مع شدة الضغوط النفسية التي تراكمت على مدار سنوات الاستبداد والقهر السياسي في عالمنا العربي، ومع ازدياد الصور المأساوية المستفزة من فلسطين وسوريا واليمن والعراق وليبيا ونحوها، انتشرت في الجغرافيا العربية أنماط جديدة من الأمراض النفسية والعوارض السلوكية السلبية التي بدأت تأخذ شكل الظاهرة المجتمعية .
أولى هذه الظواهر ظاهرة الضغط النفسي، والغضب، وضيق الصدر من توافه الأمور فضلاً عن عظائمها، وحالات العنف داخل الأسرة كانعكاس للحالة النفسية الضاغطة في خارج البيوت، وما استتبع ذلك من حالات الطلاق والعنف ونحوها، وهذه الظاهرة تستوجب من الإعلاميين والسياسيين والنخب أن يوجدوا مناخاً للتفكير الايجابي، وملاذاً التنفيس عن الضغوط والكروب النفسية خشية انفجارها في المجتمع.
الظاهرة الثانية التي ينبغي علاجها والانتباه من خطرها هي ظاهرة الحسد، والنظر للآخرين بصورة مقيتة تخلو من المحبة والود، فمن أنعم الله عليه بالمال يحسد من عنده الاولاد، ومن عنده الصحة يحسد المرتاح في أسرته، والفقير ينظر للغني، والغني ينظر للذي هو أغنى منه، وننسى أن الحسد لن يزيد في صحتنا ورصيدنا وما كتبه الله لنا غير مزيد من الكرب والضغط النفسي .
أما الظاهرة الثالثة، فهي ظاهرة الإعاقة الفكرية، وحروب الجهلة والمعاقين ضد النخب في المجتمع، وهي ظاهرة تتفاعل في المجتمع بصورتين اثنتين، الأولى: حروب التشهير المدعومة من الأنظمة السياسية ضد المعارضين، أو من التيارات السياسية والفكرية ضد بعضها البعض.
والصورة الثانية، صورة الحقد الفردي والشخصي، الذي قد يبدأ بين جارة وجارتها، ويصل لحد التشويه لإنسان للفت نظره أو ليقال له: نحن هنا .
خلال الأشهر الأخيرة جمعتني عدة لقاءات مع أصدقاء وزملاء إعلاميين ومدراء مؤسسات ومدارس ومحلات تجارية، وقد تجاذبنا أطراف الحديث حول الموضوعات السابقة والظواهر السلبية، وهالني ما أسمعه فعلياً، فما من أحد منهم سلم من لسان ويد الحاقدين والجهلة والأنظمة السياسية العابثة والمهددة، وكل منهم له قصة لا بد وأن تؤرشف كحالة للدراسة المجتمعية .
كمثال فقط، أحد الزملاء الإعلاميين يحدثني عن حملة كاملة شُنت ضده، بلغت حد عمل فيديوهات وصور ملفقة، واستهداف مواقعه الإلكترونية، واتصالات مع أسرته وعائلته، ونحو ذلك، وبعد بحث مطول، وصل إلى أن إحدى المعجبات به تقف خلف هذه الحملة في محاولة منها للفت النظر إليها، وبالطبع التداعيات التي تترتب على ذلك غاية في الأهمية والخطورة وتهدد سلامة المجتمع برمته .
وللوقوف في وجه هذه الظاهرة، وجب على الجهات القانونية أن تطلق حملة جماهيرية للتعريف بالآثار القانونية التي تترتب على هذه التصرفات الرعناء، وهي حملة يجب على الإعلام ومؤسسات المجتمع المدني وقطاع التعليم العام أن يتطرق إليها بشكل جدي، حتى لا تستفحل بصورة أكبر .