تغييرات كبيرة بالمناهج التعليمية السعودية للتمهيد للتطبيع مع إسرائيل

لم يكتف النظام السعودي بالتخلي عن دعم القضية الفلسطينية بمنع أي تضامن شعبي معها خلال العدوان المستمر على غزة، ولكنه بات يعاملها كأنها “إسرائيل” فقط، وفق تقرير لموقع “الاستقلال”.

هذا ما كشف عنه تقرير مفصل لـ “يديعوت أحرونوت” إحدى أبرز الصحف الإسرائيلية في 28 مايو/أيار 2024، إذ أكد أن السعودية حذفت اسم فلسطين من مناهج الطلاب الدراسية، كما حذف عبارة “الصهيونية” وباتت تستعمل كلمات تمتدح إسرائيل.

سعوديون معارضون نشروا نماذج من هذه التغييرات التي طرأت على المناهج في السنوات الأخيرة، وكيف جرى حذف خرائط عليها اسم “فلسطين”

رأوا أن تغيير المناهج وحذف فلسطين وتحسين صورة اليهود هي محاولات من ولي العهد محمد بن سلمان لتحسين صورة الصهاينة وتهيئة المجتمع لتقبلهم وتغيير نظرة الأجيال حولهم.

في المقابل، نفي موالون للسلطات السعودية هذه المعلومات وقالوا إن مصادرها منظمة “إسرائيلية”، واتهموا معارضين بالاحتفاء بها دون مراجعة المناهج الحقيقية الموجودة، التي قالوا إن “فلسطين” لا تزال موجودة بها.

وتزامن هذا مع تأكيد كبير الجمهوريين في لجنة الموازنة بمجلس الشيوخ الأميركي “ليندسي جراهام” في مؤتمر صحفي بإسرائيل 29 مايو 2024 أن “هناك تغييرا حقيقيا في السعودية”

أكد أن “السعوديين لم يعودوا يدرسون (في مناهج التعليم) أنه يجب قتل كل اليهود، بعكس ما تفعله السلطة الفلسطينية”، التي زعم أنها تعد الفلسطينيين بوظيفة وراتب “إذا قتلت يهوديًا”، وفق زعمه.

قصة الإزالة

صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية زعمت في تقريرها الصادم الذي جاء كخلاصة لدراسة جديدة، أن “السعودية تزيل كلمة “عدو” من وصف إسرائيل في الكتب المدرسية، وبالمقابل تمحو كلمة “فلسطين” من الخرائط”

وأن “الأبحاث تُظهر أن الكتب المدرسية السعودية تغير نظرتها لإسرائيل، ولا تنكر الوجود اليهودي في المنطقة وتخفف من حدة المحتوى المناهض لإسرائيل”

واستعرضت الصحيفة دراسة جديدة حول المناهج السعودية، أصدرها “معهد مراقبة السلام والتسامح الثقافي في التعليم المدرسي”، أو منظمة “إمباكت” IMPACT-se وفق تسميتها الأجنبية.

وإمْبَاكْتْ Impact هي منظمة إسرائيلية أميركية مكلفة بمراقبة المناهج التعليمية للبلدان العربية والإسلامية والتي تدرس العلوم العربية والإسلامية، وتقدم تقارير دورية عن مهمتها كي تنفذها الحكومات العربية بضغوط من الولايات المتحدة.

والدراسة كانت متابعة لمناهج التعليم في العالم العربي ومدى معاداتها للاحتلال، وصدرت في مايو/أيار 2024 وركزت على رصد العام الدراسي السعودي 2023 /2024.

وتتضمن الدراسة مراجعة لـ 371 كتابًا مدرسيا سعوديا تحدد التغييرات التي طرأت عليها خلال العام الدراسي 2023/ 2024، وتؤكد أن النتائج أظهرت “خطوات مستمرة نحو الاعتدال” تجاه إسرائيل.

وأوضحت أن وزارة التعليم السعودية أجرت تغييرات كبيرة على المناهج الحالية عن طريق إزالة المحتوى المناهض والمتطرف تجاه إسرائيل من الكتب المدرسية.

وفي السنوات الأخيرة، نشر معهد “إمباكت” العديد من الدراسات التي قال إنها “تظهر تحسينات كبيرة في الكتب المدرسية السعودية في إزالة المحتوى العنيف والمعادي لليهود، ولكن ليس بشكل كامل”

لكن دراسة مايو 2024 أكدت أنه جرى في العام الدراسي الحالي (2023 /2024) إزالة كتاب كامل في العلوم الاجتماعية لطلاب المدارس الثانوية، “كان يتضمن محتوى معاديا لإسرائيل”

وكتاب الدراسات الاجتماعية للصف الثاني عشر، الذي تم حذفه ووقف تعليمه للطلاب عام 2023 كان يذكر أن “الصهاينة” حاولوا عمدا حرق المسجد الأقصى في عام 1969، وفق المعهد البريطاني المناصر لإسرائيل.

