د. علي العتوم يكتب: مقر حزب جبهة العمل الإسلامي في الأردن إذ يحرق للمرة الثانية!

تُفاجئنا الأيام حيناً بعد حين باعتداءات على الحركة الإسلامية في مدينة المفرق الأردنية ومقرات الحركة وأشخاصها والمتعاطفين معها, كما حصل قبل أيام؛ السبت (25/6/2016م) مما يؤسِي النفس ويجرح القلب, أن تُستهدف باعتداءاتٍ أثيمة حركةٌ راشدة كالحركة الإسلامية, التي يعرف الجميع؛ حكوميين وشعبيين أنها ما كانت يوماً إلا في صف الوطن, حفاظاً على أمنه, ونشراً للعلم بين أبنائه, وبثّاً للوعي في أوساطه, وتأكيداً للوحدة بين أفراده من شتى المنابت والأصول.

والأنكى من كل ذلك والأدعى للحزن والألم أن يحصل هذا تحت سمع الحكومة وبصرها, إذ تُشعَل النيران في مكوِّنات مقر هذه الحركة؛ إخواناً وحزبَ جبهة, ويُعْرَف الفاعلون, إذ يُشاهَدُون وهم يضرمون النار في هذا المقر في وضح النهار, وينهبون موجوداته, وقبلها يُقمع حَراكها المطالِب بالإصلاح, ومعها العديد من كرام أبناء المفرق وقُراها وبواديها ويُعتدى عليهم اعتداءات لئيمة, ومن ثم يقدِّم أبناء الحركة شكاوى للقضاء بهذا الصدد ومنذ عدة سنوات, ولكنْ لا سميع ولا مجيب حتى الآن.

إن المفرق تعد عاصمة البادية في الأردن, ولها مكانتها المميَّزة, إذ تقع على مفترق الطرق التي تصل الأردن بمختلف الأقطار العربية المجاورة. ومن هنا جاء اسمها الحديث (المفرق) كما أنها تعد مثالاً للوحدة الوطنية, إذ تجمع في قلبها الطيب العديد من أبناء الضفتين, ومن أبناء الضفة الشرقية من مختلف أصقاعها من الشمال والجنوب, مسلمين ونصارى, ولاسيما من جاء منهم منذ القديم ليعمل في شركة نفط العراق. وهي إلى ذلك موقع عربي إسلامي قديم في سهول حوران الأثيرة, وقد ضمت العديد من رفات السلف من علماء وفقهاء وسادة وولاة, يرقدون فيها آمنين حيث اسمها القديم (الفدّين) .

لقد حُرِمت المفرق ولبعض الوقت من مواكبة التعليم الجامعي أو العالي بسبب بعدها عن المركز, وطبيعة أهلها الذين كانوا يجمعون في حياتهم بين البدوية والحضرية, وبسبب ظروفها المُناخية والمَعاشية, وأن الكثيرين من قُطّانها قادمون إليها من غيرها لكسب المعاش وإعفاف النفس. غير أنها والحمد لله ما عتّمت أن نهضت وحثّت الخُطا للحاق بأخواتها من مدن الأردن. وها هي اليوم, والحمد لله تغذُّ السير في مضمار العلم والرقي واليقظة والوعي الإسلامي والتوجّه إلى مصدر عزة هذه الأمة وهو دين الله الحنيف. فلماذا تُضار هذا الضير وتحارب هذه الحرب العوانَ ويُعتدى على أعظم مصدر للتّنور فيها وهو الحركة الإسلامية كما حصل ذلك قبل أربع سنوات, ومن ثم قبل شهرين, وهي الحركة التي لم يُعرف عن أعضائها إلا أنهم نقلة خير إلى البلد, ودعاة وحدة فيه وتآلف, وعناصر صلاح وإصلاح؟!

لقد احتملت الأردن لسنوات عديدة وقد يكون لعقود وهي تسعى للتمكن السياسي والعمل على نيل الاستقلال, في ظروف دولية وإقليمية حرجة على الرغم منها, أنْ يكون في المفرق هذه المدينة, مطارٌ يسيطر عليه الإنجليز وهم من مكّن لليهود في فلسطين وكانوا ضد مصالح الأردن الحيوية, أفلا تحتمل إزاءَ ذلك, إقامة مركز للدعوة إلى الإسلام فيها, وهو دين البلد, بل دين الثقلين, وبأساليبَ كلها سماحة ويُسر واعتدال, يقوم عليه نفر من خيرة أبناء المفرق الشباب علماً ووعياً ورَشاداً وخُلقاً, ولا أزكيهم على الله؟.

