الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله, اللهم لولا الله ما اهتدينا ولا صمنا ولا صلينا, فثبت القلوب علي ما وعينا ودم علينا خيرا.. في رمضان عشنا وتربينا.
يوم الجائزة
روى الطبراني عَنْ سَعِيدِ بن أَوْسٍ الأَنْصَارِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«إِذَا كَانَ يَوْمُ الْفِطْرِ وَقَفَتِ الْمَلائِكَةُ عَلَى أَبْوَابِ الطُّرُقِ، فَنَادَوْا: اغْدُوا يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى رَبٍّ كَرِيمٍ يَمُنُّ بِالْخَيْرِ، ثُمَّ يُثِيبُ عَلَيْهِ الْجَزِيلَ، لَقَدْ أُمِرْتُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ فَقُمْتُمْ، وَأُمِرْتُمْ بِصِيَامِ النَّهَارِ فَصُمْتُمْ، وَأَطَعْتُمْ رَبَّكُمْ، فَاقْبِضُوا جَوَائِزَكُمْ، فَإِذَا صَلَّوْا، نَادَى مُنَادٍ: أَلا إِنَّ رَبَّكُمْ قَدْ غَفَرَ لَكُمْ، فَارْجِعُوا رَاشِدِينَ إِلَى رِحَالِكُمْ، فَهُوَ يَوْمُ الْجَائِزَةِ، وَيُسَمَّى ذَلِكَ الْيَوْمُ فِي السَّمَاءِ يَوْمَ الْجَائِزَةِ» رواه الطبراني في الكبير وضعفه الألباني.
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « وَيُغْفَرُ لَهُمْ فِى آخِرِ لَيْلَةٍ» قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَهِىَ لَيْلَةُ الْقَدْرِ قَالَ « لاَ وَلَكِنَّ الْعَامِلَ إِنَّمَا يُوَفَّى أَجْرَهُ إِذَا قَضَى عَمَلَهُ» رواه أحمد والبزار والبيهقي ورواه أبو الشيخ ابن حبان في كتاب الثواب إلا أن عنده: وتستغفر لهم الملائكة بدل الحيتان وضعفه الألباني.
روي أن عليًا بن أبي طالب رضي الله عنه كان ينادي في آخر ليلة من رمضان: يا ليت شعري من هذا المقبول فنهنيه ومن هذا المحروم فنعزيه؟ ماذا فات من فاته الخير في رمضان وأي شيء أدرك من أدركه فيه الحرمان؟!
يا من صمتم وقمتم, وخشعتم ودعوتم, هنيئا لكم, هنيئا لمن صام رمضان إيمانا واحتسابا فغُفر له ما تقدم من ذنبه, هنيئا لمن قام رمضان إيمانا واحتسابا فغُفر له ما تقدم من ذنبه, هنيئا لمن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا فغُفر له ما تقدم من ذنبه.
هنيئاً لمن صابر وصبر وصلى لله وشكر، هنيئاً لمن تلا كتاب الله آناء الليل وأطراف النهار، وناجاه واستغفره بالأسحار، هنيئاً لمن رجاه ودعاه مستحضراً قوله سبحانه وتعالى {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} (البقرة:186)، هنيئاً لمن فطَّر فيه صائماً وأطعم جائعاً وأعطى سائلاً، هنيئاً لمن أحسن إلى يتيم وأدخل الفرحة إلى قلب أسير وأحيى كبد مسكين، هنيئاً لمن أتم فريضته وختم عبادته، هنيئاً لمن تقبله الله في رمضان.
هنيئا لكم الفرح بطاعة الله
والمؤمن يفرح بإتمام طاعته لله, والفرحة والعيد الأكبر يوم أن نلقي الله {قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} (يونس :58) وروى البخاري ومسلم واللفظ له عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضى الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلاَّ الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِى وَأَنَا أَجْزِى بِهِ يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِى. لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ. وَلَخُلُوفُ فِيهِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ» مسلم
عبدالوهاب عمارة
يقول الإمام علي: اليوم عيد لمن قُبل صومه وشُكر سعيه وغُفر ذنبه, اليوم لنا عيد وغدا لنا عيد وكل يوم لا نعصي الله فيه فهو لنا عيد.
لذلك ارتبطت أعياد المسلمين بأركان الإسلام؛ فعيد الفطر يأتي بعد ركن الصوم, وعيد الأضحى يأتي مع ركن الحج, ليعلم المؤمن أن الفرح بطاعته لمولاه.
