قاسم: “التنسيق الأمني” يقف عقبةً أمام احتمالات التوافق
خلف : لأول مرة في تاريخ حركات التحرر أن تتخلى حركة مثل فتح عن منطلقاتها وأهدافها
الصواف : بإمكان الحركتين الإلتقاء والتوافق للوقوف أمام مخططات الإحتلال
مرة أخرى يفشل الإجتماع الذي عقد بين حركتي فتح وحماس في القاهرة للوصول إلى صيغة تفاهمية لإنهاء الإنقسام الفلسطيني المتواصل منذ أكثر من 10 أعوام , وبينما عزا البعض فشل تلك الإجتماعات والجهود المبذولة من أطراف عربية وإقليمية عدة إلى عدم الإتفاق على بعض النقاط , كملف الموظفين العاملين في قطاع غزة أو قضية المعابر ومن يتولى إداراتها أو الإنتخابات , إلا أن السبب الجوهري الذي يمثل العقبة أمام الإتفاق والتنفيذ هو اختلاف الحركتين المتصارعتين في رؤيتهما لعملية التحرر من الإحتلال الصهيوني .
وربما لم يكن هذا الخلاف موجودا في بدايات العمل المسلح خلال ستينيات القرن الماضي، نظرا لإيمان حركة فتح حينها بالمقاومة المسلحة كوسيلة أجدى لتحرير فلسطين , وما يعزز ذلك العمليات البطولية المتعددة التي نفذتها الحركة بحق الصهاينة سواء داخل الكيان الصهوني , أو حتى خارج فلسطين في بعض التجمعات الصهيونية كعملية ميونخ في ألمانيا , وكان الشعار السائد بين أبناء الحركة ( الأرض للسواعد التي تحررها ) و( اللقاء فوق أرض المعركة ) .
ما بعد أوسلو
لكن ذلك الحال لم يستمر كثيرا , وبدأ في التلاشي تدريجيا بعد دخول حركة فتح في تفاهمات أمنية مع دول أوروبا ودول أخرى ولاسيما بعد عملية ميونخ عام 1972 التي استهدفت فريقا رياضيا من دولة الإحتلال كان يشارك في الأولمبياد .
لتصل حركة فتح التي كانت تؤمن بالمقاومة المسلحة لتحرير الأرض بعد مفاوضات وإجتماعات مكثفة خلال تلك السنوات إلى التوقيع على إتفاقية أوسلو عام 1993 برعاية أمريكية , والتي وضعت رؤية جديدة لحركة فتح في مقاومتها للمحتل وهي الرؤية التي سببت خلافات حادة مع فصائل فلسطينية أبرزها حركتي حماس والجهاد الإسلامي , حيث تخلت الحركة عن العمل المسلح , واعترفت بوجود دولة “إسرائيل” على الأرضي التي احتلتها قبل العام 1967 , وانتهجت سياسة التفاوض مع المحتل الصهيوني لانتزاع الحقوق , وزاد على ذلك محاربة كل من يستخدم السلاح في مواجهة المحتل , والتضييق على القياديات الفلسطينية , ومنذ ذلك الحين خرجت مصطلحات جديدة على الساحة مثل المقاومة الشعبية , والنضال السلمي والذهاب للمحافل الدولية .
أما حركة حماس التي انطلقت بديسمبر 1987 ، فهي كما تعلن عن نفسها حركة تحرر إسلامية هدفها هو تحرير فلسطين من النهر إلى البحر، ولا تعترف بوجود “إسرائيل” , وقد دخلت لمؤسسات السلطة بعد انتخابات 2006 ، ومن يومها تعيش الحصار وهي تتخذ المقاومة المسلحة شعاراً تمارسه على الدوام.
