لم يكن في برنامج الحزبين الوطنيين المعارضين في زنجبار بقيادة عبيد كرومي (الأفروشيرازي) أو عبد الرحمن بابو (الأمة) خطة لمحو الوجود العربي من الجزيرة. كان صراعهم مع حزب زنجبار الوطني الحاكم الموالي للسلطان بقيادة (علي محسن) يدور حول نتيجة انتخابات حرة تباينت نتيجتها بين فوز “الوطني” بأكثرية مقاعد البرلمان، بينما نالت المعارضة أكثرية أصوات الناخبين في الجملة. وهذا بعض المعلوم بالضرورة في الانتخابات.
وهكذا لم تكن زنجبار وقتها مهيأة لأكثر من خصام انتخابي طويل واحتكاكات عرقية مقدور عليها.
ولا أدل على أن ثورة 1964 والمقتلة التي بعدها هي إفراز للقومية الأفريقية الجامعة، أن كرومي وعبد الرحمن كانا يغطان في نوم عميق حين انفجرت الثورة، فأيقظ الثوار كرومي فجرًا وحملوه إلى دار السلام -عاصمة تنجانيقا- بحجة حمايته، أما بابو فقد كان لائذا بدار السلام أصلا، فأيقظه السفير الكوبي هناك لينقل له خبر اندلاع ثورة في وطنه!
بثورة 1964 غَلَبت القومية الأفريقية الجامعة على الوطنية الزنجبارية، ولا أعلم من تناول ذلك الوضع مثل البروفسير (علي المزروعي) فقد وضع أصبعه على ما انطوت عليه ثورة زنجبار من تناقض بين الدولة الوطنية والأفريقية الجامعة، فقائد الثورة (جون أوكيلو) أفريقي، ولكنه ليس زنجباريا، وقد جاء الجزيرة في 1959 ضمن أفارقة الداخل ممن ظل يجتذبهم سوق العمل في زنجبار.
وهكذا أسقط هذا «الأجنبي»؛ في مفهوم الدولة الوطنية سلطانا من الجيل الرابع في الجزيرة له الولاية على شعب مسلم بصورة كاملة، وعمقت الهوية الإسلامية من غربة قائد هذه الثورة عن الوطن الزنجباري بصورة دراماتيكية، فهو مسيحي تحول عن ديانة أفريقية خالصة فعمَّدته طائفة الكويكرز في أوغندا.
وزاد بأن أصطحب عقيدته المسيحية في ثورته ضد العرب المسلمين، فقد سماه الكويكرز “قيدون” وهو المخلص في دينهم، وتقمص أوكيلو دور المخلص لأفريقيي الجزيرة من ظلم العرب!
حكى عن سفره بالباخرة من الساحل الكيني إلى زنجبار وتعرضه لعاصفة كادت تغرقهم، وقال كاتب لمَّاح إنه إنما تمثل في ذلك بسانت بول الذي كادت سفينته تغرق عند جزيرة مالطا.
لم تستسلم الوطنية الزنجبارية لغزوة أوكيلو الثورية، وكان أول همٍ لكرومي بعد تعيينه رئيسا لمجلس قيادة الثورة بواسطة أوكيلو أن يتخلص منه كغريب زنيم، ونجح في مسعاه خلال خمسين يوما.
استمرت الوطنية الزنجبارية في التململ من الاتحاد التنزاني المفروض عليها باسم القومية الأفريقية الجامعة وبغير شورى منها, ولهذه الوطنية حزب ما فتئ يدعو لتفكيك الاتحاد.
والحق أن أوكيلو قائد ثورة 1964 جاء إلى قتل العرب بلا وازع من باب “مزارات الرق العربي” وشحن الضغن الأفريقي على العرب، فزار قلعة المسيح بمومباسا بكينيا، وقال إن حيطانها التي انحفر فيها تاريخ الرق لتُخجِل كل عربي.
وعرض هنري جيتس الأستاذ بجامعة هارفارد هذه المزارات قبل سنوات في وثائقيته عن أفريقيا، فعاب عليه زميله جوناثان جلاسمان الأستاذ بجامعة نورثوسترن الأمريكية أنه يروى أساطير أدلاّء السياحة وكأنها حقائق.
وكشف الأستاذان إبراهيم شريف ومحمد المحروقي في ورقة علمية التزوير الذي دخل في صناعة تلك النصب. فقالا –مثلا- إن صناعة السياحة في الرق العربي تأخذ الزائر إلى كنيسة ست مونيكا ليرى قبوًا به أغلال صدئة هي بقايا مزعومة للنخاسة العربية!
