ما جرى في بلاد الحرمين يتجاوز كل حدود, وما يمكن أن يتصوره عقل ومنطق، حيث حاول الإرهاب الايراني من خلال دعمه الواضح لتنظيم داعش الارهابي، الوصول لمقام رسول الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم لتفجيره، وقد جاء تفجير المدينة المنورة في الرابع من يوليو, ضمن سلسلة تفجيرات تمت في الأيام الأخيرة من شهر رمضان في المملكة السعودية، إذ وقع تفجير استهدف مسجداً في منطقة القطيف في شرق المملكة, وتفجير آخر في جدة استهدف القنصلية الأمريكية.
والسؤال: ما الجهات التي تقف خلف هذه التفجيرات؟ ومن المستفيد الأول منها، ومن الجهات المتضررة؟ و ما الرسائل التي يراد إرسالها؟.
التوقيت
ما جرى في السعودية يثير عدداً من التساؤلات حول التوقيت والدلالات والجهات التي تقف خلفه، فهل فعلا حصلت التفجيرات بقرار داعشي أم أن هناك قرارات سياسية واستخباراتية إيرانية تقف خلف محاولة تفجير الوضع الداخلي السعودي، ولماذا؟.
لطهران جملة من الأهداف تحققها مثل هذه العمليات الإرهابية, في مقدمتها إظهار أن تنظيم “داعش” وغيره من الجماعات التكفيرية خرجت عن سيطرة الدولة السعودية, إذ تسوّق إيران دائمًا أن السعودية هي التي قامت بصناعة تنظيم داعش، وأرادت طهران أن تثبت للرأي العام؛ الداخلي والخارجي؛ الإقليمي والدولي, أن الحدث داعشي التنفيذ، سعودي القرار، وأن قرار تسهيل مهمة داعش في التنفيذ اتخذته بعض الجهات النافذة في مؤسسات صنع القرار السعودي، لتحقيق جملة من الأهداف:
أ- أولها الإطاحة بولي العهد الأمير محمد بن نايف، رجل السعودية الحديدي الذي قض مضاجع الإيرانيين بسياساته الأمنية، وقد كانت إيران خلصت إلى أن التحدي الأمني الأول لها يكمن في الإطاحة بمحمد بن نايف، وهو ما تجهد ليل نهار لتحقيقه، لكن كيف؟ لقد أعطت دوائر صنع القرار الإيراني الضوء الأخضر لتنظيم داعش لتنفيذ عملياتها الإرهابية، بهدف إحراج وزارة الداخلية السعودية التي يقف الأمير محمد بن نايف على رأسها، ومحاولة إظهار أن هناك جهات في موقع المسؤولية الأمنية الأولى في السعودية، لا تقوم بواجباتها على أكمل وجه، وإلا كيف يمكن أن تحصل سلسلة اعتداءات بأوقات متقاربة إلى هذا الحد، وتصل إلى مواقع حساسة جدا، وفي مقدمتها الحرم النبوي، ومحاولة التسويق لفرضية أن هناك اختراقا أمنيا كبيرا قد جرى، والسعي كذلك للترويج لوجود ثغرات أمنية متعمدة، الأمر الذي سهل مهمة الإرهابيين؛ مما يستدعي الإطاحة بالمسئولين المتسببين بذلك من جانب الملك سلمان؛ وفي مقدمتهم ولي العهد الممسك بخيوط العملية الأمنية، وهذا يفترض تقديم استقالات وإقصاء بعض المعنيين بهذا الشأن، لهذا دقت ساعة الصفر للتنفيذ. الأمر الذي سوف يسهم – حسب الاعتقاد الإيراني – بالإطاحة به وإبعاده بشكل مباشر عن الوصول إلى عرش المملكة، وهو أقصى ما تتمناه إيران الآن، بعد الترويج لوجود صراع متفجر على السلطة في السعودية، وقد أثبتت الفرضية الإيرانية عدم صحتها.
ب- ثانيها: إرادة طهران من خلال تفجير الوضع الأمني في السعودية تأكيد الفكرة التي تتحدث عنها يومياً, أن السحر سوف ينقلب على الساحر، في إشارة إلى أن السعودية سوف تكتوي بنار الإرهاب الذي صنعته، والترويج إقليمياً ودولياً لأن السعودية ليست داعمة للإرهاب فحسب؛ بل لم تعد قادرة على ضبطه والسيطرة عليه.
