في خطوة لافتة، انتقل التضامن مع غزة من الشوارع والمدارس والجامعات إلى شرائح أخرى في المجتمعات الأميركية والأوروبية، في مقدمتهم نجوم السينما والغناء، إذ بدأ يظهر عديد منهم في المظاهرات مطالبين بوقف العدوان الإسرائيلي.
ومن لم يُسخروا حساباتهم على مواقع التواصل، من المشاهير، لدعم فلسطين أو أظهروا دعما لإسرائيل، أصبحوا هدفا لحملة مقاطعة كبيرة أفقدتهم ملايين المتابعين والمعجبين، وحولت حياتهم إلى جحيم، بحسب تقرير لموقع “الاستقلال”.
هؤلاء المشاهير عانوا أيضا في مسابقة الأغنية الأوروبية “يوروفيجن” التي جرت في مدينة “مالمو” بالسويد من 7 إلى 11 مايو/ أيار 2024، وتحولت إلى مظاهرة في حب فلسطين والهتاف ضد “الإبادة الجماعية”
لم يقتصر الأمر على اندلاع مظاهرات ضخمة خلال أيام المسابقة ضد الاحتلال الإسرائيلي، بل والهتاف ضد الإسرائيليين المشاركين، ما جعلهم منبوذين، وبمجرد صعود مغني أو مغنية إسرائيلية كان الجمهور يهتف “فلسطين حرة”
“يوروفيجن فلسطيني”
اعتاد جمهور مسابقة الأغاني الأوروبية (يوروفيجن) Eurovision Song Contest وغالبيتهم من الشباب، قضاء وقت صاخب في احتفالات المسابقة وهم يستمعون إلى مطربين جامحين، لكن هذا العام تحولت المسابقة إلى “يوروفيجن فلسطيني”.
مع أنها مسابقة للأغاني، فقد اكتسبت طابعا سياسيا، بالمظاهرات والهتافات ضد الإسرائيليين ومع فلسطين، وزادها سخونة وأكسبها الطابع الفلسطيني، انتشار الأعلام الفلسطينية، والتظاهر لاستبعاد مطربي الاحتلال بسبب جرائمه في غزة.
وقاوم منظمو المسابقة، الذين يصفون هذا الحدث السنوي بأنه “غير سياسي”، دعوات لاستبعاد إسرائيل، رغم أنهم حظروا مشاركة روسيا منذ عام 2022 لسبب سياسي هو غزوها أوكرانيا.
لكن بسبب ضغط الجماهير، طالب منظمو المسابقة، المغنية الإسرائيلية بتغيير كلمات أغنيتها التي شاركت بها، وحذف ما وصفوه بأنه إشارات إلى هجوم حماس في السابع من أكتوبر، بحسب وكالة “رويترز” في 11 مايو.
حيث أمر منظمو مسابقة يوروفيجن، الإسرائيلية “إيدن غولان” بتغيير العنوان الأصلي لأغنيتها “مطر أكتوبر”، لأنه يشير بوضوح إلى هجوم حماس في 7 أكتوبر، ويخالف قواعد المسابقة التي تحظر المحتوى “السياسي.
جرى تغيير اسم الأغنية العبرية إلى “إعصار”، وفق وكالة “أسوشيتد برس” في 12 مايو.
وانطلقت صيحات الاستهجان من الجمهور قبل وأثناء غناء الإسرائيلية وغطى الصخب وصيحات الاستهجان على المصفقين لها أثناء البث الذي تابعه عشرات الملايين في أوروبا والعالم، وحين أعلن الحكام نقاط المغنية الإسرائيلية.
وانعكس هذا الرفض لمطربي الاحتلال على تراجع المغنية الإسرائيلية “إيدن غولان” إلى المركز الخامس بعدما كانت تطمح لمركز متقدم، وسط دعوات المحتجين لاستبعادها، وفاز مغني الراب السويسري “نيمو” بالمركز الأول.
وبسبب المظاهرات الضخمة ضد المغنية الإسرائيلية واستهجان الجمهور لمشاركتها، والهتاف “فلسطين .. فلسطين” خلال أداء أغانيها، رافقتها قافلة سيارات من الشرطة السويدية إلى نهائي المسابقة، وابعدت المتظاهرين مسافات بعيدة.
