أحد المجاهدين يروي لـ(علامات) تفاصيل عملهم في الأنفاق
الأنفاق العسكرية باتت تمثل الوسيلة الأبرز لرجال المقاومة
حالة من الخوف والهلع تسود صفوف الصهاينة بسبب الانفاق
العمل في حفر الأنفاق محفوف بالكثير من المخاطر
يحفرون بأدوات بدائية ومن دون استخدام ملابس خاصة
“حفّار الأرض” , هو الإسم الذي بات يحلو للفلسطينيين أن يطلقوه على المجاهدين الذين يعملون في حفر الأنفاق العسكرية , ويضعونه توقيعا على منشوراتهم على مواقع التواصل الإجتماعي , وجاء ذلك بعد استشهاد سبعة من مجاهدي كتائب القسام في أحد الأنفاق على الحدود الشرقية لقطاع غزة بعد أن غمرت مياه الأمطار النفق ما أدى إلى غرق المجاهدين واستشهادهم , ولم يمض إلا أيام قليلة على استشهاد المجاهدين السبعة حتى لحقهم اثنان من المجاهدين شهداء إثر انهيار النفق عليهم أثناء قيامهم بعمليات الحفر داخل النفق .
وقد عمّت حالة من الحزن بين الفلسطينيين على ما أصاب المجاهدين في الأنفاق , وكان حجم التعاطف والتضامن مع ذلك الحدث واسعا , وقد تجلى في حجم المشاركة الكبيرة في تشييع جثامينهم , إذ قدرت أعداد المشاركين في جنازة الشهداء ما يقارب 250 ألف مواطن .
تحدي المستحيل
ورغم حالة الحزن على شهداء الأنفاق فإن الحدث المؤلم أظهر صورة أخرى من صور العزم وتحدي المستحيل الذي تميز به المجاهدون الفلسطينيون , وذلك باستخدامهم كافة الوسائل التي تساعدهم على تحقيق هدفهم المتمثل بقلب موازين القوى لصالحهم , فرغم قلة الإمكانيات، واشتداد الحصار على قطاع غزة , فإن المقاومة الفلسطينية ولاسيما “كتائب القسام” تواصل الليل بالنهار في تدريب مجاهديها، والتطوير من أسلحتها وذخيرتها، وحفر الخنادق والأنفاق استعداداً لأي مواجهة قادمة مع جيش الاحتلال.
السلاح الأبرز
وتمثل الأنفاق العسكرية في هذه المرحلة بالنسبة لرجال المقاومة وحسب ما هو ملاحظ السلاح الأبرز والوسيلة الاستراتيجية في مهاجمة المحتل الصهيوني وتنفيذ العمليات الاستشهادية وعمليات خطف الجنود , وذلك يعود لما حققته الأنفاق العسكرية من إنجازات كبيرة على مدار السنوات الماضية في المواجهات مع المحتل خلال الحروب السابقة ولاسيما حرب العصف المأكول 2014 التي أظهرت مدى نجاعة تلك الأنفاق حيث كانت الوسيلة الأقوى للنفاذ من خلالها والاشتباك مع جنود الاحتلال من مسافة صفر في مشاهد مرعبة رصدها المجاهدون بكاميراتهم .
رعب صهيوني
وأدى تطور الأنفاق ووصولها إلى داخل الكيان الصهيوني إلى خلق حالة من الرعب والهلع في صفوف الصهاينة الذي يشكون إلى قادتهم أنهم يسمعون أصواتا غريبة تحت بيوتهم في إشارة إلى وصول الأنفاق العسكرية إلى بيوتهم، وهذا ما دفع سلطات الإحتلال الصهيوني لشن عدوان على قطاع غزة عام 2014 بهدف استئصال الأنفاق ولكنهم فشلو في ذلك , ما دفع وزير الحرب الصهيوني موشي يعلون بالقول نحن ندرب جنودنا كيف يسقطون الطائرات وكيف يهبطون منها , وكيف يواجهون الدبابات وكيف يستخدمون الأسلحة الرشاشة , ولكننا لم ندربهم على كيفية التعامل مع الأنفاق تحت الأرض .
