الأمس كان يوما داميا في تاريخ مصر، سقط فيه 18 شهيدا من جنود الوطن؛ ولكن ليس الأمس فقط، فيمكنك أن تقول نفس الكلام عن الأيام التي سبقت يوم أمس؛ ولمدة 3 سنوات مضت لم يتوقف سقوط الضحايا من الجنود والمدنيين في سيناء.
تُرى عزيزي القاريء، لو تم اليوم إعادة هذا المشهد العبقري من فيلم “احنا بتوع الأتوبيس”، الذي يصرخ فيه الجندي، بعد هزيمة 67، قائلاً:
” إيه اللي حصل؟ … احنا ما انتصرناش ليه؟ …ليه؟ ما السجن مليان أهوه بالناس الوحشة اللي خايفين منها. ناقص إيه تاني؟ ما انتصرناش ليه؟”
شاهد المقطع:
تُرى عزيزي القاريء، لو تم اليوم إعادة هذا المشهد العبقري، وسُمح لجندي من جنودنا في سيناء أن يسأل: احنا ما انتصرناش ليه؟ تخيل ماذا سيقول هذا الجندي:
“احنا ما انتصرناش ليه؟ ما كل يوم تزيد مرتبات القادة العسكريين في الجيش والشرطة، وكل يوم يتم الإعلان عن صفقة سلاح بمليارات الدولارات، وكل يوم يتم الإعلان عن مناورات عسكرية ضخمة، وكل يوم يتم القبض على خلية إرهابية؛ فلماذا لا يتوقف قتل الجنود؟ ولماذا تتكرر المأساه كل يوم تقريبا، وبنفس الطريقة، وفي نفس الأماكن، دون أن نعرف من المسؤول أن؟”
تخيل عزيزي القاريء؛ ماذا سيقول جندي آخر ممن يخدمون الآن في سجون مصر الممتلئة عن آخرها، وهو يرى عشرات الآلاف من المعتقلين السياسيين، وقد أقنعه “حضرة المأمور” و”سيادة الضابط” أن هؤلاء المعتقلين هم أعداء الوطن؛ ولا بد أن يكونوا في المعتقل، حتى ننتصر على الإرهاب!
هؤلاء المعتقلون الذين يصفهم رأس النظام كل يوم بأنهم “أهل الشر” قد تم وضعهم خلف القضبان من ثلاث سنوات, وقد أقنعه القادة بأن تعذيب هؤلاء المعتقلين خدمةٌ للوطن، وأن تركهم يموتون كل يوم بالإهمال الطبي والتعذيب البدني والنفسي واجب وطني. شاهد هذا المقطع الآخر، فالتاريخ يعيد نفسه:
https://www.youtube.com/watch?v=Nlseqn1pr8E
تُرى – عزيزي القاريء- لو أتيح لفلاح، في قرية من قرى مصر، هو يرى محصوله يكاد يموت من العطش مع انخفاض منسوب المياه في النيل، وأراد أن يسأل: احنا ما انتصرناش ليه على أثيوبيا؟ ولماذا لم نستطع منعها من اتمام مشروع “سد النهضة”؟ أو لماذا لم نستطع حتى مجرد الوصول إلى حل يحافظ على “حصة مصر” وحقها “التاريخي” في ماء النيل؟ تخيل ماذا سيقول هذا الفلاح؟!
تُرى – عزيزي القاريء- ماذا سيقول رجل بسيط يعاني من الغلاء الفاحش، وارتفاع الأسعار، والفقر، وضنك العيش، رغم الإعلان كل يوم عن مشاريع اقتصادية عملاقة، ومؤتمر اقتصادي عالمي؟. لماذا لم نتتصر على الأزمات والكوارث الإقتصادية؟. لماذا لم ننتصر على إرتفاع سعر الدولار وانهيار الجنية المصري؟
لماذا لم يتوقف الفساد ونهب الأموال؟ ولماذا لم يعد الأمن والأمان؟ أليست مؤسسات الدولة كلها من جيش وشرطة وإعلام وقضاء على قلب رجل واحد خلف الرئيس؟! فلماذا لم ينجح؟ احنا ما انتصرناش ليه على الفقر والبطالة والفساد والإرهاب؟!
