“تعويم الجنيه”.. ولادة متعثرة ومولود مشوه

كارثة جديدة من كوارث العسكر بانتظار الشعب المصري الذي يعيش أكثر من نصف عدد سكانه، تحت خط الفقر، وتتمثل الكارثة هذه المرة في “تعويم الجنيه” وبالأحرى (تشييعه) إلى مثواه الأخير؛ بعد أن فقد أكثر من نصف قيمته في ثلاث سنوات وبضعة أشهر, هي عمر الانقلاب الغاشم على إرادة الشعب.

فمصر – التي تعاني أزمة اقتصادية حادة جراء عدم الاستقرار السياسي عقب انقلاب قائد الجيش على الرئيس مرسي – وفي ظل تراجع موارد البلاد من النقد الأجنبي لانخفاض السياحة – والتي تمثل مصدرا رئيسا للنقد الأجنبي – بالإضافة إلى تراجع إيرادات قناة السويس – بحسب بيانات رسمية صادرة عن البنك المركزي – فضلاً عن تراجع الصادرات وهروب الاستثمار الأجنبي في ظل بيئة طاردة ومعقدة للاستثمار؛ مصر – في هذه الظروف – تلجأ لتخفيض عملتها الوطنية؛ تنفيذاً لأوامر صندوق النقد الدولي الذي وقعت مصر معه اتفاقاً مبدئياً تحصل بموجبه على 12 مليار دولار على 3 سنوات بواقع 4 مليارات دولار كل عام. ولكي يصدَّق عليه لابد أن تتبني الحكومة المصرية إجراءات صعبة سيكون تأثيرها قاسياً على السكان أولها إقرار قانون الضريبة المضافة الذي أدى إلى ارتفاع أسعار السلع والخدمات بنسبة وصلت إلى 16%  كما في الأجهزة الكهربائية والمنزلية، بالإضافة لاستمرار تنفيذ الحكومة لبرنامج رفع الدعم عن الطاقة ورفع أسعار المحروقات ورفع أسعار الكهرباء بنحو 40%. بالإضافة إلى إقرار نواب البرلمان الموالي للعسكر، قانون الخدمة المدنية الذي يستهدف تخفيض الجهاز الإداري للدولة بنحو مليوني موظف باعتبارهم عبئاً على موازنة الدولة وأخيراَ وليس آخراً ضغط صندوق النقد على الحكومة المصرية من أجل اعتماد سعر صرف (أكثر مرونة) للجنيه مقابل الدولار الأمريكي وهو ما يعرف بـ “تعويم الجنيه” .

جدول زمني للتعويم

بعد لقاء قائد العسكر “عبدالفتاح السيسى” مع محافظ البنك المركزي “طارق عامر” قبل أكثر من أسبوع تسربت أخبار باقتراب قرار “تعويم الجنيه” خلال ساعات قليلة والذي يعتبر تأييداً سياسياً نهائياً لقرار “التعويم.”

وتوقعت مؤسسة بلتون فاينانشال، في مذكرة بحثية تحت عنوان “التنبيه الأخير: التعويم خلال ساعات”، أن يتراوح سعر الدولار بعد التعويم بين 11.5 و 12.5 جنيه.

ووضعت بلتون فاينانشال جدولاً زمنياً متوقعاً لتنفيذ عملية تعويم الجنيه، يتضمن سيناريوهين الأول: التعويم الكامل للجنيه، والثاني: خفضه من خلال طرح عطاء استثنائي لبيع الدولار، يعلن بالتزامن معه تحول مصر لنظام سعر صرف أكثر مرونة، على أن ينتقل المركزي للتعويم الكامل بعد ذلك في غضون أسبوعين أو ثلاثة أسابيع على الأكثر.

وتضمن الجدول الزمني المتوقع موافقة مجلس إدارة صندوق النقد الدولي على تقديم القرض لمصر في الفترة بين 4 و9 أكتوبر, وهو ما لم يحدث.

