يبدو ارتباك إسرائيل واضحاً، من خلال سياستها إزاء الانتفاضة الفلسطينية الجارية، بناءً على التقارير التي تقدمها الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، حيث كان بعضها يُشير إلى الاعتقاد بأن الانتفاضة ستستمر لبعض الوقت وتنطفئ من تلقاء نفسها، فيما أشارت تقارير أُخرى، إلى استمرارها إلى أوقات غير معلومة، وسيترتب عليها إشكالات مُتفلّتة، ربما تصل إلى حرب دينيّة.
استندت الأولى على عِدّة بيانات، بدأت برفض السلطة الفلسطينية الواضح لقيام انتفاضة جديدة، وعملها على كبح جماح الأشخاص الذين ينوون القيام بعمليات ضد الإسرائيليين، وكانت قد أوعزت – وفق تلك التقارير – لشطب ما يُشير إلى التحريض من وسائلها الإعلامية، وفي الأسابيع الأخيرة، عملت على نشر رجال أمن، في مناطق التماس في أنحاء الضفة، لمنع الاشتباك بين الشبان الفلسطينيين والجنود الإسرائيليين، ولجأت أحياناً إلى اعتقال نُشطاء تابعين لحركتي حماس والجهاد الإسلامي.
كما تزعم أنه أصبح لدى الفلسطينيين قناعة بأن طريق العنف لن يجلب المنافع لهم، بل يؤدي إلى تفاقم مشكلاتهم الأمنية والمعيشية، وقد كانت الاستطلاعات الأخيرة أنبأت عن تململهم إزاءها بوضوح، خاصة أنهم يفتقدون لأيّة اهتمامات عربية، كما حصل في أحداث سابقة، فضلاً عن مشاهدتهم للإعلانات التي تقول، بأن إسرائيل تتحدث مع ممثلين عن دول عربية، دون أن تظهر عليهم أيّة اهتمامات بما يجري في المنطقة، وبخاصةً أولئك الذين طلبوا صراحةً من “أبو مازن” استعادة الهدوء.
تقارير أخرى ناقضت التقارير السابقة، باعتبارها مُضللة وغير حقيقية، حيث أكّدت أن الأحداث ستستمر وتتصاعد أيضاً، وتدعم أقوالها بأن قيادات في السلطة، وجهات فلسطينية أخرى، وخاصة حركتي حماس والجهاد الإسلامي، تدعم هذا الاتجاه، كما أن السلوك الإسرائيلي الضار بالفلسطينيين، من الأسباب الرئيسة في تغذية موجة العنف، حيث أدّى إلى الوصول إلى مرحلة جديدة، وهي قيام عناصر مسلحة تابعة للسلطة الفلسطينية بالانضمام إلى النشطاء الفلسطينيين، ومشاركتهم بالسلاح.
ما جعل إسرائيل أكثر ارتباكاً، التقارير التي تتحدث عن نوايا “أبو مازن”، حيث أفادت أنه في جانب، يشهر معارضته لها، أو لأيّة اندلاعات مسلّحة، ويطلب من قادة الأجهزة الأمنية، التوقف عن الدعوة إلى إشعال الانتفاضة، أنبأت تقارير أخرى، أنه يعتمد سياسة مزدوجة، يُريد من خلالها ضمان كسب أوراق سياسيّة، وفي ذات الوقت الحفاظ على قاعدته الشعبية، خاصةً في ضوء انخفاض رصيده الانتخابي وحركة فتح التي يقودها خلال الفترة الأخيرة.
ما سبق، كان جديراً بنشأة الكثير من الجدل بين القادة الإسرائيليين – سياسيين وعسكريين- حول نوايا الفلسطينيين فيما إذا كانوا يُفضّلون استمرارهم في تشعيل الانتفاضة، أم أنهم باتجاه العمل على حسرها، فبينما زعمت طائفة منهم، يقودها رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو بأن الانتفاضة ستكون مؤقّتة، باعتبار حكومته تُؤدّي سياسة صحيحة، وبما تتناسب مع حساسية الأوضاع التي تمرّ بها إسرائيل، فقد زعمت أخرى، يقودها زعيم حزب (إسرائيل بيتنا) “أفيغدور ليبرمان”، بأن تصعيدها سيكون وارداً، بسبب عجز الحكومة عن وقفها.