د. نبيل العتوم يكتب: خطاب الكراهية والتحريض الإيراني .. الأمثال الشعبية نموذجاً

تعتبر الأمثال الشعبية من أبرز عناصر الثقافة الشعبية, وهي  مرآة لطبيعة ومعتقدات الشعوب، تعكس نمط تفكيرهم، ورؤيتهم للآخر، وموقفهم تجاهه، وهي ذات أهمية نظراً لتغلغلها في جزء مهم ومحوري من جوانب حياتهم، حيث تعكس الأمثال المواقف المختلفة تجاه الآخر, وتقدم رؤية  واضحة ومعبرة تجاهه  .

 الأمثال الشعبية التي يتندر بها الإيرانيون على العرب؛ أو من يحبون أن يطلقوا عليه ” أعراب” تُساهم في تشكيل أنماط اتجاهات وقيم المجتمع الفارسي بقيمه المذهبية والقومية، وتعكس طبيعة التكوين الفكري والتربوي والأيديولوجي، مما يجعلها محوراً أساسياً لاهتمامنا، من حيث بداية هذه الأمثال الشعبية ونشأتها، ودرجة, وسعة انتشارها بين العامة والخاصة. 

ويعود سر انتشار الأمثال الإيرانية عن العرب ” الأعراب ”  إلى جملة خصائص ودوافع؛ أهمها الكره الدفين للقومية العربية، فكثير من الأمثال الإيرانية المعروفة قديمة الجذور، وقد طرأ عليها بعض التعديل والتحريف على معانيها وألفاظها، و ما تفرزه من حكايات أو نكات شعبية، يتم تداولها وإسقاطها على الواقع، ومنها ما استمد من كتب التاريخ والأدب  الفارسي الذي يتقاطع مع العرب وأدبهم، وهي  عبارة عن عصارة تجارب وممارسات عديدة كان يلجأ إليها الأديب والمؤرخ الفارسي للتعبير عن مواقفه من العرب، وقوميتهم وحضارتهم وتاريخهم، بل ودينهم أيضاً .  

ومن أبرز هذه الأمثال  الشعبية الإيرانية الدارجة :

“برو آنجا که عرب نی انداخت

اذهب هناك حيث العربي رمى عود القصب !

يقال هذا المثل في حال الغضب, ولتوضيح صورة هذا المثل ودلالاته ومغزاه ومتى يقال – كما ورد على لسان الإيرانيين أنفسهم – يحدث أن خادمًا يهدد مخدومه بأنه سيترك محل الخدمة. يخرج  هذا الخادم من البيت بسبب الخصام، حيث يقال له بنبرة التهديد والوعيد: اذهب هناك حيث العربي رمى عود القصب.

 الآن ما المقصود بالعربي، وما عود القصب، وكيف كان الرمي، ولماذا جعلوا من هذه العبارة مثلا؟ . يفسر الإيرانيون ذلك على النحو التالي :

الأشخاص المطلعون الذين لهم معلومات وافية عن تاريخ العالم القديم، والذين هم على دراية بوضع جغرافية شبه الجزيرة العربية يعرفون أن صحراء العرب مناطق شاسعة وقاحلة، لا حضارة فيها، ولا سبل حياة متطورة، ومن كان يتعرض للتيه فيها محكوم عليه بالموت، لذلك امتهن البعض من العرب مهنة رمي العود ” الرمح” في الصحراء القاحلة البعيدة عن الحضارة والعمران، حيث كانوا يلقون عودهم  تجاه الشمس وقت النهار، لمعرفة التوقيت، وعندما يصطدم بنور الشمس يعرفون اليوم والساعة، كناية عن الاستهزاء بعقول بعضهم . لذلك فإن مثل (اذهب هناك حيث العربي رمى عود القصب) كناية عن مكان قاحل ومنطقة جرداء، لا حضارة  ولا عمران فيها، أي اذهب إلى مكان لا تعود منه أبداً. والمثل يؤخذ على محمل الاستهزاء بالعرب.