وتوقع بلتون فاينانشال أن يرتفع الاحتياطي النقدي إلى ما بين ٢٥ و٣٢ مليار دولار بحلول 6 نوفمبر، مع حصول مصر على ما بين مليار وملياري دولار من الصين وملياري دولار من السعودية، بالإضافة إلى تسلم الشريحة الأولى من قرض صندوق النقد الدولي، وحصيلة طرح سندات دولارية بما يتراوح بين 3 و5 مليارات دولار في السوق الدولية.

وكان “المركزي” أعلن مؤخرا، أن احتياطي النقد الأجنبي ارتفع إلى 19.5 مليار دولار بنهاية سبتمبر مقابل 16.56 مليار دولار بنهاية شهر أغسطس، بزيادة نحو 3 مليارات دولار، وهي عبارة عن قروض ومنح “مليار دولار من البنك الدولي وملياران من الإمارات، فضلاً عن 500 مليون دولار من البنك الافريقي للتنمية”، أي أن هذه الزيادة عبارة عن ديون وليست مردوداً لزيادة النشاط الإنتاجي.

وقال بنك الاستثمار إنه من المتوقع أن يشن البنك المركزي هجوماً على السوق السوداء في الفترة بين 9 أكتوبر و17 نوفمبر – من خلال التنسيق مع البنك الأهلي وبنك مصر – لرفع أسعار الفائدة على شهادات الاستثمار فئة الثلاث سنوات ما بين نقطتين وثلاث نقاط مئوية، ليقفز فوق مستوى 15% سنوياً، أو عقد اجتماع طارئ للجنة السياسة النقدية ورفع أسعار الفائدة بنفس النسبة.

وكان البنك المركزي ثبت أسعار الفائدة في اجتماع لجنة السياسات النقدية الأخير، عند 11.75% للإيداع و 12.75%على الإقراض، مخالفاً توقعات بنوك الاستثمار برفعها ما بين نصف نقطة مئوية و3 نقاط.

التمهيد الإعلامي

وقد بدأت الأذرع الإعلامية في التمهيد لقرار تحفيض سعر الجنيه، عبر مختلف القنوات والإذاعات وإبراز “محاسن” هذا القرار وتأثيره “الإيجابي” على الاقتصاد والمواطن المصري على السواء!

وكانت شرارة التمهيد الإعلامي في كلمة قائد الانقلاب أثناء افتتاح تطوير مثلث “غيط العنب” بالإسكندرية – والتي بدأها الأهالي بالجهود الذاتية مع أعضاء مجلس الشعب عقب ثورة يناير، إلا أن القوات المسلحة كعادتها تدخلت ونسبت المشروع لنفسها ودعت “السيسى” لافتتاحه كإنجاز ينسب إليه زوراً! – وزعم السيسي أن الجيش “هيفرد البلد في 6 ساعات” حسب قوله، وذلك لتهديد من يفكر في الخروج على نظامه احتجاجاً أو ثورة  على الأوضاع الاقتصادية التي تفاقمت في الفترة الأخيرة نتيجة سياساته الفاشلة؛ مؤكداً أنه لن يتركها أي “مصر” تنفع لينا أو ليهم” بحسب كلامه .

رابط كلمة السيسي:

من جانبها أكدت الإعلامية “لميس الحديدى” والمقربة من العسكر، أن الحكومة باتت على وشك اتخاذ “قرارات جريئة” بتعويم الجنيه ورفع الدعم عن الوقود.

وقالت الحديدي، في برنامج “هنا العاصمة”،على قناة “سي بي سي” إن ساعات الحسم الاقتصادية اقتربت جداً، حيث إن الدولة بدأت في تنفيذ الخطوات التي اتفقت عليها مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض بقيمة 12 مليار دولار.

وأكدت لميس الحديدي أن أهم الإجراءات التي سيتم اتخاذها خلال أيام هي تعويم الجنيه أمام الدولار، وتنفيذ طلب صندوق النقد الدولي برفع الدعم عن المحروقات.

أما الإعلامي “عمرو أديب” الموالي للانقلاب – هو الآخر – فعلق قائلاً: إن قرار تعويم الجنيه لن يوفر الدولار ولن يحل الأزمة، مشيرًا إلى أن السياحة والتصدير والاستثمار هي الموارد الحقيقية للدولار، وبدون تنشيطها لن تُحل الأزمة.