البدايات ومراحل التطور
وبالعودة إلى بدايات العمل في حفر الأنفاق ومراحل تطورها يتضح أنها بدأت في ثمانينيات القرن الماضي , حيث تم اكتشاف أول نفق من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي عام 1983، وكانت الأنفاق في تلك الفترة محدودة، وحاولت سلطات الاحتلال السيطرة عليها ومنعها وهدمها، خوفًا من دخول السلاح لفصائل المقاومة، خاصة مع بداية الانتفاضة الأولى عام 1987 , ثم تطورت هذه الظاهرة مع بداية انتفاضة الأقصى عام 2000، إذ بدأت المقاومة في استخدامها بكثافة لتهريب السلاح، وازداد عددها وتوسَّع نشاطها، وعملت سلطات الاحتلال على تفجيرها، لكن ذلك لم يمنع من مواصلة العمل بها، بل استمرت وتواصلت مرة أخرى دون توقف , ينتهي بهال الحال إلى المرحلة الثالثة وهي المرحلة الأهم والأكثر توسعًا في تاريخ إنشاء الأنفاق الفلسطينية، وقد بدأت مع عامي 2006 و2007. فبعد وصول حركة حماس إلى الحكم واشتداد الحصار الاقتصادي على غزة، والإغلاق المستمر للمعابر السبعة المتحكمة في القطاع، بدأ استخدام الأنفاق كوسيلة للتغلب على هذا الحصار، واستخدمتها المقاومة لتنفيذ عملياتها في الأراضي الفلسطينية المحتلة .
حياة داخل النفق
مراسل “علامات أونلاين” تمكن من إجراء حوار مع أحد مجاهدي الأنفاق الذين يعيشون في بطن الأرض أكثر من عيشهم على ظهرها , وتعرف على طبيعة عملهم , والمشقة التي يواجهونها أثناء الحفر , والخطورة المصاحبة لهم في العمل وأجاب على بعض الإستفسارات متحفظا على ذكر اسمه لدواع أمنية وحفاظا على سرية العمل.
وعن الدافع الذي دفعه للعمل في حفر الأنفاق يقول المجاهد ” نحن نعمل في كتائب القسام وطالما أنني رضيت لنفسي أن اعمل في هذا المجال فأنا مستعد أن أقدم روحي في سبيل الله , وما دفعني إلا ما أراه من انتهاك للمقدسات والحرمات من قبل الصهاينة واغتصابهم لإرضنا
أما عن طبيعة عملهم داخل النفق فيجيب بالقول ” العمل يتوزع بين أفراد المجموعة فهناك من يحفر في الصخر , ثم يأتي شخص آخر يملأ الرمل في أكياس , ومن ثم يقوم أفراد آخرون بسحب العجلة التي تقلّ الرمل إلى عين النفق , ثم يخرجونها إلى الأرض.
وعن المدة التي يقضونها داخل النفق في الحفر والتجهيز يوضح الجندي المجهول أن وقت العمل الذي تقضيه المجموعة داخل النفق هو تسع ساعات متواصلة , وعندما تنتهي مدة العمل يخرجون من النفق إلى الأرض لممارسة الحياة بشكل عادي.
العمل بأدوات بدائية
ويعتمد بناء الأنفاق على أسلوب العمل الهادئ، الذي يشهد تناوب عدد كبير من المجاهدين، وذلك بوسائل ومعدات بسيطة، ومثابرة على العمل دون ضجيج، وفق إحداثيات جغرافية مُعدة سلفًا، دون أي ظهور مباشر على سطح الأرض، وقد سهلت الطبيعة الرملية لتربة غزة مهمة حفر الأنفاق بأبسط الأدوات.
وعما إذا كانوا يستخدمون ملابس معينة أثناء الحفر أو أدوات تسهل عليهم قطع الصخر يقول المجاهد ” نأتي بملابسنا العادية، ونمارس عملنا بتلك الملابس، فلا يوجد زي معين أو أحذية مخصصة للعمل في ذلك المجال، ولا يوجد معنا أدوات متطورة للعمل أو أجهزة حفر غير الأدوات التقليدية “الكريك، والطرية”، وهي أدوات الفلاح التي يحرث بها الأرض ويفلحها، والحقيقة أن هذا الأمر متعب ويؤذينا، ولكن استشعارنا أن الأجر على قدر المشقة يخفف عنا ما يصيبنا من تعب ونصب.
