العنوا الإخوان .. وقطعوا مرسي إربا إربا!.. بل حرّقوا الإخوان؛ لا تكتفوا بلعنهم, واجعلوا من مرسي عبرة، حتى لا يرفع رأسا، ولا تقوم له قائمة بعد اليوم..
هذا هو حال لسان بعض الناس..
لا يطيب حديثهم إلا بذكر الإخوان بالسوء، ولا تتحقق وطنية البعض إلا بغمز الإخوان ولمزهم، ولا تظهر رجولتهم إلا بالنيل من البلتاجي والكتاتني ومن قبلهم الشاطر وبديع، ولا تظهر البراعة في الكتابة والنقد إلا إذا جعلوا الرئيس مرسي ضعيفا ساذجا خائنا مضيعا للثورة والثائرين، بل مضيعا للأمة والدين..
وبعضهم يغتر بما له من عدد متابعين على صفحاته فيهرف بما لا يعرف, وآخر ربما يريد أن يحصد كمًا من (اللايكات)، وعددا جديدا من المتابعين، كأن الثورية الصادقة لا تبدو ملامحها إلا إذا ذكر المتحدث مساوئ الإخوان! وبعضهم يؤكد أن النصح واجب، وأن النقد ضرورة، وأن إهداء العيوب صفة محمودة، ويتكأ على قوله تعالى:{ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}(العصر: 3)، وبما في الصحيح “الدين النصيحة”، وآخرون يقولون: لا بد من الوقوف على العيوب لتلافيها، إذ “لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين”.
وأغرب ما سمعت أن البعض يتكئ على نقد القرآن لأهل أحد، وعتابهم بعد ما كان منهم، ونسي هؤلاء أن الموجه هنا هو القرآن، فالخطاب من الله تعالى، والناصح هو الخالق الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وما أخطأ فيه الصحابة كان أمرا واضحا، إذ عصى حماةُ الجبل أمرَ النبي صلى الله عليه وسلم.
وبين الفينة والأخرى يخرج على شاشات التلفاز من يتقمص دور الناصح الأمين، والثائر المبين، والعالم المتين، والمنظر الكبير مبديا نقده للإخوان كجماعة, ولمرسي كرئيس.
ولكني أتساءل: هل من شروط الثورية أن تكون ناقدا مجرحا للإخوان؟
هل من الحيادية أن تكون متطاولا على الإخوان؟
هل من شروط الوطنية أن تكون كارها للإخوان؟
هل من شروط الاستقلالية أن تكون محرضا على الإخوان؟
بعيدا عن العواطف دعونا نقرر بعض النقاط المهمة:
- الإخوان مجتمع بشري – وكغيره من التجمعات البشرية- فيه الصالح والطالح، ومنهم التقي النقي، وكذلك الوصولي النفعي، فيهم المعطاء الذي يفنى لمصلحة غيره (دينه، أمته، وطنه)، وفيهم من يسعى لتحقيق مجد ذاتي، ولو على حساب غيره، فهو معهم ما استفاد وحصّل، فإن مُنع سخِط، وإن أعطي رضي، وإذا كان القرآن قد خاطب خير القرون بقوله: { مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ}(آل عمران: 152) فكيف بالإخوان وغيرهم؟! لكني أشهد الله أنهم من أنقى الناس قلبا، وأصفاهم سريرة، وألينهم عريكة، وأكثرهم عطاء!
- الإخوان ليسوا الإسلام، بل هم جماعة من المسلمين، اتخذوا الإسلام منهجا، فإن أحسنوا فلأنفسهم ولأمتهم ولدينهم، وإن أساءوا فعليهم ولا نحمّل الإسلامَ من أخطائهم شيئا.
- في مرحلة الثورة وما بعدها, هل أخطأ الإخوان؟ نعم أخطأوا وأخطأوا!، لكن فرقا كبيرا بين الخطأ والخطيئة، فرق كبير بين الخطأ غير المحسوب ولا المدروس ولا المخطط له، وبين الخطيئة التي يسبقها إعداد وترتيب، ويلحق بها إصرار وعناد وزهو أحيانا، والإخوان فيما وقعوا فيه أحسب أنهم في الصنف الأول، وأخطاؤهم – وإن عُدت- قليلةٌ بجوار غيرهم، وقد قيل:
مَن ذا الَّذي تُرضى سَجاياهُ كُلُّها كَفى المَرءَ نُبلاً أَن تُعَدَّ مَعايِبُهْ
- عادة من يقوم بنقد الإخوان يقوم بالنقد، والنقد فقط، لكن المطلوب هو النقد وتقديم البديل، أما أن يظل المرء في الصحف كاتبا، ومن وراء الشاشات صائحا، وعلى المنابر (مهيجا)، وفي (تويتر) مغردا، وعلى (الفيس) (مشيّرا)، وفي (الجروبات) ناشرا وناقلا.. دون أن يقدم البديل فلا هو بالناصح ولا طريقته بالمشروعة، ولنا في سيدنا الحباب قدوة، فقد رأى ما رأى من خطة لم ترق له يوم بدر، فما كان منه إلا أن نقد وقدم البديل، روى البيهقي قال: فَسَارَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى نَزَلَ بَدْرًا فَسَبَقَ قُرَيْشًا إِلَيْهِ، فَلَمَّا جَاءَ أَدْنَى مَاءٍ مِنْ بَدْرٍ نَزَلَ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ الْحُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَنْزِلٌ أَنْزَلَكَهُ اللهُ لَيْسَ لَنَا أَنْ نَتَعَدَّاهُ وَلَا نُقَصِّرُ عَنْهُ، أَمْ هُوَ الرَّأْيُ وَالْحَرْبُ وَالْمَكِيدَةُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَلْ هُوَ الرَّأْيُ وَالْحَرْبُ وَالْمَكِيدَةُ» ، فَقَالَ الْحُبَابُ: يَا رَسُولَ اللهِ، فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ بِمَنْزِلٍ، وَلَكِنِ انْهَضْ حَتَّى تَجْعَلَ الْقُلُبَ كُلَّهَا مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِكَ، ثُمَّ غَوِّرْ كُلَّ قَلِيبٍ بِهَا إِلَّا قَلِيبًا وَاحِدًا، ثُمَّ احْفِرْ عَلَيْهِ حَوْضًا، فَنُقَاتِلُ الْقَوْمَ فَنَشْرَبُ وَلَا يَشْرَبُونَ، حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ، فَقَالَ: «قَدْ أَشَرْتَ بِالرَّأْيِ»، فَفَعَلَ ذَلِكَ.