وإذا علمنا أن الكنيسة مما بني في 1905 بعد سنوات طويلة من إلغاء الرق في زنجبار، وقفنا على الخيال الكاذب وراء تلك الصناعة.
ومما يزعج حاليا أن اليونسكو أشهرت مدينة الحجر في زنجبار، وفيها معظم هذه النصب، أثرا عالميا في عام 2000، وازدهرت تبعا لذلك سياحة التبغيض في العرب. ولاحظ من قرأ الأدب السياحي التنزاني عن الرق خلوه من أي ذكر لثورة 1964 لتفادي ما تثيره من تاريخ للجنوسايد قد يغطي على تاريخ الرق، أو ربما كشف كيل متطرفي القومية الأفريقية بمكيالين.
ربما نظرنا في أمر التذكير بمحنة زنجبار، إلى همة اليهود الذين جعلوا من الهولوكوست واقعة لا مهرب منها. فألفوا فيها بإسراف حتى أحصوا ستة آلاف كتاب عنها سنويا، وخرج منهم مثل إفريم زوروف الموصوف بـ”عميد صائدي النازيين” الذي أعد قائمة بالمطلوبين من النازية لجرائمهم بحق اليهود, واشتهر عنه قوله: “إن جرائم الهولوكوست لا تسقط بالتقادم”، وحين رأى بلوغ النازيين أرذل العمر وموتهم قال إنه يتمنى من الله أن يطيل من أعمارهم حتى يلقوا جزاءهم المستحق.
وبلغ الضرب على وتر الهولوكوست مبلغا جعلها صناعة رابحة، كما قال بذلك اليهودي نورمان فنكلستين في كتابه «صناعة الهولوكوست».
فقد نشرت النيويورك تايمز خبرا عن كتاب اسمه «سفر الهولوكوست» صفحاته 1250 وطوله ستة أقدام ونصف قدم ومحيطه 46 قدما، وصاحب فكرته (لا تأليفه) هو فيل جيرموسكي، معلم رياضيات، هاجر من أمريكا لإسرائيل.
ولا يحوي الكتاب سوى كلمة “يهود” ببنط صغير مكررة ستة ملايين مرة بعدد ضحايا الهولوكوست، ولا سقف لثمنه بالطبع طالما صدر الكتاب من أجل قضية، فقد اشترى أحدهم مائة نسخة ليوزعها على أعضاء بالكونجرس الأمريكي وقادة اليهود بجنوب أفريقيا وأستراليا.
جدير بالذكر أنه بعد أن سادت الهوية الإسلامية في زنجبار بدأت الحركات التنصيرية تتغلغل فيها حتى أن عدد الكنائس بلغ كنيسة لكل مائة نصراني, بل انتشرت الكتب النصرانية والإنجيل مترجمة للغات المحلية انتشاراً واسعاً بحيث تصل إلى أيادي المسلمين الذين يفتقرون إلى العلم الديني وفهم القرآن بعد أن سادت اللغة السواحلية مقابل محو اللغة العربية.
ورغم أن الأغلبية مسلمة فإن زنجبار تقع تحت حكم مسيحي شامل، يعاني المسلمون في ظلماته القمع والاضطهاد, ومحرومون من الوصول إلى مراكز صنع القرار، فنسبة المسلمين في مراكز صنع القرار لا تتعدى 5 % بل إن التحيز للنصارى واضح جداً، فالوظائف الحكومية استحالت غالبيتها إليهم، وحرم الشباب المسلم من فرص التعليم والمنح الدراسية والحياة الأكاديمية التي يتمتع بها النصارى. ومن المحزن أنه تم في عام 2001م تعيين وزير نصراني لرئاسة الوزارة الخاصة بالشؤون الدستورية وهى المخولة بإدارة الإفتاء والأوقاف والمحاكم الإسلامية في زنجبار .
وقد شهدت زنجبار عمليات عسكرية لقمع مظاهرات سياسية قام بها المسلمون احتجاجاً على تزوير الانتخابات العامة التي أُجريت عام 2000م، وانتهت هذه المظاهرات بحصار الجزيرة، واقتحام المساجد، والاعتداء بالضرب على السكان، وفي الوقت الذي كان الجيش يحصد فيه أرواح المدنيين، كانت الشرطة تُكْمِل المهمة بتكسير عظام ومفاصل الجرحى، وتكويمهم بعضهم فوق بعض في سيارات مكشوفة.
………………
من المصادر
- خمسون عاما على محنة عرب زنجبار .. عبد الله علي إبراهيم (موقع الجزيرة)
- مسلمو زنجبار ينتظرون دعمًا عربيًّا وإسلاميًّا لتثبيت هوّيتهم (شبكة الألوكة)
- الطاغية جمال عبد الناصر (منتدى الطريق إلى الله).