عمر بن عبدالعزيز يرى ابنه يوم العيد يلبس ملابس رثة, فطأطأ رأسه وبكي فقال له ما يبكيك يا أبتاه, فقال: خشيت أن ينكسر قلبك بين الأولاد في يوم العيد فقال يا أبتاه إنما ينكسر قلب من عرف ربه فعصاه.
فليس العيد لمن لبس الجديد وأكل اللحم والثريد ولكن العيد لمن طاعته لربه تزيد.
خير الأعمال أدومها وإن قل
الصيام مدرسة ربانية أخذْتَ فيها دورة تدريبة علي الطاعة والانقياد إليه, ففي رمضان تركت الحلال من الطعام والشراب والشهوة أفلم تتهيأ نفسك لترك الحرام في رمضان وفي غير رمضان؟
اجعل كل شهورك رمضان وكل أيامك أعيادا بطاعة ربك فكن ربانيا ولا تكن رمضانيا.
رمضان كشفك أمام نفسك فها أنت قد صمت وقمت وانتصرت على نفسك فلا تقل لا أستطيع فلقد استطعت في رمضان فما الذي يمنعك عن الامتثال بعد رمضان؟
فليس معني انقضاء رمضان انقضاء الطاعة وانتهاء الصوم والصلاة وأعمال البر وليس معناه فك القيود وتقطيع السلاسل.
وإن كان رمضان قد مضى طيف خيال فالله حي لا يدركه زوال, فلم ننقطع عن العبادة ونهجر المساجد ونهجر القرآن بعد رمضان؟!
احذروا أن يزين لكم الشيطان هذا فإن الله يرضي عمن أطاعه في أي شهر كان ويغضب على من عصاه في كل أوان.
فهل بعدما ذقتم حلاوة الطاعة تعودون إلي مرارة العصيان؟
ولا تنس عداوة الشيطان الذي كان مكبلا لمدة شهر عاجزا عن غوايتك, يستشيط غضبا بطاعتك, يتوعدك بعد رمضان بالغواية والوقوع في الضلال والمعصية، الشيطان الذي توعد ذرية آدم بالكيد والغواية {قَالَ رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ}( الحجر :39-40)
يقول كعب رضي الله عنه: مَن صام رمضان وهو يحدِّث نفسه أنه إذا خرج رمضان عصى ربه؛ فصيامه عليه مردود، وباب التوفيق في وجهه مسدود
ولمَّا سُئِل بشر الحافي رحمه الله عن أناس يتعبدون في رمضان ويجتهدون، فإذا انسلخ رمضانُ تركوا، قال: بئس القوم لا يعرفون الله إلا في رمضان.
عن الحارث بن مالك الأنصاري، أنه مر برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال له: « كيف أصبحت يا حارث ؟» قال: أصبحت مؤمنا حقا، قال: « انظر ما تقول، فإن لكل شيء حقيقة، فما حقيقة إيمانك» فقال، قد عزفت نفسي عن الدنيا (1)، فأسهرت لذلك ليلي، وأظمأت نهاري، وكأني أنظر إلى عرش ربي بارزا، وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون فيها، وكأني أنظر إلى أهل النار يتضاغون فيها، فقال:« يا حارث عرفت فالزم » ثلاثا (2)
فيا من تذوقت حلاوة الإيمان وعرفت فضل الأعمال في رمضان داوم عليها ولازمها ولا تتركها بعد رمضان, روى الإمامان البخاري ومسلم رضي الله عنهما عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « أَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ» قَالَ وَكَانَتْ عَائِشَةُ إِذَا عَمِلَتِ الْعَمَلَ لَزِمَتْهُ. ولفظ البخاري « سَدِّدُوا وَقَارِبُوا، وَاعْلَمُوا أَنْ لَنْ يُدْخِلَ أَحَدَكُمْ عَمَلُهُ الْجَنَّةَ، وَأَنَّ أَحَبَّ الأَعْمَالِ أَدْوَمُهَا إِلَى اللَّهِ، وَإِنْ قَلَّ»
فيا من كنت لا تحافظ علي الصلاة ووفقك الله للصلاة والمحافظة عليها إياك أن تضيعها. عَنْ أَبِى سُفْيَانَ قَالَ سَمِعْتُ جَابِراً يَقُولُ سَمِعْتُ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ « إِنَّ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكَ الصَّلاَةِ » مسلم
روي مسلم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ (أي ابن مسعود ) قَالَ: } مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى اللَّهَ غَدًا مُسْلِمًا فَلْيُحَافِظْ عَلَى هَؤُلَاءِ الصَّلَوَاتِ حَيْثُ يُنَادَى بِهِنَّ فَإِنَّ اللَّهَ شَرَعَ لِنَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُنَنَ الْهُدَى وَإِنَّهُنَّ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى وَلَوْ أَنَّكُمْ صَلَّيْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ كَمَا يُصَلِّي هَذَا الْمُتَخَلِّفُ فِي بَيْتِهِ لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ لَضَلَلْتُمْ وَمَا مِنْ رَجُلٍ يَتَطَهَّرُ فَيُحْسِنُ الطُّهُورَ ثُمَّ يَعْمِدُ إِلَى مَسْجِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ إِلَّا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ خَطْوَةٍ يَخْطُوهَا حَسَنَةً وَيَرْفَعُهُ بِهَا دَرَجَةً وَيَحُطُّ عَنْهُ بِهَا سَيِّئَةً وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إِلَّا مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يُؤْتَى بِهِ يُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُقَامَ فِي الصَّفِّ}.
