته لحماس، كان يجب أن يطلع الحركة عليها، لكن ذلك لم يحدث ولا علاقة لها بالحقيقة”.
كما أشار إلى أن “رئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل تواصل مع جهاز المخابرات المصرية لعقد لقاء ثنائي مشترك، وأن الأمر وجد ترحيباً مصرياً لاستقبال وفد من الحركة في القاهرة”، مشدداً على أن حماس أصدرت بيانا عقب مقتل نائب العام المصري أدانت فيه جريمة اغتياله، داعياً القاهرة لمراجعة تصريحات وزير الداخلية.
إتهام سياسي
فلسطينياً، بدت علامات الصدمة والاستهجان باديةً على محيا الفصائل الفلسطينية التي خرجت في مؤتمر صحفي معلنةً رفضها للاتهامات المصرية بحق الحركة، لتتبعها حماس بمؤتمر مفند للاتهامات بحقها، داعيةً السلطات المصرية إلى العزوف عن هذه التصرفات التي تقف أمام جهود تطوير العلاقات بينها وبين مصر.
وطالبت الفصائل بوقف محاولات شيطنة حركة حماس والمقاومة الفلسطينية، معتبرةً أنها “لا تخدم إلا الاحتلال”،ودعت الجانب المصري للتواصل المباشر عبر القنوات المعروفة مع حركة حماس لإنجاز الإيضاحات المطلوبة لتجاوز هذه الأزمة.
كما شكل هذا الاتهام المادة الرئيسة للمحللين والسياسيين في القطاع، ففي جلسة نقاش تناولت الاتهامات المصرية لحماس كان الحديث واضحاً عن أن الاتهام سياسيٌ بامتياز، ومن شأنه أن يزيد تأزيم الأوضاع في القطاع من ناحية، ومن ناحية أخرى الزج بحركة حماس في أحداث مصر الداخلية لحرف البوصلة عن مقاومة الاحتلال.
قانونياً، أكد الأمين العام للمجلس التشريعي الفلسطيني نافذ المدهون أنه “ليس من حق مصر أو أي دولة عربية أن تزج بحماس أو أي فصيل فلسطيني، دون انتهاء تحقيقاتها حول مقتل النائب العام المصري”، منوهاً إلى أنه “إذا توفرت اعترافات تثبت تورط فلسطينيين، فإن الأمور لا تعالج هكذا؛ وإنما توجد طرق دبلوماسية تنظم هذه الإجراءات وأن تكون موجهة لأشخاص.. لا لأحزاب”.
أما إسرائيلياً، فقد رصد المختص في الشأن الإسرائيلي مأمون أبو عامر عن تعاطٍ كبير من الإعلام الإسرائيلي مع الاتهامات المصرية لحماس، مشيراً إلى أنه “يعمل على تضخيمها لزيادة عداوات المحيط العربي مع الحركة، وأن الاحتلال يحاول تصعيد الموقف وتأجيج الوضع بين حماس ومصر، وهي معنية بذلك وتنسج قصصاً وتضخمها عبر الإعلام”.
أما المختص بالشؤون الأمنية والاستراتيجية هشام المغاري فرأى في الاتهام المصري”محاولة لتصدير الأزمات الداخلية للنظام المصري”، مردفاً أن “مصر تعمل عبر استهداف حماس على تخفيف الاحتقان الداخلي من قصور حكومي، وهذا واضح خاصة بوجود هبة شعبية في مصر وغضب في الشارع المصري”.
مسلسل من الاتهامات
وبعودةٍ قليلة إلى الوراء، نلحظ مسلسلاً طويلاً من الاتهامات المصرية بحق حركة حماس، بدءاً من اتهام الحركة بتفجيرات كنيسة القديسين قبيل ثورة الخامس والعشرين من يناير، مروراً بالأنفاق الحدودية بين رفح المصرية ورفح الفلسطينية، التي لطالما اتهمت حماس باستخدامها في تهريب السلاح والمقاتلين والمساس بالأمن القومي المصري.
تلك الأنفاق التي أصبحت نقطة انطلاقٍ لأي سيناريو تتهم الحركة بتنفيذه ضد مصر، فحماس -رسمياً وإعلامياً- متهمة بـ”اقتحام السجون إبان ثورة يناير وإخراجها للمسجونين من حماس وحزب الله وجماعة الإخوان وبينهم محمد مرسي”، كما يزعم الإعلام.
ليس هذا فقط،فحماس من وجهة نظر الاتهامات المصرية “أرسلت قوة مسلحة خربت مراكز الأمن في رفح والشيخ زويد ووصلت إلى سجن وادي النطرون لتقتحمه عنوة بالبلدوزرات”، كما ووجهت بحملة شرسة إبان العمليات العسكرية في سيناء التي قضى ضحيتها عدد من الجنود المصريين في فترة حكم الرئيس محمد مرسي.
وبُعَيد الانقلاب العسكري في الثالث من يوليو، أصبحت حماس في نظر الإعلام المصري فضلاً عن النظام، هي “الشيطان الأصغر” إلى جانب “الشيطان الأكبر” -كما يردد إعلام النظام- في إشارة إلى جماعة الإخوان المسلمين، ليسارع الإعلاميون والمحللون وأحياناً مسؤولو الدولة والقضاة إلى إلصاق التهم جزافاً بالحركة حتى دون توفر الأدلة.
لقاء القاهرة
ولعل ما يمكن استشفافه -باستقراء ما تحدث به المختصون- من الاتهام الأخير الذي تصدر واجهته وزير الداخلية المصرية، محاولة لاستكمال مسلسل الاتهامات وشيطنة الحركة من ناحية، والوقوف دون أي محاولة لاستعادة العلاقات المصرية الحمساوية، التي كانت قد بدأت تأخذ منحىً إيجابياً.
ولا يبدو أن حماس -التي أكدت تواصل اتصالاتها مع المسؤولين المصريين رغم الاتهامات الأخيرة- ستفوت فرص التقارب المتوفرة، حيث توجه مطلع الأسبوع الحالي وفد قيادي عالي المستوى من داخل قطاع غزة وخارجه إلى القاهرة للقاء وزير المخابرات المصرية، ونزع فتيل الأزمة بين الجانبين.
أجندة ثقيلة يحملها هذا اللقاء الذي يعد الأبرز من نوعه منذ توتر العلاقات بين الجانبين، فالعلاقات الثنائية بين الطرفين وهموم غزة خاصة ملف معبر رفح فضلاً عن تطورات القضية الفلسطينية، ستكون مطروحةً بقوة على الطاولة في حين لا يمكن التكهن بنتائج هذه الزيارة، وما إذا كانت حماس ستنجح في نزع فتيل الأزمة وقلب الطاولة على الاتهامات المصرية بحقها!.