بكل بجاحةٍ ووقاحةٍ، وبلادةٍ، ينشر الإسرائيليون صور المجرم عميرام بن اورليئال الذي حرق عائلة الدوابشة وقتلهم، وهو يحمل ابنه بين يديه، يدللـه ويداعبه، ويلاطفه ويضحك له ويناغيه، كأنهم يقولون إنه لا يمكن لهذا الأب الحنون أن يكون قاتلاً مجرماً، وكأن التهمة الموجهة إليه باطلة، وأنه برئٌ من جريمة حرق عائلة الدوابشة، وأن الفلسطينيين ظلموه وأخطأوا في حقه، فقد تكون هناك ملابساتٌ خفيةٌ تبرر ما قام به، وتجيز ما ارتكبه هذا الأب الشفوق الرفيق الرقيق.
كنا نسمع قديماً عن حكم قراقوش ونستغربه وأحياناً نكذبه، إذ كيف لحاكمٍ أن يعاقب بريئاً بتهمة آخر، ويعفو عن المجرم وينزل عند رأيه ويأخذ بنصحه فيستدعى آخر من بيته ويعاقبه نيابةً عن المجرم، لكن العدو الإسرائيلي جعلنا نؤمن بقراقوش ونصدقه، ونعترف بأن منهجهما واحد وكتابهما مشترك، وكأنهما يغرفان من مستنقعٍ واحد.
يدافع الإسرائيليون عن المجرم عميرام بأنه أبٌ لطفلٍ صغير يحنو عليه ويحبه، وأنه ما زال شاباً صغيراً لا يعي من الحياة الكثير، فهو لم يتم بعد عامه الحادي والعشرين، ولم يستقل في حياته إلا قليلاً، وهو يتطلع إلى حياةٍ آمنة ومطمئنة، وقد نفت المحكمة عنه أي ميول عدوانية أو أفكار عنصرية، إذ لا تنسجم هذه الأفكار المقيتة والتهم الغريبة مع شابٍ مقبلٍ على الحياة، مفعمٍ بالحيوية، ويملأ قلبه الأمل بتربية ولده وتنشئته، والاهتمام بمستقبله.
أما شريكه في جريمة الااعتداء على البيت وإحراق الأب والأم والأولاد، وإن غاب عن مسرح الجريمة وقت التنفيذ فإنه كان مخططاً لها، فقد وصفته المحكمة بأنه قاصر، وأن الأحكام لا تجري عليه، ولا يجوز معاقبته أو محاسبته في هذا السن غير المسؤول، حرصاً على نفسيته ومراعاةٍ لطفولته، في الوقت الذي تحاكم فيه الأطفال الفلسطينيين وهم دون العاشرة، وتصنف من هم فوق الرابعة عشر من عمرهم بأنهم بالغون راشدون ومسؤولون عن أعمالهم, محاسبون على أفعالهم.
جريمة العصابة الإسرائيلية العنصرية المتطرفة ليست أداةً حادةً كانوا يحملونها، أو سكين مطبخٍ كانوا يخفونه، أو مسطرةً مدببة كانوا يحتفظون بها في حقائبهم، أو صورةً علقوا عليها إعجاباً واستحساناً، كما أنها ليست نيةً كانوا يخفونها في صدورهم، أو تفكيراً كان يرواد مخيلتهم، أو دعاءً كان يتردد على ألسنتهم، ولا أنهم ركنوا سيارتهم على الطريق، أو أسرعوا بها على الطريق السريع، وغير ذلك مما يتهمون به الفلسطينيين ويقتلونهم أو يحاكمونهم عليه.
إن جريمة هذه العصابة أنها هاجمت منازل عربية فلسطينية آمنة مطمئنة، وكتبوا على جدرانها عباراتٍ عنصرية معادية للعرب، ثم أضرموا النار في واحدٍ منها، فأسفر الحريق عن مقتل طفلٍ رضيع ووالديه بعد ذلك، وإصابة شقيقه بجراحٍ بالغةٍ لا يزال يتلقى العلاج على أثرها، ثم جاؤوا بصورة القاتل يحمل طفله الصغير، ليقولوا عنه إنه بريءٌ مما نسب إليه، وأن الحادثة تحتاج إلى توصيفٍ آخر يناسب الظرف ولا يظلم المتهم، كما أن المتهم في حاجةٍ إلى فترة راحةٍ بعيداً عن ضغوط الشرطة وقسوة الاتهامات الموجهة إليه!
بل إن من الإسرائيليين من حمل على الفلسطينيين واتهمهم بتهويل الحادثة، وتحميلها أكثر مما تحتمل، وأنها لم تكن سبباً في اندلاع الانتفاضة الفلسطينية، بل إن عمليات التحريض والتعبئة التي قامت بها أطرافٌ فلسطينية ووسائل إعلامها، هي التي كانت السبب في تفجر أعمال العنف، ولو أن الفلسطينيين تعاطوا مع الحادثة التي “دانتها الحكومة وشجبتها” بهدوء وعقلانية، لما تطورت الأوضاع لما هي عليه الآن.
الحقيقة أن عميرام بن أورليئال قد بيت النية بالقتل، واستعد لهذا اليوم، وخرج من بيته وفي نيته أن يقتل أسراً فلسطينيةً بأكملها، ولم يكن في نيته أن يستثني الأطفال أو النساء، بل ألقى بقنبلته الحارقة التي حملها معه إلى البيت المأهول، وانتظر حتى اشتعلت فيه النيران، ومن قبل كان قد كتب على الجدران عباراتٍ عنصرية حفظها وأعدها مع علب الطلاء التي أحضرها معه ليكتب بها.