يا من عرفت طريق القيام في رمضان وتذوقت حلاوة المناجاة لا تحرم نفسك ولو ركعتين قبل أن تنام؛ عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال جاء جبريل إلى
النبي صلى الله عليه وسلم فقال:{ يا محمد عش ما شئت فإنك ميت واعمل ما شئت فإنك مجزي به وأحبب من شئت فإنك مفارقه واعلم أن شرف المؤمن قيام الليل وعزه استغناؤه عن الناس} رواه الطبراني في الأوسط والحاكم وقال صحيح الإسناد ووافقه الذهبي وحسنه الألباني.
يا من فتحت المصحف وعشت في رحابه في رمضان لا تفرط بعد رمضان أترضي أن يشكوك رسول الله إلي ربه يوم القيامة {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} (الفرقان :30)
ويقول ربنا تبارك وتعالي{ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ} (الحـج :32)
ويقول أيضا لنعلم أننا في رحلة أولها المولد وآخرها الموت وكلها في عبادة {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} (الحجر :99) قال ابن عباس رضي الله عنهما: يريد الموت وسمي الموت باليقين لأنه أمر متيقن والمراد منه: { واعبد رَبَّكَ } في زمان حياتك ولا تخل لحظة من لحظات الحياة عن هذه العبادة، والله أعلم. تفسير الرازي
{وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} (النحل :92) هذه امرأة كانت بمكة، كلما غزلت شيئا نقضته بعد إبرامه. وقال مجاهد، وقتادة، وابن زيد: هذا مثل لمن نقض عهده بعد توكيده. تفسير ابن كثير
فالذي كان يتلو القرآن ثم هجره بعد رمضان قد نقض غزله وخان عهده مع الله, ومن وصل رحمه في رمضان ثم قطعها بعد رمضان فقد نقض غزله وخان عهده مع الله, وهذه الوجوه التي سجدت لله في رمضان لا تتجه لغير الله بعد رمضان, وهذه البطون التي صامت عن الحلال في رمضان يجب أن تصوم عن أكل الحرام بعد رمضان, وهذه العيون التي بكت من خشية الله في رمضان يجب أن تمتنع عن النظر إلي الحرام بعد رمضان, هذه الأقدام التي سعت إلي المساجد يجب ألا تسعى في الفساد والإفساد في الأرض بعد رمضان, هذه الأيدي التي كانت ممرا لعطاء الله تنفق وتعطي في رمضان يجب أن لا تبطش وتسرق وتختلس وترتشي بعد رمضان.
صلة الرحم
إن الله جعل العيد للصائمين الطائعين فكيف تحتفل بالعيد وأنت قاطع رحمك وأنت تهجر أمك وأباك, أو أختك وأخاك, وجارك وقريبك؟ العيد للمحبة والمودة والتزاور والتسامح والتصافح.
