تواصلت التوقعات السيئة بشأن أداء الجنيه المصري وبلغت ذروتها في تقديرات بنك كريدي سويس، أحد البنوك العالمية، مع استمرار أزمة النقد الأجنبي واتساع فجوة التمويل في مصر التي تعاني من صعوبات اقتصادية قاسية.
وتوقع البنك في تقرير حديث، أن يشهد سعر صرف الجنيه مقابل الدولار خفضا جديدا خلال الأشهر الثلاثة القادمة بسبب بطء تنفيذ عملية الإصلاحات الاقتصادية، وأن يهوي ما بين 45 جنيها و50 جنيها مقابل 30.9 جنيه في البنك المركزي المصري، و40 جنيها في السوق الموازي.
وأشار البنك في تقريره إلى توقعاته بأن يتعافى الجنيه خلال الـ 12 شهرًا المقبلة بعد التراجع، ليعود للصعود أمام الدولار إلى مستوى الـ33 و34 جنيهاً للدولار، في حال نجحت الحكومة في إحراز تقدم في برنامج الإصلاح الاقتصادي.
وذكر البنك في الورقة البحثية، أن وجهة نظره تتوافق مع وجهة نظر السوق التي سجلت انخفاضًا ضمنيًا في قيمة العملة بنسبة 30٪ إلى 45 جنيهاً للدولار.
وأدت عودة مصر إلى سعر صرف مرن بعد تعليقه على مدى عامي 2020 و2021 إلى انخفاض كبير في الجنيه منذ مارس من العام الماضي، ما أدى إلى ارتفاع سعر الدولار أمام الجنيه بنحو 96٪ من مستوى الـ15.76 جنيه في 20 مارس 2022 إلى الـ30.94 جنيه في التعاملات البنكية، بحسب بيانات البنك المركزي.
وكشف قرار الحكومة المصرية، أكبر مستورد للقمح بالعالم، تأجيل سداد ثمن وارداتها من القمح منذ ديسمبر الماضي، بفعل أزمة شح الدولار، الذي عمق أزمة التمويل التي تواجهها البلاد منذ هروب الأموال الساخنة عقب اندلاع الحرب الروسية-الأوكرانية.
فجوة تمويلية ضخمة
يقدر بنك “ستاندرد تشارترد” البريطاني، التزامات القاهرة بقيمة 100 مليار دولار على مدى السنوات الأربع المقبلة، بمعدل 25 مليار دولار كل سنة.
وعلى غير السابق، يرى البنك أن خيار الاقتراض الخارجي مجددا، وخيار بيع الأصول، صعب حدوثهما في ظل الظروف الحالية.
ودعا البنك المتعدد الجنسيات، إلى الإسراع في بيع الأصول العامة المملوكة للدولة، لتوفير التمويل الخارجي، وإبطاء استنزاف احتياطيات العملات الأجنبية، وإقناع صندوق النقد بالتزام مصر بالإصلاحات.
واتفق الخبير الاقتصادي، الدكتور إبراهيم نوار، مع مطالب البنوك الدولية بضرورة إسراع الحكومة المصرية في عملية الإصلاح الاقتصادي وإلا زادت المخاطر . وقال: “إن انخفاض الجنيه في السوق الموازية وعدم الاعتداد بالسعر الرسمي للبنوك المحلية يؤشر إلى وجود عجز هيكلي في الاقتصاد لا يصلحه الاقتراض والديون الجديدة”.
وحذر في تصريحات لـ”عربي21″ من أن “انخفاض الجنيه مجددا بنسبة 25% مقارنة بالسعر الحالي بالسوق السوداء يعني المزيد من التضخم، والذي وصل إلى مستويات قياسية”، مشيرا إلى “معاناة الناس من دائرة النار بسبب ارتفاع التضخم الذي يأكل قيمة الجنيه، فينخفض ثم يؤدي الانخفاض الجديد إلى زيادة جديدة في التضخم، وهكذا دواليك”.
وحمًل نوار “الحكومة المصرية مسؤولية تدهور قيمة الجنيه، وزيادة معاناة المنتجين والمستهلكين باللجوء إلى رفع الأسعار وزيادة الضرائب، وإهدار طاقات مصر الإنتاجية، وتراجع نصيب الصناعات التحويلية غير النفطية إلى 7% من الناتج المحلي الإجمالي بعد أن كان حوالي 23% قبل عقود”.
وخفضت وكالة “فيتش” للتصنيف الائتماني، الشهر الجاري، تصنيف مصر، للمرة الأولى منذ 2013، درجة واحدة من “بي +” إلى “بي”، وتعديل نظرتها المستقبلية من “مستقرة” إلى “سلبية”.
وهو الخفض الثاني بعد قيام وكالة موديز، للمرة الأولى منذ 10 سنوات، خفضت التصنيف الائتماني السيادي لمصر درجة واحدة إلى “بي 3” من “بي بي 2” مع إمكانية خفضه مجددا، فبراير الماضي.
ويؤشر الخفض الجديد إلى أن وكالة “فيتش” قد تخفض التصنيف أكثر في الأشهر المقبلة بسبب المشاكل الاقتصادية في البلاد.
بدورها خفضت مؤسسة “ستاندرد أند بورز” نظرتها المستقبلية لكل من البنك الأهلي المصري، وبنك مصر والبنك التجاري الدولي من مستقرة إلى سلبية، بسبب حالة التدهور التي يشهدها القطاع المصرفي، والاقتصاد المصري بشكل عام.
واعتبر أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر سابقا، أحمد ذكر الله، أن “توالي المؤشرات والتقديرات والتقارير السلبية لأداء مصر الاقتصادي والمالي يؤكد أن استمرار نفس العوامل التي أثرت على قيمة الجنيه طوال الفترة الماضية وأدت إلى انخفاضه ما زالت مستمرة ولم يتم حلها، وبالتالي فإن الجنيه يواصل الهبوط دون قاع واضح”.
وأضاف لـ”عربي21″: “ما تحتاجه الدولة من نقد أجنبي أقل بكثير مما تملكه ما يؤدي إلى اتساع الفجوة التمويلية، وجزء منها هو أقساط وفوائد والجزء الآخر هو احتياجات الدولة للواردات كونها مستوردا صافيا للسلع التي تحتاجها البلاد سواء للاستهلاك أو الإنتاج، كما أن انخفاض الجنيه يضر باقتصاد الدولة ويزيد من حجم الدين العام للناتج المحلي، وزيادة العجز الكلي”.
وأوضح ذكرالله أن “مجموعة الفجوة الدولارية تقدر بما يقارب الـ40 إلى الـ50 مليار دولار في العام الواحد، واعتادت مصر تغطيته من خلال المنح والهبات والودائع والاقتراض وأدوات الدين المختلفة لكن بعد إغلاق هذه الأبواب.. نحن أمام أوضاع جديدة بعد تجفيف تلك المصادر، وعلى مصر البحث عن وسائل أخرى ولكنها قليلة وقاسية ومكلفة”.
وتوقع الخبير الاقتصادي “استمرار انخفاض قيمة الجنيه، وأوضح أنه “أمر لا مفر منه في ظل عدم وجود حلول للأزمة الاقتصادية والقيام بإصلاحات هيكلية حقيقية وحتى تتم هذه الأمور فإننا سنشهد المزيد من الانخفاضات التي تتوافق مع تقديرات البنوك الاستثمارية العالمية وربما تتجاوزها إذا عجزت أو تخلفت مصر عن سداد جزء يسير من ديونها الخارجية”.