احنا ما انتصرناش ليه؟
ألم يتم القضاء على المؤامرة الماسونية العالمية التي تستهدف مصر؟ ألم يتم القضاء على ثورة 25 يناير؟ ألم يتم وضع كل المعارضين في السجون والمنافي؟
احنا ما انتصرناش ليه؟ ألم يتم حل جميع الأحزاب السياسية التي لا توافق هوى النظام؟ ألم يتم غلق جميع القنوات الإعلامية التي لا تسبح بحمد الحاكم؟ ألم يتحول الإعلام المصري كله إلى طبالين وزمارين، ورقاصين للنظام، بحجة أننا لا نريد أن يشمت فينا “أهل الشر”؟
ألم يتم تقديس الحاكم، وتأليهه والسكوت عن جميع أخطائه بحجة أنه لا صوت يعلو فوق صوت المعركة؟ فلماذا لم نتتصر في المعركة؟
احنا ما انتصرناش ليه؟ ألم يتبرع الناس بالملايين لمشروع قناة السويس؟ ألم يتبرع الناس بالملايين لصندوق تحيا مصر؟ ألم يصبّح الناس على مصر بجنيه كل يوم؟
ماذا ينقصكم لتحقيق النصر ياسادة؟ هل تريدون تفويضًا جديدًا لمحاربة الإرهاب؟ أم هل تريدون سجن المزيد من المعارضين؟ أم بناء المزيد من السجون؟ أم قتل المزيد من المتظاهرين؟ أم جمع المزيد من التبرعات؟
لعل الإجابة على كل هذه الأسئلة تكمن في النقاط الخمس التالية:
1- تم تحضير “عفريت” الإرهاب من أجل أن يلعب السيسي دور البطل القومي. راجع نص طلب التفويض، الذي يقول:
“يوم الجمعة الجاية. تنزلوا تدوني تفويض وأمر؛ إني أحارب الإرهاب المحتمل….”. ضع ألف خط تحت كلمة “المحتمل”، والتي تعني أن الإرهاب لم يكن موجودًا أصلا، يوم طلب التفويض, والتي تعني أيضا أن وجود الإرهاب كان ضرورة لصناعة البطل القومي الجديد.
2- إذا تم القضاء على الإرهاب فعلاً، ما هو “مُبرر” بقاء نظام عسكري قمعي فاشي ديكتاتوري، فشل في السياسة والاقتصاد والسياحة والأمن؟!
3- هل تعلم مدى الدعم المادي والسياسي الذي تقدمه الحكومات الغربية لنظام السيسي؛ بحجة الحرب على الإرهاب؟
يكفي أن تعلم أنه تم تغيير القوانين الأمريكية (لأول مرة في التاريخ)، والتي تحرّم دعم إنقلاب عسكري؛ ذلك من أجل أن تسمح باستئناف المساعدات العسكرية لنظام السيسي، بحجة واحدة فقط؛ ألا وهي دعم الحرب على الإرهاب في سيناء.
4- الحرب على الإرهاب “بيزنس” كبير تستفيد منه دول وحكومات ورجال أعمال. وبرغم أنه بيزنس ملطخ بدماء الأبرياء، ألا أن استمراره مصلحة لتجار السلاح وسماسرة الحروب.
5- هل القضاء على الإرهاب “هدف حقيقي” لنظام الجنرال السيسي؟ أم أن شعار “الحرب على الإرهاب” يمنح النظام “رُخصه” لقمع وقتل معارضية، والاستمرار في الحكم دون تحقيق أي شيء مما وعد به المصريين، واسكات أي صوت يدعوا للمحاسبة والمراجعة؟!