تحت عنوان “المنفى أو السجن: ما تعرضه مصر للمنتقدين في الخارج”، كشفت منظمة “هيومن رايتس ووتش”، 28 مارس 2023 أن الحكومة المصرية تستهدف المعارضين في الخارج من خلال سفاراتها وقنصلياتها الدبلوماسية، وفق ما حصلت عليه من شهادات أفراد قالوا إنهم تعرضوا لمضايقات.
ويتزامن هذا مع صدور التقرير السنوي لمنظمة العفو الدولية، حول حالة حقوق الإنسان في العالم للعام 2022، والذي أشار إلى انتهاكات مختلفة وقعت في مصر.
وأوضحت “هيومن رايتس ووتش”، ومقرها الولايات المتحدة، أنها تحدثت إلى منتقدين ومعارضين مقيمين في قطر، وقالوا إن السفارة المصرية هناك أدخلت نظاما جديدا، منذ عدة أشهر، يلزم المصريين، بما في ذلك الرُضَّع والأطفال، الذين تقدموا للحصول على جوازات سفر أو لتحديث بياناتهم، بملء استمارات “التصريح الأمني”.
والهدف من هذا التصريح، وفقا للمنظمة، أن يتم مراجعته من قبل الأجهزة الأمنية أولا، لتعطي الإذن بالموافقة على إصدار جواز السفر.
لكن هذا الإجراء غير قانوني، ولا تنص عليه القوانين المصرية، بحسب ما ذكرت المنظمة، التي أوضحت أن “نتائج التصريح الأمني” تنشر لاحقا على صفحة السفارة على “فيسبوك”
واستشهدت المنظمة بالواقعة التي تعرض لها مدافع حقوقي مصري بارز عندما قدم طلبا لتجديد بطاقة هويته، واضطر بعدها أن ينتظر ستة أشهر بدون أن يصله رد بالموافقة على طلبه.
وفي النهاية، فوجئ بعبارة مكتوبة بجانب اسمه على صفحة السفارة على “فيسبوك” تقول “يجب حضور المواطن إلى مصر”، وعلم بعدها من المحامي الذي وكله في مصر أن “الأجهزة الأمنية منعت تجديد بطاقة هويته.
وأوضحت المنظمة أن مصريين يعيشون في المملكة المتحدة أبلغوا أنهم عانوا من انتهاكات مماثلة، وطالبت بضرورة أن تُنهي مصر اضطهادها للمنتقدين وتفتح أبواب الحوار.
وتعتبر هذه هي المرة الثانية، خلال مارس 2023، التي تتحدث فيها “هيومن رايتس ووتش” عن توصلها إلى معلومات تثبت حرمان معارضين في الخارج من الوثائق الثبوتية، موضحة أن هذا الإجراء يمس بالحقوق الأساسية للضحايا.
ونشرت المنظمة، في 13 مارس 2023 تقريرا يقول إن السلطات المصرية ترفض بشكل ممنهج إصدار الوثائق الثبوتية أو تجديدها لعشرات المعارضين والصحفيين ونشطاء حقوق الإنسان المقيمين في الخارج، في حملة ضد المعارضة تتجاوز حدود البلاد.
وأضافت المنظمة أنها أجرت مقابلات مع 26 مصريا يعيشون في دول من بينها تركيا وألمانيا وماليزيا وقطر العام الماضي، وراجعت وثائق تتعلق بتسعة منهم.
وقالت “هيومن رايتس ووتش” إن مصر “تحرم مواطنيها في الخارج تعسفيا من الحصول على جوازات سفر سارية وغيرها من الوثائق الثبوتية، وبذلك تنتهك السلطات المصرية الدستور والقانون الدولي لحقوق الإنسان”
وذكرت المنظمة أن القنصلية المصرية في إسطنبول بتركيا، حيث يعيش عدد كبير من المعارضين المصريين، تلزم المتقدمين لجميع الخدمات تقريبا بملء نماذج غير رسمية بتفاصيل خاصة بما في ذلك أسباب مغادرتهم مصر وروابط حساباتهم على وسائل التواصل الاجتماعي.
وقال معارضون ونشطاء قابلتهم المنظمة إنه “يكاد يستحيل” الطعن قانونا في رفض السلطات المصرية منح الوثائق الرسمية.
