د . عزالدين الكومي يكتب : ثورة يناير والتحول الديمقراطي

مما لاشك فيه أن ثورة يناير نجحت فى تحقيق بعض الأهداف التى قامت من أجلها لكنها كانت ضحية التآمر على الربيع العربى وإجهاضه داخلياً وخارجياً حتى لايحدث تحول ديمقراطى حقيقى أو تتحول الشعارات التى رفعتها الثورة من العيش والحرية والعدالة الاجتماعية إلى واقع تلمسه وتعيشه الجماهير تناغماً مع طموحاتها ..
وربما كانت هناك حالة من الاستعجال فى التحول الديمقراطى وتحقيق شعارات الثورة وهو مااستغلته الثورة المضادة والدولة العميقة التى نجحت فى لملمة صفوفها وحولت انكسارها فى يناير إلى حالة تعافي ومقاومة بل وتربص بالثورة والثوار .
ولعل ذلك مرده إلى عدة أمور منها قوة المؤسسة العسكرية وقدرتها على ملء الفراغ الذى تركه مبارك هذا من ناحية ومن ناحية ثانية تماسك الأجهزة الأمنية العميقة أو بمعنى أدق وزارة الداخلية ومعها جيوشها من قطعان البلطجية
ومن ناحية ثالثة بقيت كافة المؤسسات الحاكمة مستمرة فى عملها ولم يتم تفكيكها وبالتالى لعبت دوراً كبيراً فى الثورة المضادة وعدم تحقيق أهداف ثورة يناير.
وبالرغم من نجاح الثورة المضادة وبدعم من الدولة العميقة من إعاقة التحول الديمقراطى فى البلاد لكنها فشلت فى جر البلاد إلى احتراب أهلى وهذا يحسب للقوى الإسلامية التى فوتت الفرصة على نظام الانقلاب لإشعال الحرب الأهلية.
ومع ذلك يزعم قائد الانقلاب بأنه هو الذى منع حالة الاحتراب الأهلى من خلال محاربة الإرهاب المزعوم والتحذير من المصير التى آلت إليه بعض الدول مثل اليمن وسوريا والعراق أو حتى ليبيا .

لكن هناك عدة عوامل ساعدت فى عدم التحول الديمقراطى المنشود بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير
أولا: الكنيسة المصرية والتخوف المبالغ فيه من سيطرة الإسلاميين مما دفع الكنيسة للوقوف مع الثورة المضادة والاستنجاد بالخارج من خلال أقباط المهجر ودعم جماعات البلاك بلوك والحشد ضد الإسلاميين بالرغم من أن المشهد لم يكن مرعبًا بالصورة التي حاول بعض المسيحيين تصديرها للغرب، فالرئيس مرسي لم يتعامل مع الأقباط خارج خط الكنيسة وكانت وفود زيارات حزب الحرية والعدالة الجناح السياسي لجماعة الإخوان المسلمين إلى الكنائس لم تنقطع في مختلف المحافظات لبث الطمأنينة لدى الأقباط، لكن الكنيسة كانت ترغب بأن تكون شريكة في الحكم ويأخذ رأيها في كل كبيرة وصغيرة تخص الشأن العام واستمرار هيبة الكنيسة كدولة داخل الدولة، دولة فوق القانون لا تنفذ الأحكام القضائية الخاصة بالمسيحيين، فهي المتحدث باسم الرب وباسم كافة المسيحيين ، ومع ذلك تآمرت الكنيسة على الرئيس مرسى وشاركت فى كل الاحتجاجات والحشد ضد الرئيس وكانت داعما رئيسياً للانقلاب العسكر على الرئيس المنتخب!!
ثانياً القوى الإقليمية : كان الخوف من احتمالية صعود الإسلاميين إلى المشهد السياسي في مصر أحد العوامل المهمة التي أثارت التخوف في إسرائيل.
وقد اتفقت كلمة المحللين في وسائل الإعلام الصهيونية أن الديمقراطية في العالم العربي خطر على إسرائيل؛ فقد جاءت بحماس في الانتخابات الفلسطينية، ومن المرجح أنها ستأتي بالإخوان المسلمين في مصر في ظل انتخابات حرة، وقد كانت سياسة إسرائيل في صراعها مع العالم العربي قائمة على أنها الديمقراطية الوحيدة في المنطقة.

