تابعت زلزال جنوب تركيا وشمال سوريا، فهالنى أصوات الصياح، والخوف والهلع والرعب، مشاهد تخلع القلوب، وتقطع نياطها. فكيف بالضحايا الذى عايشوا الزلزال؟
قلت فى نفسى هذا زلزال عادى يمكن أن يقع فى أى بلد، ومع كل هذه المشاهد المرعبة، قلت فى نفسى كيف إذا زلزلت الأرض زلزالها يوم القيامة؟
آلاف الشهداء، و آلاف الجرحى، آلاف المنازل المهدمة والشوارع المتشققة.
ورأيت الناجين ملئوا الشوارع والطرقات يحكون لحظات من الأهوال التى عاشوها فى أقل من دقيقة!
سبحان الله الذى يرسل الآيات لعباده بين الحين والآخر لردع الظالمين والمذنبين لتخويفهم وتذكيرهم .
كما قال تعالى:( وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا ).
قال قتادة- رحمه الله-إن الله يخوف الناس بما يشاء من آياته ، لعلهم يعتبرون ويذكرون ويرجعون. ذُكر لنا أن الكوفة رجفت على عهد ابن مسعود، فقال: يا أيها الناس، إن ربكم يستعتبكم فأعتبوه. أي يخوفكم بالآيات لتتوبوا إليه.
ومما لاشك فيه أن للظواهر الطبيعية أسباباً جيولوجية معروفة، لكن هذه الظواهر تحدث بأمر الله عزوجل ، فهو الذى يأمر الأرض تتحرك وتضطرب ، يريد من عباده أن يتضرعوا له، ويستكينوا له، لعله يصرف عنهم هذه الآيات.
وقال أهل العلم: “ويستحب لكل أحد أن يتضرع بالدعاء ونحوه عند الزلازل ونحوها من الصواعق والريح الشديدة، وأن يصلي في بيته منفردًا لئلًا يكون غافلًا، لأن النبى صلى الله عليه وسلم كان إذا عصفت الريح قال: “اللهم إني أسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به، وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها وشر ما أرسلت به”.
فكل ما يحدث من زلازل وبراكين وأعاصير وفيضانات – هو بسبب المعاصي والذنوب التى يقترفها العباد ، كما قال تعالى: (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ) (30) الشورى.
وقال تعالى عن الأمم السابقة: (فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) (40) العنكبوت.
وقال ابن القيم رحمه الله فى كتابه الرائع “مفتاح دار السعادة” ص221 :
“ﻭﻟﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺮﻳﺎﺡ ﺗﺠﻮﻝ ﻓﻴﻬﺎ ﻭﺗﺪﺧﻞ ﻓﻲ ﺗﺠﺎﻭﻳﻔﻬﺎ ﻭﺗﺤﺪﺙ ﻓﻴﻬﺎ الأﺑﺨﺮﺓ ﻭﺗﺨﻔﻖ اﻟﺮﻳﺎﺡ ﻭﻳﺘﻌﺬﺭ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﻤﻨﻔﺬ أذن اﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻟﻬﺎ ﻓﻲ اﻻﺣﻴﺎﻥ ﺑﺎﻟﺘﻨﻔﺲ ﻓﺘﺤﺪﺙ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺰﻻﺯﻝ اﻟﻌﻈﺎﻡ، ﻓﻴﺤﺪﺙ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﻟﻌﺒﺎﺩﻩ اﻟﺨﻮﻑ ﻭاﻟﺨﺸﻴﺔ ﻭالإﻧﺎﺑﺔ ﻭالإﻗﻼﻉ ﻋﻦ ﻣﻌﺎﺻﻴﻪ ﻭاﻟﺘﻀﺮع إﻟﻴﻪ ﻭاﻟﻨﺪﻡ، ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻝ ﺑﻌﺾ اﻟﺴﻠﻒ ﻭﻗﺪ ﺯﻟﺰﻟﺖ الأﺭﺽ: إﻥ ﺭﺑﻜﻢ ﻳﺴﺘﻌﺘﺒﻜﻢ.
ﻭﻗﺎﻝ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ اﻟﺨﻄﺎﺏ ﻭﻗﺪ ﺯﻟﺰﻟﺖ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻓﺨﻄﺒﻬﻢ ﻭﻋﻈﻬﻢ ﻭﻗﺎﻝ: ﻟﺌﻦ ﻋﺎﺩﺕ ﻻ اﺳﺎﻛﻨﻜﻢ ﻓﻴﻬﺎ”.
و ذكر ابن أبي الدنيا عن أنس بن مالك:( أنه دخل على عائشة هو ورجل آخر ، فقال لها الرجل : يا أم المؤمنين حدثينا عن الزلزلة ؟ فقالت : إذا استباحوا الزنا ، وشربوا الخمور ، وضربوا بالمعازف ، غار الله عز وجل في سمائه ، فقال للأرض : تزلزلي بهم ، فإن تابوا ونزعوا ، وإلا أهدمها عليهم ، قال : يا أم المؤمنين ، أعذابا لهم ؟ قالت : بل موعظة ورحمة للمؤمنين ، ونكالاً وعذاباً وسخطاً على الكافرين ..) الجواب الكافي ص 87-88.
وقال رسول لله صلى الله عليه وسلم:( إذا ظهرت المعاصي في أمتي عمهم الله بعذاب من عنده، فقلت يا رسول الله: أما فيهم يومئذ أناس صالحون؟ قال: بلى . قلت: كيف يضع بأولئك؟ قال : يصبهم ما أصاب الناس . ثم يصيرون إلى مغفرة من الله ورضوان).
وكتب عمر بن عبد العزيز إلى الأمصار:( أما بعد؛ فإن هذا الرجف شيء يعاتب الله عز وجل به العباد ، وقد كتبت إلى سائر الأمصار أن يخرجوا في يوم كذا ، فمن كان عنده شيء فليتصدق به؛ فإن الله عز وجل قال : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى* وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى)) وقولوا كما قال آدم :(( قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ). وقولوا كما قال نوح : (( وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين )). وقولوا كما قال يونس : (( لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين )). الجواب الكافي ص88.
فالوا : يجب عند وقوع الزلازل وغيرها من الظواهر الطبيعية المبادرة بالتوبة إلى الله سبحانه ، والضراعة إليه وسؤاله العافية ، والإكثار من ذكره واستغفاره، والاتعاظ بهذه الحوادث، التى ما وقعت إلا لتنبيه الناس وتحذيرهم، ولهذا ، فإن النبى صلى الله عليه وسلم قال عند الكسوف:(فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكر الله ودعائه واستغفاره ).
وأخيرا يجب أن لا ننسى أن الزلازل من أشراط الساعة التي أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم في آخر الزمان ، عندما قال(لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم ويتقارب الزمان وتكثر الزلازل ، وتظهر الفتن ، ويكثر الهرج ” قيل وما الهرج يا رسول الله ؟ قال:( القتل القتل )).
اللهم ارفع عنا البلاء والزلازل والبراكين وجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم احفظ عبادك المسلمين وارحمهم والطف بهم ياعلى ياعظيم. اللهم احفظ تركيا وسوريا وسائر بلاد المسلمين.