وتقول جماعات حقوقية إن السلطات المصرية تعتقل عشرات الآلاف من الإسلاميين والليبراليين وإنها تستهدف أيضا معارضين انتقلوا للخارج وأحيانا أقاربهم الذين لا يزالون في مصر، بحسب وكالة “رويترز” للأنباء.
الانتماء إلى مجتمع الشتات
وتحدثت الصحفية المصرية ومدافعة عن حقوق الإنسان وسجينة الرأي سابقا، سولافة مجدي، لموقع “الحرة” عن المعاناة التي يتعرض لها المعارضون في الخارج خاصة باعتبارها تركت مصر وانتقلت إلى فرنسا بعد الإفراج عنها، في أبريل ٢٠٢١، بعد حبسها احتياطيا لمدة ١٨ شهرا.
وقالت مجدي إن من ضمن الإجراءات التي تستخدمها الحكومة المصرية ضد المعارضين هو “دفعهم عمدا إلى السفر والهروب خارج مصر”، مضيفة أنها تعرضت لهذا الأمر، وقررت السفر و”الانتماء إلى مجتمع الشتات حفاظا على أمنها الشخصي”
لكن الأمر لا يتوقف على ذلك فقط، بحسب مجدي، التي أوضحت أن المعارضين في الخارج “لا يسلموا من قمع الدولة التي تمارسه من خلال عدة طرق، أولها عن تهديدهم بأسرهم عن طريق التضييق على الأهالي الموجودين في مصر ومضايقتهم والتهديد بحبسهم، ويأتي ذلك في محاولة استخدام وسائل التخويف والتعذيب النفسي لإسكات المعارضة”
وقالت إنه توجد حالات بالفعل “نفذت فيها الدولة تهديداتها” تجاه أسر المعارضين في مصر، مثل حسيبة محسوب، التي تدخل سنتها الرابعة رهن الحبس الاحتياطي بعد التدوير على ذمة قضية ثانية بعدما تم إخلاء سبيلها لمدة 11 ساعة فقط، وذلك لأنها تنتمي لأسرة محسوبة على التيار المعارض، وهي جماعة الإخوان باعتبارها شقيقة محمد محسوب، وزير الدولة للشؤون القانونية والمجالس النيابية في عهد حكومة الرئيس السابق، محمد مرسي.
مثال آخر تحدثت عنه مجدي، وهي عائشة الشاطر، ابنة المعارض المنتمي للإخوان، خيرت الشاطر، والتي تم “التنكيل بها”، حسبما ذكرت منظمات دولية، ثم أصدر حكما عليها بالحبس لمدة ١٠ سنوات وزوجها ١٥ سنة.
“واستخدام أوراق إثبات الهوية كوسيلة للتقييد يتعدى المعارضين في الخارج، بل يمتد إلى أسرهم داخل مصر”، بحسب ما أكدت مجدي، التي أوضحت أن مصر حاليا “لديها قاعدة بيانات متكاملة وتستطيع بسهولة معرفة أهالي المعارضين وتتعنت ضدهم في حال طلبوا إصدار أي أوراق ثبوتية مهمة، سواء في المعاشات أو التأمينات”
وتحدثت مجدي عن حالات لمعارضين في الخارج تعرفهم يعيشون حاليا في “أوضاع صعبة بدون مستقبل واضح بسبب عدم قدرتهم على تجديد جوازات سفرهم، لتعنت السفارات إصدارها ومطالبتهم بالرجوع إلى مصر”
وأوضحت أن هؤلاء الناس أصبحوا “لا يمكنهم العمل أو الدراسة، أو الانخراط في المجتمع، ولا حتى الانتقال من دولة إلى أخرى، لدرجة أنه يوجد أشخاص لم تتمكن من إخراج شهادات ميلاد لأبنائهم المولودين حديثا، وكل ذلك بسبب قرارات أمنية”
وتتعدى الانتهاكات إصدار أوراق ثبوتية بحسب مجدي، التي أوضحت أن “الأجهزة الأمنية تراقب المعارضين في الخارج وتتعقب خطوط سيرهم وتعلم الأماكن التي يترددون عليها، وتتعمد أن ترسل لهم رسائل تهديد بطريقة مباشرة أو غير مباشرة مفادها أنها تراقبهم وتعلم خطواتهم وتستطيع الوصول إليهم وقتما شاءت”
وفي سياق انتهاكات لحقوق الإنسان لكن على المستوى الداخلي، ذكرت منظمة العفو الدولية “أمنستي إنترناشونال” أنه، في نوفمبر الماضي، سعت الحكومة المصرية لتحسين صورتها، ومن بينها الإفراج عن المئات المحتجزين لأسباب سياسية.