وتابع: “فين الكلام عن الشباك الواحد؟. تعويم الجنيه مش حل، وهنغرق، والأزمة مش هتتحل”.

رابط عمرو أديب :

https://www.youtube.com/watch?v=6o-KU6LwlPI

خبراء اقتصاد

الدكتور خالد عبدالفتاح – أستاذ الاستثمار بجامعة عين شمس – أبدى تخوفه من قيام الحكومة بتعويم الجنيه تنفيذاً لشروط الصندوق من أجل الحصول على القرض.

وأكد “عبد الفتاح” أن “تعويم الجنيه سيزيد معدلات التضخم التي وصلت بالفعل إلى مستوى كارثي”، وأضاف أن أي خفض لقيمة الجنيه أو تعويمه سينعكسان سلباً على القيمة الشرائية لدخل معظم المصريين، خصوصاً مع استمرار الاعتماد على الاستيراد لتوفير السلع الأساسية.

وبحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامّة والإحصاء، فإن معدل التضخم  ارتفع خلال شهر أغسطس الماضي إلى 16.4%، بسبب زيادة أسعار المواد الغذائية والملابس الجاهزة فضلاً عن تطبيق زيادة أسعار الكهرباء.

وقالت الخبيرة المصرفيّة والموالية للانقلاب العسكري “بسنت فهمي” في تصريحات صحفية مؤخراً إن الحكومة ملزمة بالعمل على رفع الاحتياطي النقديّ من العملة الأجنبيّة قبل أيّ إجراء خاصّ بتحرير سعر الصرف أو خفض قيمة الجنيه، مؤكدة أن عجز الجهاز المصرفي عن تمويل استيراد المواد الخام والسلع الأساسية، سيجعل الدولار يصل إلى معدلات كارثية إذا تم تعويم الجنيه.

وأكدت فهمي أن صندوق النقد الدولي اشترط على الحكومة المصرية تطبيق إصلاحات مالية قد يكون تعويم الجنيه من بينها، غير أنها حذرت الحكومة من قبول هذا الشرط، مؤكدة أنه بتعويم الجنيه ونقص المعروض من الدولار سيرتفع سعر العملة الخضراء بشكل ضخم، قد يتسبب في توقف أنشطة صناعية وتجارية لعدم قدرة أصحابها على توفير الدولار.

ومع تزايد أعباء المواطنين وزيادة أسعار جميع السلع والخدمات واستيلاء العسكر على نحو 60 % من اقتصاد مصر – بحسب تقارير أجنبية – وانحياز الحكومة للأغنياء على حساب الفقراء وتحميل المواطنين أسباب فشلها، ينتظر المصريون علهم يجدون مخرجاً من هذا الوضع المزري تحت حكم عسكري غاشم فرط في جميع مقدرات مصر، أهمها على الإطلاق حصة مصر التاريخية في مياه نهر النيل وتوقيع قائد الانقلاب على وثيقة سد النهضة، أملاً في اعتراف دولي بنظامه الانقلابي.

وتمر الأيام ويظل الانتظار سيد الموقف .. إذ لم يتم تعويم الجنيه, وتكاد الأنشطة التجارية تتوقف بسبب انتظار الجميع للخطوة التالية, وحتى عمليات التحويل من الخارج تأثرت بشكل كبير بسبب ترقب الجميع والخوف من المخاطرة بتحويل أموال بسعر أقل مما يمكن الحصول عليه في اليوم التالي.

ختاماً لا يوجد خيار أمام الشعب – للخروج من هذا النفق المظلم – سوى المصالحة بين جميع أطيافه وتياراته وأحزابه؛ لإجبار العسكر على العودة إلى ثكناتهم وعدم تدخلهم مرة أخرى في السياسة التي أفسدوها – ولا يزالون يفسدونها – على مدار 64 عاماً منذ انقلاب يوليو 1952م.

شاهد أيضاً

بعد موقفهما تجاه ليبيا.. محاولات لبث الفتنة بين تركيا وتونس

منذ أن بدأ الجنرال الانقلابي خليفة حفتر محاولة احتلال طرابلس في إبريل الماضي، لم تتوقف …