وحول سؤال “علامات أونلاين” للمجاهد إن كانوا يتقاضون رواتب مقابل عملهم في الأنفاق يقول ” عملنا في حفر الأنفاق لعدة سنين بدون مقابل مادي ، ولكن بعد أن أصبح العمل في الأنفاق يشكل عائقاً في بعض الأحيان أمام مصالحنا وأعمالنا الأخرى التي نوفر من خلالها ما نحتاجه من مقومات الحياة، بدأوا يصرفون لنا مكافآت مالية تقارب بحوالي 200 دولار، ولكن هناك بعض المجاهدين يرفضون أخذ أي مكافأة مقابل عملهم في حفر الأنفاق، يبتغون الأجر من الله تعالى.
نسبة الخطورة
أما عن نسبة الخطورة التي تهددهم في هذا العمل فيقول “نحن نعلم علم اليقين أن العمل في هذا المجال محفوف بالأخطار، ولا أخفيك أن نسبة الخطر 100%، ولذلك أثناء عملنا نكون دوماً مشغولين بالإستغفار والتسبيح، لأننا لا ندري إذا دخلنا النفق هل نخرج أحياء أم شهداء محمولين على الأكتاف، وهذا ما حدث مع كثير من المجاهدين الذين استشهدوا إثر انهيار النفق عليهم , مشيرا إلى أن أبرز المخاطر التي تواجههم تبدأ فور الوصول إلى عين النفق والإستعداد للنزول إلى عمق النفق الذي يصل في بعض الأحيان إلى أكثر من 15 متراً، حيث هناك بعض المجاهدين أثناء نزوله يسقط على الأرض، ويتعرض لإصابات بالغة الخطورة، وكذلك من الأخطار أسلاك الكهرباء الممتدة على طول النفق للإنارة ولسحب العجلة التي تقلّ الرمال، إذ يصاب غالبية المجاهدين بالماس الكهربائي، أضف إلى تلك الأخطار الخطر الأكبر وهو انهيار النفق أثناء الحفر؛ ما يؤدي في كثير من الحالات إلى استشهاد المجاهدين، ومن لم يُصب بأي من تلك الأخطار فإنه على المدى البعيد يصاب بغضروف في الظهر وخشونة في عظام الركبة، لأن العمل داخل النفق يتطلب من المجاهد أن يحني ظهره، فارتفاع النفق أقل من 150 سم.
أهمية استراتيجية
وتذكر التقارير الإسرائيلية أن أنفاق غزة تُقام على عمق يتراوح بين 18 و25 مترًا تحت الأرض، ولكن تم اكتشاف أحدها على عمق 35 مترًا. وعلى ذلك، فإن عمق أنفاق غزة بمثل طول مبنى مُكون من 10 طوابق تحت الأرض.
والجدير ذكره أن أهمية الأنفاق العسكرية الإسترايتيجية كما يرى الخبراء تكمن في أنها بعيدة عن التأثير المباشر للقصف الجوي الإسرائيلي للقطاع بسبب عمقها الكبير , وكذلك بعيدة عن الجدران العازلة والأسلاك الشائكة المكهربة وكاميرات المراقبة التي تشيدها إسرائيل على الحدود , إضافة إلى أن تدميرها يتطلب تدخلا بريا في الجانب الفلسطيني، وهو الأمر الذي يُعد مخاطرة كبيرة، حيث إن فتحاتها مجهولة في الجانب الإسرائيلي، وتقوم المقاومة بإخفاء فتحات الأنفاق في المباني، وحماية هذه المباني بتجهيز قنابل يمكن تفجيرها عن بعد في حالة كشف المدخل إلى جانب أن إسرائيل تجهل خريطة الأنفاق القابعة تحت غزة، مما يجعلها بمثابة “متاهة” بالنسبة لإسرائيل.