ولقد كان الانقلاب العسكري في مصر أكبر دليل على أن ثورة يناير كانت كارثة على إسرائيل بغض النظر عمن كان يحكم مصر بعد الثورة، فقد كانت الحرية في مصر أكبر خطر على إسرائيل وأنظمة الحكم القمعية في العالم العربي.
ثالثاً :الدور الخليجى : لعبت دول الخليج خاصة الإمارات والسعودية دوراً هاماً فى التخطيط على المسار الديمقراطى الذى نتج عن ثورة يناير وذلك بدعم السيسي للانقلاب على الرئيس المنتخب، وتقديم العون لكل أشكال المعارضة للرئيس مرسي، وخلق صورة ذهنية من خلال الإعلام المأجور لدى عموم الشعب المصري بفشل تجربة الإسلاميين في قيادة مصر،ودعم حركة تمرد بجمع آلاف التوقيعات، لرفض الرئيس المنتخب.
وقد سُربت في عام 2017 وثيقة إماراتية تسعى إلى تشكيل كتلة سياسية موالية لدولة الإمارات عن طريق دعم شخصيات سياسية، وأحزاب، ومنظمات، ووسائل إعلام معارضة للإسلام السياسي، وذلك بالاستفادة من هشاشة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي تشهدها البلاد بعد الثورة، حسب ما ذكرته قناة الجزيرة.
رابعاً : القوى العلمانية: لقد دفعت كراهية القوى العلمانية بتوجهاته المختلفة يسارية وليبرالية وقومية للإسلاميين بأن تنحاز إلى العسكر بل واستدعاء العسكر لتخليصهم من حكم الإخوان

ولقد دعمت القوى اليسارية والليبرالية الانقلاب على الرئيس المنتخب الدكتور محمد مرسى ،وانحازت للانقلاب تحت شعاراتٍ مختلفة، كالحفاظ على الدولة المصرية، ومكافحة جهود أخونتها، ومكافحة الإرهاب والتطرّف، ورفض اختطاف التيار الديني مصر ثقافياً وسياسياً.
بل إن الدكتور سعد الدين إبراهيم وهو أحد أقطاب العلمانية فى مصر قال فى مؤتمر بمركز ابن خلدون بعنوان “مآثر الديمقراطية الوطنية.. آل ساويرس نموذجا” بتاريخ 11 من مارس 2013 بعودة الجيش للسلطة مؤقتاً ليكون بديلاً عما أسماه حكم الضلال الإخوانى، وقال مخاطبا الحضور: من منكم يستطيع الخروج لمظاهرة تدعو الجيش لحمايتنا وتخليصنا من الضلال الإخوانى، بشرط أن يكون الحكم لمدة محدودة وشروط واضحة، خاصة أن الجيش يمثل كل فئات الشعب، كما أنه تعلم الدرس وفرق بين قيامه بمهمة وطنية نيابة عن الشعب وأن يستأثر بالسلطة؟
وقال:أعتقد لو طلبنا منه (الجيش) إنقاذنا من الضلال الإخوانى سيقوم بدوره ويتخلى عن السلطة بعد قيامه بمهمته وتسلميه البلاد بعد انتخابات حرة مدنية تحت إشراف قضائى كامل وإشراف دولى.

ولايزال سعدالدين إبراهيم ومن معه يعيشون هذا الوهم حتى هذه اللحظة
بدليل أنه بعد مرور قرابة التسع سنوات على الانقلاب العسكرى، وظهر بصورة جلية تأمر العسكر على تجربة الحكم الديمقراطي، بدعم خارجي، لاتزال ترفض القوى العلمانية الاعتذار عن دورها في الانقلاب العسكرى.
ومع ذلك نقول مازالت الثورة حية فى نفوس الشعب لأن النظام الانقلابى اقترف من الجرائم فى حق الشعب ما يستوجب القيام بثورة جديدة.
فمن القمع والقهر وانتهاك الحقوق والحريات والخراب الاقتصادى وتدمير منظومة القيم والأخلاق لدى الشعب فضلاً عن التفريط فى مقدرات وثروات البلاد من النفط والغاز وبيع أراضي الوطن -اتفاقية تيران وصنافير- والتفريط فى حقوق مصر التاريخية في مياه النيل فضلا عن التقزيم لدور مصر الإقليمى فى المنطقة.
حتماً ستبقى ثورة يناير حية وستنتصر يوماً بعدما استوعبت الكثير من دروس موجتها الأولى

شاهد أيضاً

حافظ المرازي يكتب : لهذا تخشى إسرائيل من الديمقراطية في مصر والعالم العربي

حين استفتى المعلق الإسرائيلي إيدي كوهين قراءه العرب على تويتر عما إذا كانوا يعتبرون المجند المصري محمد …