“اليوم خمر وغدا أمر” .. كلمة قالها امرؤ القيس، عندما قتل بنو أسد والده حجر الكندي, وقد ذهبت مثلا.
واليوم وفيما العالم ينتظر بفارغ الصبر يوم غد، تعود مقولة امريء القيس لتدغدغ الأحلام، ولتوشوش أصحاب الشأن” اليوم خمر وغدا أمر”.. وما بعد غد من مكنون الغيب.
والحقيقة التي نريد أن نقولها, والتي لابد من قولها, أن مشكلة السوريين ستبدأ غدا, وأن ماجرى كله قبل ذلك لا يعدو كونه زوبعة في فنجان، على أكثر تقدير.
فبعد مسرحيات جنيف1 وجنيف 2 وجنيف3, وبعد القرار 2254، وبعد كل (المؤتمرات) التي عقدت من أجل القضية السورية تأتي (الهدنة) بأثوابها الفضفاضة والخدّاعة وقد حبكت بإتقان من قبل الأمريكِييَن؛ عفوا الصديقين الروسي والأمريكي, أو بصراحة من قبل اللوبي الصهيوني، لتؤكد على:
أولا- شق المعارضة السورية، وقد قسموها إلى إرهابيين وغير إرهابيين, وبذلك تكون الثورة قد انتقلت بهذه التخريجة إلى (الشرذمة المشرعنة), وذلك في تقديرنا: الخطر الذي ليس بعده خطر.
ثانيا- ضرورة استئصال الإرهاب والإرهابيين، وهم بهذه المسألة سيبدأون حرب تطهير عرقية ومذهبية المطلوب رأسه فيها العربي المسلم بمذهبيته السنية، ولن يستثنى فصيل أو جماعة على الساحة السورية؛ صغر أم كبر ذلك الفصيل أو تلك الجماعة. وسيضرب من قبل التحالف الدولي ومن قبل الروس والنظام, وسيشترك في الضرب الميليشيات الشيعية المستقدمة من بلدان شتى، والتي تعمل بقيادة إيرانية على الساحة السورية منذ سنين.
ثالثا- التشكيلة العرقية والدينية والمذهبية، حيث ستصبح سورية بعد ذلك مقسمة عرقيا ودينيا ومذهبيا بين أقوام شتى بعضهم جاء من وراء الحدود كالميلشيات الشيعية اللبنانية والعراقية والإيرانية والباكستانية، والأفغانية وبعضهم انبعث من داخل الحدود انبعاثا خاطئا، وراح يساوم من أجل حصته في سورية مابعد الثورة, وتلك هي ( ثالثة الأثافي) كما يقولون.
وهذه المسائل الثلاث المتمثلة بـ (شق المعارضة) و( قتل المعارضة) و( التقسيم) هي الأمر الواعد بالنسبة لواضعي مخطط الهدنة، وهي التي ستبدأ عملها فور سريان الهدنة غدا. والمستهدف كما قلنا كل الفصائل التي ترفض قتال الإرهابيين، كائنة ماكانت تلك الفصائل، وما أكثرها على الساحة السورية اليوم, بل وما أخطرهم من وجهة نظر أعدائهم!
ستبدأ المعركة الحقيقية بين سورية وأعدائها مع وقف إطلاق النار، وستكون هذه المعركة محك اختبار حقيقي لكل المؤمنين على الساحة السورية وخارجها، ومن أولئك المؤمنين المسؤولون وأصحاب القرار بما في ذلك أصدقاء سورية، الكل سيبوء بسوء العاقبة.
أما المجاهدون، فنقول لهم وبأوضح العبارة: لاتحسبون ذلك شرا لكم، بل هو خير لكم، فلقد كان المتخاذلون والمتآمرون من الذين دسهم النظام وحلفاؤه بين ظهرانيكم إلى وقت قريب يزعمون أنهم معكم ومنكم، وهم ليسوا معكم ولا منكم بل هم حلقة من حلقات التآمر، فشاء الله سبحانه أن يتكشفوا ذلك التكشف، وأن تَبِينَ حقيقتهم، وأن يُعرف سرهم وعلنهم ويبين ماهم فيه من مكر وخديعة وفي ذلك مصدر قوة لكم، وقد كنا نأمل منذ سنين أن ندخل مرحلة تصفية الصفوف وتنقيتها من عملاء النظام ومن الخونة والمتآمرين على الثورة السورية بعامة، لكن شاء الله أن تكون التصفية على هذه الطريقة وفي هذه الآونة بالذات، فاستقبلوا الأمر بثبات وصبر، وترقب وتبصر، وحيطة وحذر، وإيمان يقيني بقدر الله الغالب وحتمية نصره، فما أفلح قوم سلموا أعناقهم للجزار ولا قوم ذلوا وضعفوا في مواجهة عدوهم، وسيبقى العتب واللوم على المتخاذلين” وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.”
…………………..
رئيس وحدة الدراسات السورية – مركز أمية للبحوث والدراسات الاستراتيجية