لكنها سريعا ما احتجزت بـ”صورة تعسفية” نحو “ثلاثة أضعاف المفرج عنهم” خلال الفترة نفسها لأنهم من المعارضين الفعليين أو المفترضين، ومن بينهم المئات من المقبوض عليهم لصلتهم بالدعوات لتنظيم المظاهرات بالتزامن مع مؤتمر “كوب 27” للمناخ.
وأصدرت إحدى دوائر محكمة أمن الدولة المصرية، في وقت سابق من مارس الجاري، أحكاما بالسجن لفترات طويلة على أكثر من 20 شخصا بينهم مدافعون عن حقوق الإنسان بتهم تتعلق بالإرهاب، في محاكمة جماعية أدانها نشطاء واعتبروها غير عادلة، بحسب “رويترز”
وقال مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، إن الأحكام صدرت “في إجراءات تتعلق بتهم محل شك ذات صلة بالإرهاب الأمر الذي يثير أيضا مخاوف بشأن المحاكمة المنصفة”، وفقا للوكالة.
وتحدثت منظمة العفو الدولية عن حرية التعبير وتكوين الجمعيات أو الانضمام إليها وحرية التجمع، موضحة أن السلطات المصرية واصلت قمع جميع أشكال المعارضة السلمية.
وتواجه الصحافة تضييقات كبيرة في مصر، حيث اعتقلت قوات الأمن تعسفيا ما لا يقل عن 11 صحفيا بسبب عملهم أو آرائهم الانتقادية، فيما وظل 26 صحفيا على الأقل محتجزين تعسفيا في أعقاب إدانات أو على ذمة التحقيق في تهم “نشر أخبار كاذبة”، أو “إساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي” أو “الإرهاب”، بحسب المنظمة.
واستمر حجب ما لا يقل عن 600 موقع إلكتروني مختص بالأخبار أو بحقوق الإنسان أو غير ذلك، وفقا لما ذكرته جماعات حقوقية.
كما أشارت المنظمة إلى الاحتجاز التعسفي والمحاكمات الجائرة وحالات الاختفاء القسري والتعذيب وغيره من أساليب المعاملة السيئة.
وأخضعت قوات الأمن مئات المحتجزين للاختفاء القسري، بعضهم لشهور، بحسب المنظمة. وفي 23 مارس، اعتقل ضباط قطاع الأمن الوطني، عبد الرحمن سعيد، في منزله، بعد أن نشر على وسائل التواصل الاجتماعي مقطع فيديو ينتقد ارتفاع تكاليف المعيشة. وظل مختفيا قسريا حتى 19 أبريل.
نشطاء حقوق الإنسان يرون أن الحكومة المصرية تستخدم الحبس الاحتياطي كعقوبة وغلق المجال العام
نشطاء حقوق الإنسان يرون أن الحكومة المصرية تستخدم الحبس الاحتياطي كعقوبة وغلق المجال العام
كما انتقدت المنظومة التطبيق الجائر لعقوبة الإعدام في مصر، حيث أصدرت المحاكم، بما في ذلك دوائر محاكم الجنايات المختصة بالإرهاب ومحاكم الطوارئ، أحكاما بالإعدام إثر محاكمات جماعية جائرة.
انتهاك آخر لحقوق الإنسان تحدث عنه المنظمة وهو عمليات الإعدام خارج نطاق القضاء والقتل غير المشروع.
وأوضحت أن أربعة مقاطع فيديو، نشرت على الإنترنت، بين يوليو وأغسطس، أظهرت ما يبدو أنه عملية إعدام خارج نطاق القضاء لثلاثة رجال غير مسلحين أثناء الاحتجاز على أيدي الجيش والميليشيات القبلية التابعة له في شمال سيناء.
كما منعت قوات الأمن تعسفيا محامية حقوق الإنسان، ماهينور المصري، والباحث، أحمد سمير طنطاوي، وآخرين ممن أ ُفرج عنهم في عام 2022، من السفر إلى الخارج، بحسب المنظمة.