ورصدت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية ما أسمته “السخرية والهتاف والمظاهرات” ضد المتسابقة الإسرائيلية في مسابقة يوروفيجن، ملمحة إلى أنها أدت أغنيتها بصعوبة وسط السخرية والهتاف ضدها.
وامتدت الاحتجاجات ضد المغنية الإسرائيلية إلى زملائها المتسابقين في مسابقة يوروفيجن، حيث تجنبها بعضهم وطلبوا منها مغادرة الغرفة، بحسب موقع “ديدلاين”، المعني بأخبار الفن، في 11 مايو.
وتظاهرت المغنية مارينا ساتي، التي تمثل اليونان في المسابقة، بالنوم بينما كانت جولان تعقد مؤتمرا صحفيا كي تتجاهلها.
واضطرت مجموعة من الأفراد المؤيدين لإسرائيل، منهم أعضاء الجالية اليهودية في مالمو، لتنظيم مظاهرة صغيرة دفاعا عن المغنية الإسرائيلية، إيدن غولان والدفاع عن حقها في المشاركة في المسابقة.
وتضامن التلفزيون البلجيكي مع الفلسطينيين وقام بقطع بث مسابقة الأغنية الأوروبية خلال أداء المغنية الإسرائيلي”، وبث رسالة إدانة للجرائم التي يرتكبها جيش الاحتلال ضد شعب فلسطين.
ووصفت الناشطة الشهيرة في مؤتمرات المناخ “جريتا ثونبرج” مشاركة إسرائيل في المسابقة بأنها “غسيل فني” أي تلميع لدولة الاحتلال التي تمارس الإبادة، وفق موقع “ديدلاين” 11 مايو 2024.
وقد اعتقلها البوليس السويدي بينما كانت تهتف ضد إسرائيل وترتدي الكوفية الفلسطينية.
ومنذ اليوم الأول للمهرجان، تظاهر آلاف الأشخاص في مالمو السويدية، وزادت حدة المظاهرات في اليوم الأخير 11 مايو 2024 قبل نهائي المسابقة، ولوح المئات بالأعلام الفلسطينية.
وبدلا من الشعار الرسمي للمسابقة وهو “الموسيقى توحدنا”، هتف المتظاهرون: “الإبادة الجماعية توحد يوروفيجن”، احتجاجا على مشاركة إسرائيليين.
ووقفوا أمام مقر المسابقة يهتفون أيضا: “يوروفيجن، لا يمكنكم الاختباء، أنتم تدعمون الإبادة الجماعية”
نفاق وازدواجية
منذ اليوم الأول للمسابقة، انتقد المتظاهرون المؤيدون للفلسطينيين “ازدواجية المعايير” في هذا الحدث العالمي.
قالوا إنه سبق لـ”اتحاد البث الأوروبي”، أن منع روسيا من المشاركة في مسابقة يوروفيجن عام 2022 بعد غزوها لأوكرانيا، فلماذا لم يستبعدوا الإسرائيليين هذا العام رغم إبادتهم غزة؟!
أشاروا إلى أنه قبل عامين فقط، منعت مسابقة يوروفيجن مشاركة روسيا في المسابقة، ورفعوا لافتة “توقفوا عن استخدام يوروفيجن لتبييض جرائم إسرائيل”
أيضا نظم أعضاء من مجموعة يهودية سويدية معادية للاحتلال الإسرائيلي تسمى Jewish Uproar مسيرة احتجاج ضد العدوان الإسرائيلي في غزة، وظهر بعضهم يرتدي قلنسوة يهودية بألوان العلم الفلسطيني.
ووصف هؤلاء اليهود مسابقة يوروفيجن بـ “النفاق وازدواجية المعايير” لأنها سمحت لإسرائيل بالمشاركة في المسابقة رغم أنها حظرت روسيا قبل عامين، وفق صحيفة “نيويورك تايمز” 11 مايو/أيار 2024.
وفي 25 فبراير 2022، حظرت يوروفيجن روسيا بعد يوم من غزوها لأوكرانيا بعدما دعت هيئات البث الحكومية من الدول المشاركة مثل أيسلندا وفنلندا والنرويج وهولندا إلى حظر مشاركة روسيا، وهو ما وافق عليه اتحاد البث الأوروبي.
