أثار البلاغ الذي قدمه المحامي أشرف ناجي، للنائب العام المصري، ضد إدارة مدارس “ران” الألمانية بالقاهرة، يتهمها بتدريس “الشذوذ الجنسي”، جدلا واسعا.
وأوضح ناجي، لفضائية “النهار”، الثلاثاء الماضي، أن هناك مواد تروج للشذوذ الجنسي في مادة “البيولوجي” بكتاب الصف السادس الابتدائي، الذي يتضمن “مواد دراسية غير سوية تتضمن أفكارا شاذة وهدامة تدعو إلى إتيان الرذيلة وهدم القيم والأخلاق والدعوة للشذوذ الجنسي، وأن يقوم الشاب بالميل لنفس جنسه وتقوم الفتاة بالارتباط والميل لنفس جنسها”، وفق تأكيده.
الأمر أثار حفيظة عضو مجلس النواب محمود عصام، الذي وصفه في تصريحات لفضائية “صدى البلد”، الثلاثاء الماضي، أيضا، بـ”الصاعقة”، مؤكدا أن الغرب يقف خلف الأمر، وأنه يحاول اقتحام المجتمعات الشرقية، وتمرير هذه الأفكار عبر وسائل مختلفة وأبرزها مؤخرا منصة “نتفليكس”.
عصام، الذي تقدم بسؤال في البرلمان لوزير التعليم، وطالب بالرقابة على مناهج المدارس الدولية، حذر من أنها تنقل ثقافات دول أجنبية، وشدد على خطورة الأمر باعتباره مسألة “أمن قومي”.
وفي رد فعل، وصفه البعض بالباهت، قرر وزير التعليم رضا حجازي إرسال لجنة للمدرسة، واتخاذ الإجراءات القانونية حال ثبوت الأمر، وذلك وسط مطالبات شعبية بغلق المدرسة، التي وجهت أولياء الأمور لتمزيق ذلك الجزء من الكتاب عن المثلية الجنسية، والتوقيع على إقرار بأن هذه المواد موجودة بالمنهج، ولكن لا يتم تدريسها، وفق ما أكده المحامي “ناجي”.
واتهم مراقبون ومتحدثون نظام عبدالفتاح السيسي بإطلاق يد تلك المدارس في مصر للحصول على المال وإرضاء دول أجنبية، ما حولها إلى كيانات منفصلة عن التعليم والمناهج المصرية، ودولة داخل الدولة في ظل غياب رقابة وزارة التعليم على هذه المدارس وما تعتمده من مناهج.
وطالما انتقد مراقبون الإهمال الحكومي لملف التعليم، وتقليص دعم الدولة له، والسعي لتحقيق الأرباح بتوجيهه نحو الخصخصة والتركيز على تعليم فئة من الأغنياء ينالوا بعدها أهم المناصب وإهمال 106 ملايين مصري.
وأبدى السيسي، مرارا رؤيته حول التعليم، معلنا رغبته بأن يتم حصره بفئة معينة، حيث طالب في أكتوبر 2018، بأن يكون جيدا لفئة معينة من المصريين هم من يقودوا البلاد، كما وجه بتغير المناهج مرارا.
ووسط مطالبات من السيسي، بتغيير الخطاب الديني، شكلت وزارة التعليم في فبراير 2015، لجنة لمراجعة المناهج، حذفت أغلب النصوص التي تتعلق بـ”الجهاد”، وبالكيان الإسرائيلي، واليهود في كتب الدين، واللغة العربية، والتاريخ، وفق تقارير صحفية.
بل إن حكومات السيسي، اعتمدت توجها خاصا لتشجيع الأجانب على الاستثمار في مجال التعليم، حيث ألغت قرارا كان قد صدر في سبتمبر 2019، يحدد ملكية الأجانب في أية مدرسة بـ20 بالمئة فقط,
ففي يناير 2021، قننت حكومته تملك الأجانب للمدارس الدولية والخاصة دون حد أقصى، ولأفراد يحملون أية جنسية وسمح بأن تكون ملكية المدارس لشركة مسجلة في مصر يمكن أن يتملكها شركات وصناديق وأفراد يحملون أي جنسية أجنبية.