إن الجواب على ذلك ليس إلا أنَّ هناك أيدياً غريبة وشخوصاً مريبة لا تحب لهذا البلد حياة الطمأنينة والأمن, بل تقصد – بأمور تُدَبَّر بليل – إلى تخريبه وإفساد أوضاعه, وتصييره مسرحاً للفوضى والاضطراب.

ألا تضع الحكومة, ومن أوائل مواد دستورها أن الإسلام دين الدولة, في أولى أجنداتها أن تعمل على احترام هذه المادة لتكون صادقة مع نفسها ومع شعبها وقبل كل شيءٍ مع ربها سبحانه, حتى يُكتب لها التسديد والوفاق لا الخيبة والإخفاق؟! أولا تعلم أن هذه المدينة الفاضلة؛ المفرق, هي التي مر بجانبها رسول هذا الدين العظيم محمد بن عبد الله عليه صلوات الله وسلامه, إلى بُصرى الشام متاجراً, فأضفى عليها وعلى كُلِّ مكوِّناتها البركة كل البركة؟

إنه كما يؤلمنا نحن في الحركة الإسلامية أن تُراق أية قطرة دم لأحد أبناء العروبة والإسلام في أي مكان, وكما آلمنا ويؤلمنا أن يُعتدى على بعض مواطنينا من العسكر فيُقتلون داخل البلد أو خارجه أو على حدوده كما حصل قبل أيام, فإنه يؤلمنا وبالقدر نفسه أن يُعتدى على مقراتنا في أي جهة في الأردن بإغلاقها أو المساس بها بلْهَ إحراقها والعبث بواجهاتها أو نهب بعض موجوداتها, لأن الاعتداء هو اعتداء, وتجاوز للحق, وتجاوُزُ الحق ظلم, والظلم مرتعه وخيم, وإلا كنا نكيل بأكثر من مكيال. وعندها نكون من المطففين الذين أنزل الله فيهم سورة تهجوهم أمرَّ الهِجاء وأقذعه بقوله: (ويْلٌ للمُطَفِّفِينَ). ونحن نربأ بالحكومة أن تكون كذلك, لأننا لا نحب لها أن تُؤذى بثمن بخس, أو تشتري لنفسها الطلاح بالصلاح, ورضا الله بغضبه!

إن “المفرق” وهي بلد العشائر الأردنية الكريمة, من بني حسن والسردية والسرحان وبني خالد والعيسى وعشائر الجبل والسرور وشمّر والخريشة والعنزة والشعلان والعظامات, وأبناء الضفة الغربية والسبعاوية وأبناء القرى من شمال الأردن وجنوبه وغيرهم, وإنها وهي بلد المجاهدين العراقيين الذين كانوا يهبون كلما حَزَب فلسطين أمر لنجدتها, أجل إن المفرق هذه يجب أن تُحترم ومن أوائل معالم احترامها احترام أبنائها من أعضاء الحركة الإسلامية وهم منها وإليها, وألا يُستكثر عليها أن يُؤسس فيها للحركة الإسلامية مراكز تنوير, تحارب الجهل والجهالة والأمية, وتنشر الوعي الإسلامي في ربوعها, وإلا كنا مساعدين على الخراب وساعين له, وكمن يسوق نفسه بنفسه إلى حتفه بظلفه!

إنني أطالب المسؤولين في الحكومة الأردنية بمختلف مؤسساتها وهم أبناؤنا, أن يرفعوا أيديهم عن الحركة الإسلامية وعن مقراتها, فهي مقرات للوطن ومؤسسات فيه جاءت كلها بشكل قانوني وحسب الأصول, وإلا فقدنا المصداقية. وهذه في الحقيقة خطيئة لا تعدلها خطيئة, لأنها تستتبع بالحتم فقد الثقة. كما أطالب بإجراء تحقيقات جادة في قضية الاعتداء الذي حصل, والضرب بيد من حديد على يد العابثين بالمؤسسات الخيّرة, فنحن في دولة قانون ومؤسسات. كما أطالب أن يُصدر القضاء حكمه العادل في الشكاوى المقدمة من الحركة سابقاً, أيام الاعتداءات الأولى عام (2011م) والعودة عن الإغلاق الذي جرى قبل شهرين وذلك في (14/4/2016م), إذ كل ذلك – كما هو لصالح الحركة الإسلامية – هو في الحقيقة لصالح البلد ومؤسساته ومواطنيه.

اللهم اشهد اللهم إني بلغت …

شاهد أيضاً

عادل صبري يكتب : مصر.. انتخابات الصحفيين مجرد “صدفة” أم زلزال لتصحيح المسار؟!

ألقت نتائج انتخابات نقابة الصحفيين في مصر بحجر ضخم في بحيرة راكدة منذ سنوات. اعتقد …