حينئذ استشهد الاتحاد بمهمة يوروفيجن المتمثلة في حماية “قيم المنافسة الثقافية التي تعزز التبادل والتفاهم الدوليين”
وزعم مارتن أوستردال، المشرف التنفيذي على يوروفيجن، أن استبعاد روسيا كان قرارًا يتعلق بدعم القيم الأساسية للديمقراطية وحقوق الإنسان، بحسب موقع “فوكس” 10 مايو/أيار 2024.
قال في ديسمبر 2022: “عندما نقول إننا لسنا سياسيين، فإن ما يجب علينا دائمًا الدفاع عنه هو القيم الأساسية والنهائية للديمقراطية”.
ومنذ ذلك الحين، علقت روسيا عضويتها في اتحاد الإذاعة الأوروبي ولم تعد إلى المنافسة.
وفي تبريره لإبعاد اتحاد البث الأوروبي ويوروفيجن روسيا، والسماح بمشاركة إسرائيل، زعم المدير العام لاتحاد البث الأوروبي نويل كوران، أن مسابقة يوروفيجن هي منافسة بين هيئات البث الدولية وليس الدول نفسها أو بين الحكومات.
إلا أن “كوران” الذي أصر على أن المنافسة لن تكون سياسية، تصرف ضد مؤيدي فلسطين بطريقة مختلفة معادية.
ولم يسمح بالأعلام الفلسطينية في المسابقة، أو أي رموز أو لافتات مؤيدة للفلسطينيين تشير إلى العدوان على غزة، بينما سمح برفع أعلام الشواذ.
لهذا اتهم المحتجون على مشاركة إسرائيل اتحاد البث الأوروبي بالنفاق والازدواجية لأنه يدعي أنه “لا سياسة في المسابقة”، وحظر مشاركة روسيا بحجة “قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان”
بينما الاحتلال الإسرائيلي يقتل ويبيد هذه الحقوق في غزة أمام أنظار العالم، وسمحوا للصهاينة بالمشاركة.
وعلى الرغم من أنها لا تقع في القارة الأوروبية، سُمح لإسرائيل بالمنافسة في مسابقة يوروفيجن، لأن “هيئة البث الإسرائيلية” عضو في “اتحاد البث الأوروبي”، الذي تمتد عضويته إلى خارج القارة، وشاركت في المسابقة يوروفيجن منذ عام 1973.
فلسطين حرة
رغم منع المسابقة الشعارات السياسية، تضامن مطربون غربيون مع فلسطين مثل المغنية البرتغالية لولاندا التي غنت “السلام سينتصر”، وقالت إنني سأدافع عن القضية التي أؤمن بها وهي “فلسطين حرة”، وقامت بطلاء أظافرها بشكل الكوفية الفلسطينية.
وجرى التلويح بالأعلام الفلسطينية في بروفة نهائيات مسابقة يوروفيجن الكبرى في تحد للقواعد الصارمة التي وضعها اتحاد البث الأوروبي (EBU) ضد الحاضرين الذين يحملون أعلام الدول غير المشاركة.
وكسر المغني الفرنسي “سليمان” البروتوكول حين قام بإيقاف أغنيته “مون أمور” ودعا إلى السلام في فلسطين على خشبة المسرح.
ولم يكتف المطرب العالمي “إريك كلابتون” برسم علم فلسطين على جيتاره في حفل يوم 11 مايو، بل عرض صور الدمار في غزة وهو يغني أغنيته “صلاة لطفل”.
وخلال نصف النهائي من المسابقة يوم 7 مايو ارتدى المتسابق السويدي “إريك سعادة”، وهو من أصل فلسطيني، كوفية فلسطينية على معصمه أثناء أدائه أغنيته.
وهو ما اعترض عليه منظمو المسابقة بدعوى أن الحدث ليس سياسيا، ورد عليهم “سعادة” قائلا لشبكة STV السويدية: “إن الحظر على الأعلام الفلسطينية والرموز مثل الكوفية أمر عنصري”
أيضا قالت “أليساندرا ميلي”، المتحدثة باسم لجنة التحكيم النرويجية والمتسابقة السابقة في مسابقة يوروفيجن، أنها لن تعلن عن النقاط، ودعت إلى “فلسطين حرة”
وقال عضو لجنة التحكيم “كاريجا” من فنلندا إنه أيضا لن تعلن عن النقاط بالنسبة للإسرائيلية “جولان” وأوضح أنه لا “يؤيد” مشاركة إسرائيل في مسابقة الأغنية.