ما فتح التساؤل، حينها، حول أسباب سماح مصر بعد رفض، بتملك الأجانب من أي جنسية للمدارس الخاصة والدولية، وخطورة هذا التوجه، خاصة مع المخاوف من تسلل المستثمر الإسرائيلي إلى قطاع التعليم المصري.
وفي مقابل إطلاق يد المدارس الدولية قامت حكومات السيسي، بالتحفظ على المدارس الخاصة والدولية التي يديرها ويمتلك أسهما بها أعضاء بجماعة الإخوان المسلمين، أو جمعيات أهلية.
وفي مصر توجد المدارس الدولية، والأخرى التابعة للسفارات والقنصليات، والمملوكة لاتحادات، ومن أشهرها البريطانية، والأمريكية، والليسيه الفرنسية، والألسن، وبريتش كولومبيا الكندية، وساكسونيا، وريجنت البريطانية، وأيفي، وجيمس، وماجستي، وإيكول أواسيز، والكلية الأمريكية، والمعادي البريطانية، ونوشن، والألمانية الإنجيلية، والمصرية الدولية، وايثوس، والشويفات، والكندية، وسانت فاتيما، والريتاج، وغيرها.
تلك المدارس التي بدأت بمصر في القرن الـ17، تعد استكمالا لمدارس الإرساليات أو مدارس التبشير الفرنسية والإنجليزية والأمريكية والألمانية والهولندية التي غمرت القاهرة والإسكندرية.
وأنشئت مدرسة “الرهبان الفرنسيسكان” بحى الموسكى عام 1732 كأول مدرسة أجنبية، ليتم عام 1840 تأسيس “الكلية الفرنسية” بالإسكندرية، ثم “الجمعية الإنجيلية البروتستانتية”، ومدارس “الآباء اليسوعيين” عام 1880، ثم انتشرت المدارس الأمريكية والألمانية والبريطانية والفرنسية في القرن الـ20 لتضم لاحقا المصريين مع الأجانب.
وتجذب تلك المدارس قطاعا كبيرا من أثرياء مصر، بمقابل مادي كبير كشفت عنه في 15 أغسطس 2023، نشرة “انتربرايز” الاقتصادية، مؤكدة أن الكلية الأمريكية بالقاهرة تأتي على رأس القائمة بمصروفات سنوية تصل إلى 193 ألف جنيه لمرحلة رياض الأطفال و 292 ألف جنيه للصف الرابع الابتدائي، لافتة إلى دفع رياض الأطفال حتى الصف الخامس نحو 799 ألف جنيه سنويا.
ويعتبر كثير من الخبراء أن التعليم ملف استراتيجي خطير يهمل النظام الحاكم القطاع الأكبر منه، في مقابل توجهه نحو الخصخصة عبر المدارس الدولية للتعليم من الحضانة حتى الثانوي، وملف الجامعات الأجنبية والخاصة والأهلية، وتحقيق الأرباح والتركيز على تعليم جيد وقوي للأثرياء وإهمال باقي المصريين.
وطالما كشف متخصصون وباحثون عن الأثر السلبي لتلك المدارس والجامعات على المجتمع المصري.
وفي دراسة للباحثة التربوية الدكتورة بثينة عبدالرؤوف عن “مخاطر التعليم الأجنبي على هويتنا الثقافية”، أكدت أن تلك المدارس تطبق أنظمة أجنبية وتقتل الهوية عند الأطفال، ولفتت إلى انفصالها عن المجتمعات العربية، وعدم وقوعها تحت طائلة أي قانون، وخضوعها لإشراف هيئات أمريكية تطبق عليها مقاييسها وأهدافها.