“نه شير شتر نه ديدار عرب”

ومعناه: لا حليب الناقة ولا لقاء العربي

 هذا المثل من الأمثال الشعبية الدارجة في إيران، ويفسره الإيرانيون بقولهم: كانت عائلة قبلية وعربية تعيش في صحراء، حيث ينصب أفرادها خيمة ويعملون في رعي ماشيتهم، وفي إحدى الليالي صبوا كمية من حليب الناقة في وعاء ووضعوه في قلعة، ومن المفارقات التي حدثت في تلك الليلة أن حية كانت بالقرب من المكان تنام على كنز، ومرت من تحت القلعة، فشربت الحية الحليب من الوعاء، وعوضاً عن ذلك أحضرت قطعة ذهب، ووضعتها في ذلك الوعاء .

في الغد عندما أفاق أفراد القبيلة من نومهم، ورأوا قطعة الذهب في وعاء الحليب سعدوا كثيراً، وفي الليلة التالية صبوا حليب الناقة في الوعاء، ووضعوه في نفس مكان الليلة الماضية. جاءت الحية أيضا ًوشربت الحليب ووضعت في الوعاء قطعة الذهب، ثم ذهبت .

هذا العمل تكرر عدة مرات، حيث خطر بفكر ذلك العربي أنه من الأفضل أن يكمن ويمسك بالذي يجلب قطع الذهب، وأن  يأخذ جميع الذهب؛ ويحصل على الكنز . لما جاء الليل كَمُنَ الرجل العربي، وفي منتصف الليل رأى الحية ، هي التي جاءت، فضربها بالفأس من أجل أن يقتلها، وبدلاً من أن يقع على رأس الحية قطع ذنبها،  فهربت على الفور.  نام الرجل العربي لتعود الحية وتلدغ إبنه الشاب؛ وعندما أفاق من النوم رأى ابنه الشاب قد مات، فقام بدفنه في التراب، ورحل من تلك الصحراء .

بعد عدة سنوات، حدثت حالة من القحط  وماتت أغلب الماشية التي كان يمتلكها العربي؛ فتشاور مع زوجته، للعودة للصحراء التي كانت الحية تجلب له فيها قطع الذهب .

فعلاً عادوا إلى نفس الصحراء، ومثلما حدث في الماضي،  وضعوا حليب الناقة في وعاء, وجلسوا ينتظرون إلى أن جاءت الحية، ولكنها لم تشرب الحليب، وقالت : ” اذهب أيها المسكين قد أضعت عقلك، فأنت لم تتذكر ابنك الذي مات، وأنا لا أتذكر الذنب الذي اقترفته بقتله،” فلا حليب الناقة ولا لقاء العربي”.

“عرب شكم وزير شكم است”

العربي بطنه وما تحت بطنه

  وهذا المثل كناية عن أن العرب قوم لا يعرفون إلا الأكل والشهوات.

والنتيجة من عرض بعض الأمثال الشعبية  بهذه العجالة يُظهر لنا كيفية احتقار الإيرانيين للعرب وإظهارهم بأنهم بدو جهلة, قطنوا الصحراء، بلا حضارة أو مدنية، وأنهم عبدوا الشهوات، حيث تعكس الأمثال الشعبية الإيرانية صورة العربي، وتعبر عن الفكر المسبق الذي يتم التوسل به لتفسيرها، وفق ما تم غرسه في وجدانه وهذه جاءت ثمرة التنشئة ذات الطابع التشويهي التي أسهمت فيها وسائل متعددة تاريخية، ومذهبية وأيدلوجية وفكرية، لتسهم  بمجموعها في  تركيب هذه الصورة المشوهة للعرب .

………………………………….

رئيس وحدة الدراسات الإيرانية – مركز أمية للبحوث والدراسات الاستراتيجية

شاهد أيضاً

د. عطية عدلان يكتب : الشعب المهضوم والوُعَّاظ الغلاظ.

لا يذهبنّ بك الظنّ بعيدًا، فلست بمتحدث عن الواعظين الذين يتشددون في وعظهم ويسرفون في …