قطار السلام
ويؤكد المحلل السياسي د. عبد الستار قاسم أن فتح انطلقت بمشروع وطني برنامجه الكفاح المسلح لتحرير فلسطين , لكنها وصلت عبر قطار “السلام” إلى مجرد البحث عن حلول مع “إسرائيل” تحافظ من خلالها على قوتها في السلطة , بينما حماس التي أشبهت فتح جزئياً في شارة البدء “الكفاح المسلح” تحمل فكراً إسلامياً يعدّ فلسطين أرضاً مقدسة، وأن من يتأخر عن تحريرها آثم، وهي تمارس المقاومة المسلحة وتواجه الاحتلال حتى الآن.
خلافات داخل فتح
ولم يكن الخط الجديد الذي صارت عليه حركة فتح بعد اتفاقية أوسلو سببا في التفرق والخلافات مع الفصائل الفلسطينية فحسب، وإنما كان له آثار حتى داخل البيت الفتحاوي الذي خرج منه تشكيلات جديدة وانشقاقات متعددة بدأت بانشقاق أبو نضال وأعضاء من المجلس الثوري , وتلى ذلك بعد أقل من عقد إنشقاق أبو موسى وأبو خالد العملة ليترجم نفس المفاهيم والإعتراض للإنشقاق الأول , وتوالت الإنشقاقات والتفسخات داخل البيت الفتحاوي .
تخلي عن الأهداف
ويبين القيادي الفتحاوي سميح خلف أن فتح لم تتمسك بأهدافها ومنطلقاتها التي انطلقت من أجلها ، ولأول مرة في تاريخ حركات التحرر الوطني أن تتخلى حركة عن منطلقاتها وأهدافها وأدبياتها ومن النقيض إلى النقيض .
ويوضح خلف بقوله “لقد نادت حركة فتح بالكفاح المسلح وإقامة الدولة الديمقراطية على أرض فلسطين ثم إقامة أي كيان فلسطيني على الأرض المحررة كنقطة مرحلية لتطبيق باقي البرنامج , ولكن أصبح النظام في واد والأهداف والمنطلقات والممارسات التي تأخذ لها ستار العمل الحركي هي السائدة على خارطة وواجهة العمل الحركي في عملية استنفاذ لدواعي عاطفية وتاريخية للأجيال الفلسطينية ليستبدل ثوب هذه الحركة من ثوب المناضل المقاوم إلى ثوب اتكالي مبني على أطروحات أمريكية وغربية .
إمكانية التوافق
ويبدو المحلل عبد الستار قاسم متشائما من نتائج التقاء “فتح وحماس”؛ لأن برنامجهما متناقضان، ولأن “التنسيق الأمني” يقف عقبةً أمام احتمالات التوافق، وهو يجرّ بالتبعية قضايا تختلف فيها حماس وفتح منها التطبيع والاعتقال السياسي وواقع عملية التسوية.
لكن الكاتب والمحلل السياسي مصطفى الصواف لا يشترط على برنامجي “حماس وفتح” أن ينصهرا حتى تتوافق الحركتان؛ فلكلتا الحركتين برنامج رؤية وكذلك بقية الفصائل الوطنية، لكن المطلوب عامل مشترك يجمع الكل الفلسطيني ضد الاحتلال.
اختلاف البرامج والرؤى السياسة ليس معضلة كبيرة حسب رؤية المراقبين للمشهد السياسي الفلسطيني، ويرون أن الأهم هو توظيف رؤية وبرامج حماس وفتح لخدمة القضية ومواجهة المخطط الصهيوني، لكن فتح وصلت عبر التسوية لطريق مسدود، وحماس لا تزال محاصرة.
ويحتاج الخلاف العميق بين الحركتين إلى “ترياق” صعب المنال حتى الآن، فأمام “حصان” التوافق هناك الكثير من العربات التي يعجز عن زحزحتها قيد أنملة وحتى سنوات مضت ظل الحديث عن “المصالحة” مصطلحاً حفّز إحباط الشارع الفلسطيني ومرآة عكست سلباً صورة الفلسطينيين خارج حدود وطنهم.