أجرى الحوار: عاطف الطيب
■ السيسي ينفذ أجندة تفتيت مصر وجرها نحو الحرب الأهلية
■ صراع العسكر مع الثورة صراع وجود.. وبقاء السيسي معناه تدمير آخر الجيوش العربية
■ من يؤمن بقيم 25 يناير ومبادئها ويسعى لتحقيق أهدافها فلينضم للميدان
■ من خرج من مصر لا يطلب ممن في الداخل ما لا يطيقون
■ الجميع تعلم من مرارة تجربة الانقلاب .. وفضائيات “المقاومة” إمكانياتها محدودة
الدكتور “عصام عبد الشافي”، باحث وأكاديمي مصري، دكتوراه الفلسفة في العلوم السياسية، له العديد من الاسهامات الفكرية والبحثية في العلوم السياسية بصفة عامة والعلاقات الدولية بصفة خاصة، تتوزع بين الكتب المطبوعة والدراسات المنشورة وعشرات الحوارات والتحقيقات والمقالات، والبحوث وأوراق العمل المقدمة فى أكثر من ثلاثين مؤتمرا علمياً في عدد من الدول العربية والأجنبية.
يعمل أستاذاً للعلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة رشد التركية، من مؤلفاته: البعد الديني في السياسة الأمريكية تجاه المملكة العربية السعودية (2013)، السياسة الأمريكية والثورة المصرية (2014).
** لماذا يجب على المصريين أن يثوروا ضد “السيسي” الآن؟
أسباب الثورة كثيرة ومتعددة، لعل في مقدمتها أنه جاء بطريقة تتناقض جذريا والشرعية الثورية ومكتسباتها، وقام اعتمادًا على قوة العسكر بالاستيلاء على السلطة وإهدار إرادة المصريين التي تم التعبير عنها في العديد من الاستحقاقات التي شهد العالم بنزاهتها وشفافيتها, هذا أولا.
ثانيًا: أن التغيير إلى نظام حكم عسكري لا يستقيم وتحولات العالم نحو ترسيخ قيم الديمقراطية والمدنية، والتعددية، فلا مجال للعسكر في العمل السياسي، وليس مقبولاً في دولة بحجم ومكانة مصر، وفي مرحلة ما بعد ثورة أن تحكمها مؤسسة عسكرية، وتتخلى عما يجب أن تقوم به هذه المؤسسة من مهام.
ثالثاً: أن استمرار هذا النظام في الحكم من شأنه أن يؤدي لتدمير المؤسسة العسكرية، وإغراقها في قضايا مدنية، وفي صراعات داخلية، وهو ما سيترتب عليه تدمير آخر الجيوش الوطنية في المنطقة بعد تدمير الجيش العراقي والسوري والجزائري.
رابعاً: أن هذا النظام تقف خلفه مجموعة من القوى الإقليمية وجاء لتنفيذ أجندة خارجية، من شأنها تفتيت هذه الدولة وجرها نحو الحرب الأهلية.
خامساً: أن ممارسات هذا النظام منذ 3 يوليو وحتى الآن تكشف كم الدماء التي أريقت والحريات التي انتهكت والمقدسات التي تم تدميرها، وليس مقبولاً على الإطلاق أن يستمر نظام مارس كل هذه الجرائم.
تخويف ونشر الفزاعات
** لماذا حُمىّ التخويف والتفزيع من دعوات النزول للشارع، سواء في 25 يناير أو بعده؟
هذا النظام يدرك مدى ضعفه، يدرك مدى هشاشته، يدرك أن كل من يحتمي بهم خونة ومرتزقة، يدرك أن كل داعميه سيتخلون عنه فور سقوطه، يدرك أن صراعه مع الثورة صراع وجود وأنه لا بقاء له مهما طال الزمن، ولذلك يستخدم كل أدواته وقدراته العسكرية والأمنية والإعلامية، ورموز فساده للتخويف، حتى يطيل بقاءه، ولكن لن يبقى ولن يستمر.