تطبيع المناهج

ووفقا لـ “إمباكت”: “تقدمت صور إسرائيل والصهيونية بشكل أكبر في مناهج السعودية، ولم يعد الطلاب يتعلمون المحتوى الذي يُعرف الصهيونية بأنها حركة أوروبية “عنصرية” تهدف إلى طرد الفلسطينيين.

أيضا لم يعد يدرس الطلاب أن “الهدف الأساسي” للصهيونية هو توسيع حدودها والاستيلاء على الأراضي العربية وآبار النفط والمقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس”

ومع ذلك، لا تزال إسرائيل غير معترف بها على الخرائط السعودية، ولكن في بعض الخرائط، تمت إزالة “فلسطين”، التي تظهر في “كامل الأراضي الإسرائيلية، بشكل منهجي”، وفق “إمباكت”

كما لا يزال يشار إلى إسرائيل باسم “الاحتلال الإسرائيلي” أو “المحتلين الإسرائيليين” في سياق ما يخص حرب 1948، في المناهج.

وقد نقلت صحيفة “يديعوت أحرونوت” عن ماركوس شيف، رئيس منظمة “إمباكت” سعادته من أن مصممي المناهج السعودية أجروا تغييرات “تقدم إسرائيل في ضوء أكثر إيجابية”

قال إن “الكتب المدرسية السعودية للعام الدراسي 2023 /2024 تمثل خطوة أخرى نحو تحويل المنهج إلى إطار تعليمي يشجع على التسامح والسلام ومزيد من المساواة وإزالة معاداة السامية بالفعل من الكتب المدرسية”

وجاءت هذه التعديلات في المنهج في وقت يحاول فيه الأميركيون توقيع اتفاق للتطبيع بين السعودية وإسرائيل، وإجراء وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، ونواب بالكونغرس زيارات إلى المملكة للترويج لصفقة مقابل وقف العدوان على غزة وحل الدولتين.

وخففت الرياض شروطها للتطبيع مع إسرائيل، وبدأت بتجاهل فلسطين من الصفقات المطروحة مقابل مطالب سعودية خالصة تتعلق باتفاقية حماية أميركية للنظام في المملكة، والتسليح وبرنامج نووي سلمي.

وكانت مواقع إسرائيلية وأميركية رصدت ما يمكن وصفه بأنه “تاريخ من تطبيع المناهج” بين السعودية ودولة الاحتلال، في صورة تغييرات تصب في خانة تغيير نظرة الأجيال بالمملكة للدولة العبرية والصهاينة.

فقد أكد موقع Jewish News اليهودي في 24 مايو 2023 أن الحكومة السعودية “أزالت كل المواد التي تشوه صورة إسرائيل” من الكتب المدرسية.

وقال إنها “حذفت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تتهم اليهود بالتآمر ضد الإسلام، وهو ما سبقتها فيه مصر”.

التأثير في الأجيال

وفي آخر تقرير شامل أصدرته IMPACT-SE في أبريل/نيسان 2023 رصد ما أسماه “كيف سرعت السعودية ومصر ودول عربية عملية تغيير المناهج الدراسية لصالح إسرائيل واليهود؟”

وأكدت “إمباكت” في تقرير آخر أصدرته مايو 2023 أنها نجحت في تغيير المناهج في دول عربية وإسلامية “بهدوء” حتى يؤدي ذلك إلى القبول بإسرائيل والسلام معها.

زعمت أن الكتب المدرسية في دول عربية وخليجية تغيرت وأن الباحثين لاحظوا “اعتدالا تدريجيا” في موضوعات تتراوح بين أدوار الجنسين إلى تعزيز السلام والتسامح مع اليهود وفق تقرير لشبكة “سي إن إن” الأميركية 19 يونيو/حزيران 2023.

وسبق أن أكدت منظمة “إمباكت” الصهيونية في “تقرير” أصدرته سبتمبر/أيلول 2021 ونشرت تفاصيله صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” تغير نظرة المناهج السعودية لإسرائيل.

وأكد أن “الكتب المدرسية السعودية بدأت تغير نظرتها لغير المسلمين خاصة اليهود وتتحدث عنهم بطريقة مخالفة لما جاء في القرآن”.

وتحدث التقرير الذي جاء بعنوان “خطوة أخرى إلى الأمام: مراجعة التغييرات والمحتوى الإشكالي المتبقي في الكتب المدرسية السعودية 2021-2022″، عن “إزالة المواد المعادية للسامية بشكل صريح في مدارس المملكة”.

ولأن الهدف الصهيوني منذ اغتصاب فلسطين هو السعي لتغيير صورة المحتل في عقول الطلاب والأجيال العربية كي يسهل التطبيع مع الحكومات، فقد جرى التركيز على تشكيل هوية الصغار على “عدم كراهية إسرائيل”.