روى البخاري ومسلم عن أَنَسٍ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ « مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِى رِزْقِهِ، وَيُنْسَأَ لَهُ فِى أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ »
وأخاف علي نفسي وإياكم أن يصدق فينا ما روى البخاري ومسلم عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ « إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْخَلْقَ حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْ خَلْقِهِ، قَالَتِ الرَّحِمُ هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنَ الْقَطِيعَةِ. قَالَ نَعَمْ أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ. قَالَتْ بَلَى يَا رَبِّ. قَالَ فَهْوَ لَكِ » قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} (محمد 32-24)»
عن أَبَي هُرَيْرَةَ قال سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ « إِنَّ الرَّحِمَ شُجْنَةٌ (3) مِنَ الرَّحْمَنِ تَقُولُ يَا رَبِّ إِنِّى قُطِعْتُ, يَا رَبِّ إِنِّى أُسِىءَ إِلَىَّ, يَا رَبِّ إِنِّى ظُلِمْتُ, يَا رَبِّ يَا رَبِّ . قَالَ فَيُجِيبُهَا أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ » رواه البخاري في الأدب المفرد وأحمد وصححه الألباني.
روى البخاري عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ « لَيْسَ الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ، وَلَكِنِ الْوَاصِلُ الَّذِى إِذَا قَطَعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا »
روى مسلم عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلاً قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِى قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِى وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَىَّ وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَىَّ. فَقَالَ « لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمُ (4) الْمَلَّ وَلاَ يَزَالُ مَعَكَ مِنَ اللَّهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ».
في يوم العيد اختلطت المشاعر وتداخلت الأحاسيس..
مشاعر شفقة, على أعمالٍ قمنا بها ولا ندري أقبلت أم رُدت والعياذ بالله؟
مشاعر أمل, أن يتقبل الله منا وأن يفيض علينا برحماته.
مشاعر فرحة, بعيدٍ جاء نود أن نفرح فيه برحمة الله, فقد روى البخاري ومسلم عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ دَخَلَ عَلَىَّ أَبُو بَكْرٍ [يَوْمَ فِطْرٍ أَوْ أَضْحًى] وَعِنْدِى جَارِيَتَانِ مِنْ جَوَارِى الأَنْصَارِ تُغَنِّيَانِ بِمَا تَقَاوَلَتْ بِهِ الأَنْصَارُ يَوْمَ بُعَاثٍ قَالَتْ وَلَيْسَتَا بِمُغَنِّيَتَيْنِ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ أَبِمُزْمُورِ الشَّيْطَانِ فِى بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم [مِزْمَارُ الشَّيْطَانِ مَرَّتَيْنِ] وَذَلِكَ فِى يَوْمِ عِيدٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « يَا أَبَا بَكْرٍ إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيداً وَهَذَا عِيدُنَا » وفي رواية: [دَعْهُمَا يَا أَبَا بَكْرٍ]
مشاعر رجاء, أن يفرج الله كرب المكروبين من المسلمين في كل مكان وأن يعجّل بالفرج علي إخوان لنا تراق منهم الدماء وتهتك منهم الأعراض وتدنس فيهم المقدسات.
مشاعر ثقة, بأن هذه الأقدام التي قامت لله ضارعة, والجباه التي سجدت لله خاشعة, لن يخذلها أبدا ولن يردها خائبة, وسيؤتيها نصرا في الدنيا, وجنة ونعيما في الآخرة.
اللهم تقبل منا واجعلنا من المقبولين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) قال صاحب النهاية وفي حديث حارثة [ عَزَفَتْ نفْسِي عن الدُّنْيا ] أي عَافَتْها وكرهَتْها, ويُرْوَى [ عَزَفْتُ نفْسِي عن الدُّنيا ] بضم التاء: أي مَنَعتها وصَرَفتها. النهاية في غريب الحديث والأثر, أبو السعادات المبارك بن محمد الجزري, المكتبة العلمية – بيروت ، 1399هـ – 1979م تحقيق : طاهر أحمد الزاوى – محمود محمد الطناحي
(2) وقال صاحب كنز العمال هو حارث بن مالك، وقيل: حارثة بن النعمان الأنصاري رضي الله عنه: كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال, علاء الدين علي بن حسام الدين المتقي الهندي البرهان فوري (المتوفى : 975هـ) المحقق : بكري حياني – صفوة السقا, وقال البيهقي هذه القصة في الحارث بن مالك ويقال: حارثة وقصة الأم في الحارثة بن النعمان شعب الإيمان.
(3) “شجنة” : بالضم والفتح لغتان معروفتان، وأصله عروق الشجرة المشبكة، والمعنى: الرحم أثر من آثار رحمته مشتبكة بها، والقاطع لها قاطع من رحمة الله تعالى
(4) (تُسِفُّهُمُ) بضم التاء وتشديد الفاء: قال الملا علي القاري: ” (المل): الرماد الحار الذي يحمي ليدفن فيه الخبز لينضج.