** هل معسكر الثورة في حالة جيدةٍ، وقادر على مجابهة الانقلاب؟
الثورة ليست معسكراً، الثورة إرادة أمة، الثورة صمود ميادين، الثورة ملايين تحلم بالحرية والعزة والكرامة، الثورة لن تحدها حدود ولن ترتبط بمعسكرات، للثورة ميادينها، ومن يؤمن بقيمها ومبادئها ويسعى لتحقيق أهدافها فلينضم للميدان، داخل مصر أو خارجها، أياً كانت توجهاتهم الفكرية والسياسية أو اهتماماتهم العملية.
** هل تولت أجهزة الأمن والمخابرات والإعلام تضخيم ذكرى 25 يناير الخامسة؟ ولماذا؟
منطقي وطبيعي أن تعمل على التضخيم من باب التخويف ونشر الفزاعات وتصدير الأزمة للمواطنين البسطاء وتهديد احتياجاتهم، لأنها كما ذكرت سابقاً تدخل في صراع وجودي مع قوى الثورة.
** لماذا تتصدر جماهير قوى الإسلام السياسي المشهد، ولماذا يتوارى رفاق الميدان كـ 6 أبريل مثلا؟
الأمر لا يرتبط بصدارة المشهد أو بالتواري، ولكنه يرتبط بالقدرة على الصمود والإصرار والعزيمة، كما يرتبط باختلاف القدرات والإمكانات، وبالقدرة على الثبات على المبادئ، والقدرة على الدفاع عن القضية، والقدرة على احترام الحقوق والحريات، والقدرة على الحشد والتعبئة، والقدرة على التعاطي بفاعلية مع من يختلف معك في الرؤية أو المنهج.
** البعض يتهم المعارضين بالخارج بلعب دور “المتفرج الأنيق”، بينما تحملون ثوار الداخل ما لا يطيقون؟
ابتداءً لست مع ثنائية الداخل والخارج، لأن من تركوا مصر تركوها حتى يجدوا الفرصة والقدرة على الدفاع عن القضية وفضح ممارسات وجرائم العسكر، وإلا ما قيمة أن يكون الجميع موجوداً في مكان وهو مشرد داخله، ولا يقوم بما يجب أن يقوم به.
ثانياً، الحديث عن المتفرج الأنيق لا محل له، وتعبير لا يليق في حق الأغلبية الكاسحة ممن أجبروا على ترك مصر، فظروف عشرات الآلاف منهم أسوأ مما يتخيله الكثيرون، بعضهم لا يجد قوت يومه، ومعظمهم يعيش مهاجرا ومتنقلا من مكان إلى آخر بسبب قوانين الإقامة واللجوء والاعتبارات الأمنية والإنسانية.
ثالثاً، من خرج من مصر لا يطلب ممن في الداخل ما لا يطيقون، فقط الصمود والقيام بما يستطيع، الله سبحانه وتعالى لا يكلف نفساً إلا وسعها، فكيف يكلف بشرٌ بشرًا غير ما يطيق؟ فقط يبذل كل منا ما يستطيع، في حدود قدراته للدفاع عن هذه الثورة وقيمها ومبادئها، لأن في نجاحها حماية لحاضر هذا الوطن ومستقبله.
القبول بالواقع
لماذا لا تقبلون بالأمر الواقع وتمارسون لعبة المعارضة بدلا من الثورة، كما كان الوضع في سنوات مبارك؟
التاريخ لا يعود للوراء، وليس سهلا على من ذاق الحرية وشعر بمكانته، أن يعود ليعيش عبداً ذليلاً تحت أقدام مجموعة من الظالمين الفاسدين المجرمين.
** ماذا لو أخفق حراك 25 يناير ولم يسقط الانقلاب؟
الثورات لا ترتبط بأيام أو شهور أو سنوات، الثورات لا ترتبط بأماكن أو مسميات، الثورة في القلوب والعقول ولن تموت، الثورة مستمرة لأنها أصبحت مشعل الحرية والكرامة، ولن يوقف جذوتها كائنٌ من كان.
