الدرس الخامس: السيطرة الإعلامية للدولة تعني أنها صاحبة الرواية الوحيدة المعتمدة جماهيريا
دعنا نتفق على أنه مهما كان النظام مستبدا فإنه لايستطيع أن يعتمد على القوة العارية في فرض هيمنته على قطاعات الشعب بكاملها, وهنا تكمن أهمية التزييف الإعلامي في تحقيق حالة من التقبل الفكري والرضا العام – بالحق أو بالباطل – لدى غالب هذه القطاعات بحيث يسهل لأجهزة القمع أن تتكفل بالباقي منها.
وفي عمليات التزييف الإعلامي التي واجهت جماعة الإخوان منذ اصطدمت بعسكر يوليو – المدعوم بالخبرات الأمريكية – فإن الأمثلة أكثر من أن تحصى؛ انظر إلى عبد الناصر يطلب من قادة الإخوان سرعة تخليصه من أسلحة كان يخبئها قبل قيام الثورة، وتتم الاستجابة لطلبه حرصا عليه، وبعد وقوع الصدام يوظف إعلامُهُ المهيمنُ وجودَها لدى الإخوان كدليل على مؤامرة إرهابية كان يجري إعدادهم لها. وانظر إلى العسكر يتفقون مع قادة الجماعة على قيامهم بإجراء حوار مع رجال السفارة البريطانية بشأن اتفاقية الجلاء ويتشددون خلال الحوار دعمًا للعسكر في مفاوضاتهم بشأن هذه الاتفاقية، وبعد وقوع الصدام يضج الإعلام الحكومي متهما قادة الجماعة بالخيانة لهذا السبب, ثم انظر إلى المستشار حسن الهضيبي وقد قرر الاعتكاف والابتعاد عن الساحة العامة، وكان أحد أهدافه الأساسية من هذا الاعتكاف اتاحة الفرصة لقيادات جماعة الإخوان في الوصول إلى توافق مع الحكومة، بعد أن شاع أن هناك بعدًا خاصًا بشخصية المرشد يعوق تحقيق هذا التوافق, ولم تمر أسابيع معدودة على هذا الغياب إلا ويقع حادث المنشية الذي فاجأ المرشد ومن حوله، وما هي إلا أيام ويتم إعتقاله، ويُروج للرواية الرسمية بأن غيابه كانا مرتبطا بالإعداد لحوادث إرهابية مخططة كان حادث المنشية أولها, ويسارع المستشار حسن الهضيبي – بعد اعتقاله – بالكتابه لعبد الناصر نافيا ذلك وموضحا أن اعتكافه كان مرتبطا بإبلاغه الإخوان (بأني أضع استقالتي تحت تصرفهم إذا وجدوا في وجودي ما يعطل الاتفاق بينهم وبين الحكومة، وأكدت ذلك لهم بخطاب أرسلته لهم من هناك – يقصد من الإسكندرية حيث كان معتكفا – تركت لهم التصرف في شئونهم من تلقاء أنفسهم)[1]. ورغم صدق رواية المستشار الهضيبي، وما تبين من قيامه بإرسال خطاب للأستاذ عبد القادر عودة – وكيل الجماعة – بهذا المضمون مرفق به استقالته – مع الأستاذ حسن عشماوي- لعرضه على مكتب الإرشاد, فهيهات أن يتاح لهذه الحقائق أن تصل للجمهور، إذ سيظل خاضعا للتأثير الأحادي للحملة الإعلامية الكاسحة التي تروج للرواية الرسمية المزيفة للحقائق، والمشوهة لموقف قيادة الجماعة ومرشدها العام .
انظر كذلك إلى الأستاذ فريد عبد الخالق وهو يعبر عن فهم الجماعة للصراع القائم حينذاك بينها وبين عسكر يوليو ( إن خلافنا مع جمال وصحبه خلاف حول حق الأمة في أن تنال حرياتها وحقوقها الأساسية، وأن تُحترم إرادتها، وأن تصان كرامتها وكرامة أفرادها، فهو خلاف حول مبادئ ومصالح الوطن العليا فحسب)[2].
والتساؤل: إلى أي مدى استطاعت الجماعة نقل هذا الحس للمجتمع حتى يفهم الجمهور المعركة على وجهها الحقيقي؟. ولا أظن أن هناك من يختلف على أن الجماعة لم يكن في قدرتها تسويق هذا الفهم لدى المجتمع أمام طغيان الآلة الإعلامية للدولة التي احتكرها الحكام حينذاك .
…………………..
[1] ) عبد الله إمام – عبد الناصر والإخوان – ص 126
[2] ) فريد عبد الخالق – كتاب الاخوان المسلمون في ميزان الحق – ص 93