ج- ثالثها: تأكيد فرضية أن السلطات السعودية باتت عاجزة من الناحية الأمنية حتى عن حماية المقدسات الإسلامية، لا سيما المسجد النبوي، وبالتالي التمهيد للمخطط الذي طالما روجت إيران له، وهو تدويل الأماكن المقدسة ” مكة والمدينة ” بحجة عدم قدرة السعودية على حمايتها.
د- رابعا: استنزاف جهود السعودية الطامحة لبناء قوة اقتصادية كبرى – وهو ما تعتبره طهران تهديداً مباشر لها – بعد وضع رؤيتها لتنفيذ خطتها الاقتصادية الطموحة “السعودية 2030 ” التي يرعاها الأمير الشاب محمد بن سلمان بخطى حثيثة، لهذا عزمت طهران على إحباطها من خلال توجيه موارد السعودية نحو الجانب الأمني.
ه – خامسا: تلميع صورة إيران كدولة تحارب الإرهاب، واستجلاب أكبر قدر ممكن من موجات التضامن معها، والتغطية عما تقوم به من جرائم في سوريا والعراق، فضلا عن لفت نظر الرأي العام الإقليمي والدولي عما يجري من أحداث في الأحواز وبلوشستان والمناطق الكردية، ما يساهم بتحسين وضعها أمام الرأي العام والمحلي للتغطية على ملفات عديدة يتم انتقاد إيران فيها من بينها ملفات انتهاكات حقوق الإنسان، وتصاعد المؤشرات والدلائل بمسؤوليتها عن اعتداءات 11 سبتمبر.
و- سادسها: محاولة إيران المستميتة الهجوم على المناهج التعليمية السعودية ، واتهامها بنشر الفكر الطائفي والدموي والمذهبي؛ وأن ما جرى في الغرب من إرهاب، وما يجري الآن في سوريا واليمن والعراق من فتن ما هو إلا امتداد للمشروع الوهابي التكفيري الذي ترعاه السعودية، ونسيت إيران أن مناهجها التعليمية هي أخطر من غيرها، وأنها أسهمت في بناء أجيال مستعدة لتكون قنابل موقوته في أية لحظة.
الرسائل التي تريد إيران توجيهها
إيران هي المستفيد الأكبر من زعزعة الأمن في بلاد الحرمين، حيث تسعى لتوظيف ما جرى لتوجيه رسائل مباشرة تجاه عدد من الأطراف منهم:
الطرف السعودي: من خلال إيهامه بأنهم قادرون على قلب الطاولة رأساً على عقب من خلال تفجير الوضع الأمني في السعودية، وأن الرد على إعدام الشيخ الشيعي نمر النمر لن يتأخر كثيراً، وأنهم يستطيعون للوصول إلى أي مكان في السعودية وغيرها.
الطرف الخليجي لا سيما البحريني: من خلال إيهامه بأنهم قادرون على الوصول إليهم في أي وقت وحين، قياساً على النموذج السعودي، وأن على البحرين التراجع عن قرار سحب الجنسية من رجل الدين الشيعي عيسى قاسم.
الأقليات الشيعية: بتوجيه رسائل للشيعة بأنهم موضع استهداف دائم من التنظيمات التكفيرية، من خلال تفجيرات القطيف، ورفع درجة التعبئة والتضامن بين شيعة المنطقة. هذا بالإضافة إلى محاولة إرسال رسالة إلى شيعة الشتات بأن إيران هي الحامي لكم، القادر على الثأر والدفاع عنكم في أي زمان ومكان.
الطرف الأمريكي: من خلال محاولة إيصال رسالة إلى الإدارة الأمريكية تقول لهم إن مصالحهم في السعودية باتت مهددة فيما لو تخلت عن التعاون الاستخباري والأمني والسياسي مع إيران، باعتبارها هي الدولة المؤتمنة الوحيدة لتكون شريكة مع الإدارة في مكافحة الإرهاب, وهذا ما دفع لاستهداف القنصلية الأمريكية في جدة.
……………………….
رئيس وحدة الدراسات الإيرانية- مركز أميه للبحوث والدراسات الإستراتيجية