** لماذا يصرّ إعلام السيسي على أن كل متظاهر ينتمي لجماعة الإخوان، “الإرهابية”؟!
لأن هذه هي الفزاعة التي تضمن له مزيدًا من الدعم الخارجي الإقليمي والدولي، ولأنه يدرك حجم وتأثير الإخوان، ولذلك يسعي لتشويه الصورة الذهنية لهم، معتقداً أنه بذلك يمكن أن تستقر له الأمور.
** في ظل تهديد واضح وصريح بقتل المتظاهرين، ما تقييمك لمواقف أشخاص مثل “البرادعي” حيال ذلك الأمر، وهو من دعا للخروج والتظاهر ضد الرئيس محمد مرسي، وطلب من المجتمع الدولي حماية المتظاهرين في 30 يونيو 2013؟
البرادعي وغيره في مواقفهم حتى الآن، ومنذ انقلاب انقلاب 3 يوليو لا يستحقون التعليق عليهم، وإهانة كبيرة أن نضيع أوقاتنا وجهدنا في الحديث عن شخصيات ارتضت لنفسها أن تكون في هذا الموضع.
** لماذا تعولون على المجتمع الدولي في اسقاط الانقلاب، وبماذا تفسر زيارة مدير وكالة المخابرات الأمريكية للسيسي قبل أيام من 25 يناير؟
التعويل بعد الله سبحانه وتعالى ونصره وتوفيقه، على الثائرين الصامدين في الميادين فقط، وليس على المجتمع الدولي أو غيره، ولكن الحراك الشامل وفق منظومة متكاملة يفرض عليك أن تأخذ بكل الأسباب وتطرق كل الأبواب دفاعاً عن ثورتك وحماية لها، وفضحاً لممارسات النظام العسكري الحاكم في مصر.
** كيف تقرأ مشهد إعلام الانقلاب الذى يروج لعداوة أمريكا للسيسي، ودعمها للإخوان المسلمين؟
لا قيمة لما يقومون به، هم مجرد أدوات للتهليل والتضليل، والكذب والخداع. الولايات المتحدة الداعم الأول للعسكر في مصر، وهو ما كشفته بالوثائق والمستندات والتصريحات الرسمية الأمريكية في كتابي عن السياسة الأمريكية تجاه ثورة يناير، هذا من ناحية، من ناحية ثانية، هؤلاء كشفت الوثائق أنهم يرتبطون بروابط فساد مالي وأخلاقي بدوائر أمنية ومخابراتية ليست بعيدة عن توجيه وإشراف الأجهزة والمؤسسات الأمريكية، وما يقومون به، في كثير منه يكون من تخطيطها وتوجيهها.
** لماذا لا نجد فضائية للثورة بالخارج في قوة وحضور الجزيرة، أو بالأحرى لماذا لا تراجعون إعلامكم، وتستعينون بخبرات الآخرين؟
الفارق كبير في الإمكانيات والقدرات والظروف، المادية والبشرية والسياسية، والعاملون في قنوات المقاومة ضد الحكم العسكري يجتهدون في حدود الإمكانيات، هذا لا ينفي أن هناك قصورًا كبيرًا، ولكنه أيضاً لا ينفي أن هناك جهودًا تبذل، وأن هناك نماذج تستحق التقدير، الجميع تعلم من مرارة تجربة الانقلاب، والجميع مطالب أن يعيد النظر في سياساته وممارساته، وتوزيع الأدوار والتنسيق في الجهود والممارسات، وخاصة مع ندرة الإمكانيات.
** كيف تقرأ المشهد بعد مضي 5 سنوات على الثورة، وثلاث سنوات على الانقلاب، وما نصيحتك للثوار؟
ثورتكم أنتم حماتها، ثورتكم ليست دفاعاً عن شخص أو كيان أو تيار، ولكنها دفاع عن أمة، عن وطن، عن دين، عن قيم، عن حاضر ومستقبل، عن حقوق شهداء، عن آلام مطاردين ومشردين، عن نساء ترملت، وحرائر اغتصبت، وحرمات دنست، وكرامات أهينت، ثورتكم دفاع عن أن تعيش إنساناً كما خلقك الله، حراً كريماً، واثقًا من نصر الله وتوفيقه، مخلصًا له النية، ومستمدًا منه السداد والثبات.