ليست مفاجأة أن تقرأ اليوم خطابا، أو تعيد قراءة خطاب أو أن تقلب النظر في موقف دون آخر، فتعرف حقيقة ما يخبأ لك. كون تلك الخطابات أو المواقف بعض من مخططاتهم التي لمّا تتكشف بعد بشكل كامل.
وليست مفاجأة أن تعيد قراءة التاريخ، فتقف فيه على ما يريبك، من تجارب ذات مسارات مختلفة, فتفيد منها الدرس والعبرة؛ فكما يقولون إن التاريخ يعيد نفسه فضلا عن كونه جزءًا من مخطط مستمر، كان ولايزال قيد التنفيذ بالرغم من كر العصور واختلاف الدهور.
وليست مفاجأة لك أن تعرف حقيقة أنك في معركة مفروضة عليك، بأبعادها المختلفة؛ الخفية والمعلنة وأن المستهدف فيها الأول والأخير هو أنت وحدك, بالرغم من تعدد الأطراف وكثرة المشاركين في هذه المعركة .. أيها المسلم.
وليست مفاجأة لك أن تعرف وأنت تخوض هذه المعركة ضد أعدائك التاريخيين، أن من بين الأعداء عرباً ومسلمين، ومن المحسوبين عليك شئت ذلك أم أبيت.. أيها المسلم.
لكن المفاجأة الكبرى في أن لا تعرف نفسك، وأن تلتبس عليك الأمور فتقف في صفوف أعدائك؛ تتقمص قمصانهم وتلبس لباسهم وتتقدم صفوفهم، دون أن تعرف أنك وحدك المستهدف .. أيها المسلم.
ذات يوم؛ خذل أبو عبد الله الصغير أباه، وأجبر عمه بفعاله القبيحة أن يصبح نصرانيا، واصطف ضد المسلمين مع فريدرك وإيزابيلا؛ اللذين كانا يشنان حربا لاهوادة فيها ضد المسلمين المحاصرين في المدن الأندلسية، ولم يعرف حقيقة أنه هو المستهدف, وأن مايفعله يشكل خطرا عليه قبل غيره من الناس. وبعد السقوط حوكم الحرف العربي، وأُجبر المسلمون أن يتخلوا عن دينهم، وأن يدخلوا في النصرانية، أو أن يرحلوا إلى غير رجعة من بلادهم التي عاشوا فيها أكثر من ثمانية قرون. كان ذلك ولم يدر بخلد الحاكم يومئذ ومن معه من الجهابذة غير المحترمين، أنهم المستهدفون، وأن الذي يستهدفهم لايتوقف عند حد من الحدود كائنا ما كان ذلك الحد، مادام الهدف الأول والأخير يتمثل في القضاء عليك أنت .. أيها المسلم.
هذه هي الحقيقة، وهي التي يجب أن تقف عندها والذي نريد أن نقوله؛ شكل مفاجأة لك أم لم يشكل, أنك أنت المستهدف أولا وأخيرا، ولن تكون نهايتك أكرم أو أشرف من نهاية أبي عبد الله الصغير، الذي قالت له أمه وقد أجهش بالبكاء، وهو يهم بالصعود إلى السفينة التي ستقله إلى العدوة المغربية:
ابكِ مثل النساء ملكاً مضاعاً .. لم تحافظ عليه مثل الرجال
أجل أيها المسلم.. أنت مدعو لورشة عمل، أو لحفلة حوار هادئة، تفكر فيما يجب أن تفعله تجاه الامر الواقع في مواجهة أخطر عدوان يواجهك منذ العام الهجري الأول وإلى اليوم. فعدوّك يستغل ضعفك ليواجهك بالقوة، وجهلك ليواجهك بالعلم، وتفرقك ليواجهك بالاجتماع، وتنازعك ليواجهك بالاتفاق، وصلفك وغرورك ليواجهك بالعقلانية.. وأنت حيال ذلك ساهٍ لاهٍ، صامت ساكت، حائر خائر لا تدري ماذا عليك أن تفعل. وقد تداعى القوم من حولك تداعي الأكلة إلى قصعتها, ولم تعرف حقيقة أنك أنت المُتداعى عليه.
وعدوك بالرغم من كل هذه العيوب لا يتصرف عبثاً، ولا يقدم اعتباطاً، فلديه الدوائر المختصة، التي تعد الطبخات وتنضجها، ولو أخذنا طبخته الإعلامية فحسب لأدركنا حقيقة كم نحن أغبياء تجاهها. فمبطبخه الإعلامي يتم إعادة النظر فيه، ماقيل وما سيقال، وتوضع الوجبات وتوصف الوصفات وتعد الاكلات لك ولأمثالك من الجوعى.