- لماذ لا يقدم أصحاب النصائح نصيحتهم إلى الإخوان؛ قادةً ومسؤولين مباشرة، أما النصيحة على الملأ فخطرها أكبر من نفعها، وقد قال الشافعي:
تَعَمَّدني بِنُصْحِكَ في انْفِرَادِي وجنِّبني النصيحة في الجماعهْ
فَإِنَّ النُّصْحَ بَيْنَ النَّاسِ نَوْعٌ من التوبيخِ لا أرضى استماعه
وَإنْ خَالَفْتنِي وَعَصَيْتَ قَوْلِي فَلاَ تَجْزَعْ إذَا لَمْ تُعْطَ طَاعَه
- ليس من حق الإخوان أن يرفضوا نصيحة أحد، فهم لا يملكون أنفسهم؛ بل هم ملك للأمة، وما وجدوا من نصح درسوه، فإن وجدوا فيه خيرا، وأمكنهم العمل به نفذوه وطبقوه، وعلى غيرهم أن يرضى بذلك فليس من الواجب أن يكون الإخوان منفذين لكل خطة تطرح، أو نصيحة تقدم.
- بعض ما ينقمه الناقدون يتيه به -لا أقول الإخوان بل غيرهم- فخرا وزهوا، وما يراه بعض الناقدين شرا مستطيرا، وإثما مبينا، هو عند آخرين من غير الإخوان أوسمة توضع على الصدور وتيجانا فوق الرؤوس، ولا غرابة في هذا، فأمر السياسة الشرعية يقوم في أمور كثيرة على الصواب والأصوب، لا على الخطأ والصواب، وهذا حاصل في المسائل التي تقوم على اجتهاد لا دليل فيه قطعي الثبوت قطعي الدلالة.
- لو قمنا بجمع عدد من الشباب من المدارس الفكرية المختلفة (إسلامي – إخواني، سلفي- ثوري- ليبرالي….) وسألناهم ما رأيكم في موقف الإخوان في:
- هل أصاب الإخوان في ترشيح رئيس منهم؟
- هل أخطأ الإخوان في حماية رئيسهم يوم الاتحادية؟
- هل أخطأ الإخوان برفع شعار السلمية؟
هل… هل….. هل؟
لن تقف على إجابة واحدة؛ بل إجابات متعددة….، وهذا يعني: إذا كان الثوار لم يتفقوا على رأي واحد في كثير من المسائل، فلماذا يُلام الإخوان إذا اتخذوا قرارًا ما، رأوا فيه مصلحة الأمة والبلد والدين؟
- إذا كان قرار الإخوان يُتخذ بطريقة مؤسسية، تقوم على الشورى، فلماذا يلام الناس على اتخاذ قرارات مؤسساتية شورية؟ إن بعض الأمور التي ينقم الناس على الإخوان هي أمور ينقمها الكثير من أبناء الصف الإخواني، فهم لها رافضون، وهذه طبيعة التجمعات البشرية، لكن يبقى لكل مؤسسة قوانين تلزم الجميع، ولا يمكنهم الخروج عنها ما لم تخالف الدين والشرع.
10- العجيب أن بعض هؤلاء لا يصلح لإدارة فريق كرة خماسية ولا إدارة مدرسة ابتدائية لا يزيد عدد تلاميذها عن أصابع اليد، ولو رُشح في بيته وبين أسرته لن يحصل على أغلبية كاسحة ولا أكثرية مطمئنة، ومع هذا يظل ناقدا وناقدا وناقدا.
وعليه فإن النقد لا يكون نقدا حقيقيا إلا إذا خرج من أهله، وكان في محله، وليس كل من برع في علمه وتخصصه يصلح للنقد، ومن صلح للنقد فينبغي أن يجعله في محله، لا في الصحف السيارة، ولا في صفحات النت بين شباب مجروح ومكلوم.
يا قومنا رفقا بالقوم فما هم فيه من تنكيل وتشريد، وقتل وحبس تنوء به الجبال، نعم شاركهم غيرهم من أبناء الوطن المخلصين، لكن الإخوان تحملوا العبء الأكبر، لذا فمن حقهم أن يكون لهم رأي وقرار يراعي مصلحتهم, دون أن يعارض مصلحة البلد ولا يخالف روح الشرع ومقاصد الشريعة، ونصوص الدين.
غفر الله للإخوان، ومحبي الإخوان، وناصحي الإخوان، ولكل ناصح آمين، ولكل خادم للشرع والدين.