وتعسف الأمن السويدي ضد رافعي أعلام فلسطين، وهم من كل الفئات الشبابية، وأبعد بعض المتفرجين من حفل المسابقة بسبب التلويح بالعلم الفلسطيني، برغم أن المغنية الإسرائيلية تعمدت رفع علم إسرائيل وهي تغني.
وقبل بدء المسابقة، دعا أكثر من 1000 فنان ومغنٍّ سويدي إلى حظر مشاركة إسرائيل، وفق موقع “فوكس” في 10 مايو.
قالوا إن السماح بمشاركتهم يعني أن “الدولة التي ترتكب جرائم حرب وتستمر في احتلالها العسكري تُمنح مسرحاً عاماً لتلميع صورتها باسم الموسيقى”.
ومع ذلك، فإن الاحتجاجات المستمرة والدعوات إلى التحرك لم تقنع اتحاد الإذاعات الأوروبية أو منظمي مسابقة يوروفيجن باستبعاد الإسرائيليين.
وكان الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتزوغ، قال في فبراير/شباط 2024: “إنه من المهم لإسرائيل أن تظهر في مسابقة يوروفيجن للتصدي لمن يحاولون طردنا من كل مكان”.
مقاطعة المشاهير
كانت حرب غزة أشبه بـ “فيروس” دخل على حسابات عشرات المشاهير من الممثلين والمغنين والمؤثرين الأميركيين والأوروبيين فمحا ملايين المتابعين والمعجبين خاصة على إنستغرام وتيك توك.
هذا الفيروس الذي هو من صنع المحتجين على إبادة غزة، حجب حسابات المشاهير الذين سكتوا عن إبادة الفلسطينيين.
العديد من مشاهير هوليود وغيرهم ممن لم يعلنوا تضامنهم مع الفلسطينيين أو دعموا الاحتلال الإسرائيلي، تعرضوا لحملة مقاطعة تحت شعار (بلوك أوت) هي الأضخم على مستوى العالم.
حيث دعا نشطاء أميركيون وأوروبيون لحظر المشاهير والمؤثرين الذين رفضوا استخدام منصاتهم لدعم غزة وأهل فلسطين من حساباتهم الاجتماعية.
هذا الحظر الكبير وحذف ملايين المتابعين حسابات هؤلاء المشاهير، أدى إلى تراجع ضخم، حتى إن نجمة تلفزيون الواقع الأميركية كيم كيرداشيان اشتكت عبر السوشيال ميديا لأنها خسرت ثلاثة ملايين متابع نتيجة لحملة المقاطعة.
و #blockout2024 هي حملة جماهيرية عالمية ضخمة يقودها شباب لحظر المشاهير “الصامتين عن الإبادة في غزة”، ونجحت في مقاطعة المشاهير والمؤثرين الذين لا يتضامنون مع غزة.
وقد تداول النشطاء من كل دول العالم “قائمة” للمشاهير الأجانب والعرب لإلغاء متابعتهم وحظرهم “في أقوى حملة لتغيير إعدادات الكوكب وسحب البساط من
تحت أرجل الغثاء الذين تخاذلوا عن نصرة غزة ودعم أهلها طول حرب الإبادة”، كما قالوا.
وبدأت حملة المقاطعة لحسابات المشاهير والمؤثرين تؤتي ثمارها بشكل سريع ومذهل وشملت ممثلين ومغنيات ولاعبي كرة ومواقع صحفية تروج للاحتلال، وأظهرت فيديوهات نشرها نشطاء حجم هذا التراجع.
ومع نجاح هذه الحملة، والزخم العالمي لها، بدأ نشطاء عرب الدعوة أيضا لتعميمها على “أي أحد مشهور أو شخصية عامة عربية لا يدعم القضية الفلسطينية” وعمل حظر، لأي فنان أو إعلامي أو مغنٍّ أو لاعب كرة مثل محمد صلاح، أو سياسي، لا يقف مع الشعب الفلسطيني ضد الإبادة الجارية منذ 7 أشهر.