ولذلك ترانا نقبل على طبخاته ووصفاته إقبال السائمة. فإذا قال فليس علينا إلا التصديق, مع أن شاعرنا القديم أسمعنا من طرائف أشعاره متهكما وساخرا:
إذا قالت حذام فصدقوها .. فإن القول ما قالت حذام
فحذام اليوم وهي خريجة( المطبخ الإعلامي الغربي) تحترم وكأنها الصديقة بنت الصديق بالرغم من كونها مداورة مخاتلة خداعة كذابة، وما ينسب إليها أو يأتي منها لا يكون إلا في غير صالحك أنت أيها المسلم.
والمطلوب منك وهو رجاء خاص:
أولاً- ألاّ تصدق كل مايصدر عن عدوك من أفعال أو أقوال، وألا تأخذها على محمل الجد، وأن تقف منها موقف الشاك والمرتاب فلا شك أنها هادفة وأول ماتهدف إليه النيل منك؛ أيها المسلم.
ثانياً- ألاّ يكون عدوك معقد أملك؛ فعلى العدو ألاّ ينتظر من عدوه غير العداء المحض، وتلك هي الحقيقة المحضة أيها المسلم.
ثالثاً- أن تعلم أن مصدر قوتك يجب أن يكون ذاتياً, فالذي لايزرع القطن لا يغزل خيوطه، وقس على ذلك ماتريد من مصادر القوّة. وكل مانحن فيه من اختلال الموازين بسبب الخلل الحاصل من هذه المسألة، وهذا الخلل هو الذي أوقعك فيما أنت فيه.. أيها المسلم.
رابعاً- أن تعلم أن مايثار حولك من كلام- وهو حقيقة واقعة- مصدره ذلك العدو الذي كل مايريده منك أن تكون أضعف منه موقفاً، وهذا الذي حصل ويحصل لك على مدار التاريخ سيما العصر الحديث. وقد انتزع منك زمام المبادرة وراح يكيلك الصاع صاعين، وأنت أعزل مكتوف اليدين لا تجيد غير التوسل.
خامساً- حذار ثم حذار من تحرياته المعدة مسبقا ووصفاته الجاهزة، وكلها بدون استثناء معدة لإضعافك وإحباطك، وسهولة السيطرة عليك. ففكر في ذلك جيدا والحذر الحذر من أن تمنحه ولاءك أو جنديتك، فتكون له موالياً، ودونه مقاتلاً, بل اعرف حقيقة مايراد لك ومايعد لك.
فالذي يقعد أمام الفضائيات، والذي يسمع التصريحات قد تذهب به الظنون يميناً أو يساراً حول ما كان وما سيكون وما هو كائن، وفي واقع الأمر ليس هناك إلا حقيقة واحدة مفادها وبصراحة أنك المستهدف.. أيها المسلم.
وأعلم أن للعدو ذيولا وأتباعا وأنصارا أكثر التصاقا به من ذاته، وهؤلاء الذيول والأتباع وهم كثيرون أشد ألبًا عليك من عدوّك. قبيل معركة اليرموك ذهب و فد من المسلمين معهم عمرو بن العاص لمقابلة جبلة بن الأيهم ملك غسان، ولما دخلوا عليه وجدوه قد لبس الأسود، واعتم بالأسود، فسألوه لماذا تعتم بالأسود، والعرب لاتعتم بالأسود، فقال: تعممت بها وقد آليت على نفسي ألاّ أنزعها حتى أخرجكم من الشام. كل ذلك كان انتصارا منه للملك الأعظم، وقد كان أحد أتباعه. والتاريخ يعيد نفسه، فكثير يناصبك العداء الآن أو سيناصبك مستقبلا، لا يدفعه إلى ذلك العداء إلا تبعيته المطلقة للملك الأعظم وهذا مايجب أن تعرفه أولاً.
وأخيراً إن مايجب أن تعلمه، وتعلّمه أبناءك من بعدك أن المعركة مستمرة، وهي مقدسة وواجبة والتقصير عن المشاركة فيها، أو التخاذل دونها، أو عدم الاستعداد لها جريمة لا تعدلها جريمة، وهي الخسران المبين الذي ليس بعده خسارة ، ولا ندم بعد العدم, بل الذي سيكون الهوان الذي سيحل بك وبأبنائك من بعدك، وبالذين سيولدون من أصلابهم فهل رأيت أكثر من ذلك تفريطاً؟ وهل بعد ذلك خسارة يمكن أن تخسرها في دنيا أو آخرة؟
فحذار ثم حذار .. ثم حذار