وقد كشفت دراسة أجرتها منظمة يهودية بالاشتراك مع “معهد توني بلير للتغيير العالمي” الذي يديره رئيس الوزراء البريطاني الأسبق في سبتمبر 2021، كيف نجحوا في “تغيير المناهج التعليمية في عدد من الدول العربية عبر حذف انتقادات لليهود وإسرائيل من الكتب المدرسية”

المنظمة اليهودية، وهي رابطة مكافحة التشهير “إيه دي إل” (ADL) – قالت إن الهدف هو “تربية جيل لا يعرف معاداة أو كراهية الغرب أو إسرائيل”، عبر “تغيير المناهج التعليمية لتشكيل هوية الصغار ومواقفهم من الآخرين”

أشارت خلال دراسة حملت عنوان “تعليم السلام والتسامح في العالم العربي بعد عقدين من 11 سبتمبر”، إلى عمل جماعات الضغط (المنظمات اليهودية الأميركية) على تمرير التغييرات في النصوص المدرسية بالمنطقة العربية بعدة وسائل.

منها عقد لقاءات متتالية مع معظم المسؤولين العرب الزائرين لواشنطن، ودفع أعضاء الكونغرس والمسؤولين الأميركيين لإثارة الموضوعات نفسها في لقاءاتهم مع المسؤولين العرب، والضغط عليهم.

والتأثير على المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة والبنك الدولي وهيئات المعونة كي تشارك في عملية تغيير المناهج تحت مسمى “الابتكار” و”الإصلاح”، فضلا عن استخدام الإعلام والتشهير في هذه الحملات لتحقيق أهدافهم.

كما أكدت أنها ترصد وتسجل خطب المساجد في الدول العربية كي تطالب بوقف الائمة الذين يلعبون دورا في تشويه إسرائيل واليهود، وتضع “أجندة التغيير دون أن يعرقلها هؤلاء الأئمة.

ما الحقيقة؟

رغم كل هذه المعلومات والحقائق اندلع جدال بين معارضين سعوديين ومؤيدين حول حقيقة ما جاء في التقارير التي تتحدث عن تغيير المناهج السعودية لصالح إسرائيل.

حساب “مجتهد” السعودي، الذي يُعتقد أنه قريب من الأسرة الحاكمة وينقل الآراء المعارضة لولي العهد محمد بن سلمان، رصد 10 أمثلة -بالأدلة -توضح كيف جرى تغيير المناهج السعودية بخصوص القضية الفلسطينية.

فقد حذفت خرائط بشكل تام من المناهج السعودية، كان يذكر عليها اسم “فلسطين”، وحذف “لمحة موجزة عن تاريخها” في نسخة 2023.

وأيضا تعديل مصطلح “العدو الصهيوني” إلى “الاحتلال الإسرائيلي” في عدة مواضع مختلفة من نسختي 2022 و2023، وتغيير جملة “محاولة إنشاء الكيان الصهيوني” إلى “الانتداب البريطاني على فلسطين” في نسخة 2022.

كما حُذفت عبارات تدل على دعم بريطانيا لليهود من أمثال: “عينت عددا كبيرا من اليهود في المناصب الكبرى” و”هيأت الأمور لليهود لتنظيم أنفسهم والتدرب على استعمال السلاح”

وأزيلت من المناهج السعودية صورة بعنوان “المسجد الأقصى في مدينة القدس بفلسطين”

كما جرى تغيير التعليق على صورة أخرى للمسجد الأبيض بالرملة، بإزالة “فلسطين” كمكان وجود الجامع، في نسخة 2023.

كما جرى تغيير عنوان أحد الدروس من “الموقف العربي من الكيان الصهيوني” إلى “الموقف العربي لدعم القضية الفلسطينية” في نسخة 2022.

أيضا أزيلت صورة بعنوان “إنشاء مستوطنات اليهود المحتلين في فلسطين” بشكل تام في 2023، كما أن الفصل المتعلق بالقضية الفلسطينية والذي يحتوي على هذه الصورة جرى حذفه بشكل كامل من منهج التعليم الموازي في 2022.

وجرى إزالة مكان وجود “غور الأردن” في نسخة 2023، حيث كانت النسخة السابقة تشير إلى وجوده “بين الأردن وفلسطين”

في المقابل رد موالون للسلطة منتقدين الاعتماد على دراسة إسرائيلية، كما نفوا صحة ما جاء بها رغم الأدلة التي قدمها المعارضون والصور التي استندت إليها “إمباكت” من الكتب السعودية.

وقال مغردون إن السعودية تنفذ حملة ضغط عالمي لنصرة قضية فلسطين ووقف العدوان على غزة، ويفترض أن يقابل ذلك دعم وإشادة بدل من الكذب والتزوير من بعض كارهي المملكة.

وهو ما أثار سخرية بسبب مواقف المملكة الضعيفة تجاه عمليات الإبادة الجماعية التي تنفذها إسرائيل في قطاع غزة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023.

شاهد أيضاً

اعتقال مسؤول بالأمن السياسي متهم بتعذيب السوريين في عهد الأسد

اعتقلت قوات الأمن العام التابعة لوزارة الداخلية السورية، مساء أمس الأحد، العميد مازن رستم، نائب …