رضا حمودة يكتب: غداً .. يتنازل السيسي عن سيناء وحلايب وشلاتين

أكثر ما يستفزني هذه الحالة المصطنعة من البلبلة وإثارة اللغط بين تبعية جزيرتي “تيران وصنافير” لمصر أو للسعودية، ذلك أن الأمر لا يثير لغطاً بالأساس بقدر ما يمثل حالة من اتباع سياسة واضحة من التنازل والتفريط في السيادة الوطنية والتراب الوطني بشكل لم يسبق له مثيل يمارسه نظام السيسي طمعاً في (الرز) لتثبيت شرعية زائفة، لإطالة فترة اختطافه للحكم.

 ذلك أن الأمر لم يكن من المختلف عليه من قبل أو مثاراً للجدل أو النقاش قبل أيام، فبين يوم وليلة صارت الجزيرتان ضمن المياه السعودية، هكذا ببساطة لخدمة متطلبات البراجماتية السياسية الانبطاحية للحالة الانقلابية.

لن أستفيض في تبعية الجزيرتين لمصر بالوثائق والخرائط والتاريخ والجغرافيا، فيكفي أن كتب الدراسات الاجتماعية للصف السادس الابتدائي تؤكد بالخرائط على تبعية الجزيرتين لمصر، لكن أهم ما يسترعي الانتباه هو تلك الحالة من الانسحاق التام أمام رغبات الفرعون من جانب من يسمون أنفسهم النخبة وأدعياء حرية الفكر، لتتحول زلاته وسقطاته بقدرة قادر إلى انجازات وإيجابيات، فنجد تلك النخبة العفنة من أراجوزات السيسي في منتهى الوداعة في معالجة أمر الجزيرتين ومحاولة تبرير مبتذلة للخيانة، في مقابل أساليب الردح والشرشحة بحق الرئيس محمد مرسي وجماعة الإخوان بالباطل فيما يتعلق بقضية حلايب شلاتين التي زعموا تنازله عنها للسودان، أو قناة السويس التي باعها لقطر مع الأهرامات وأبو الهول!

لي ملاحظتان على أزمة الجزيرتين:

الأولى: إذا كانت جزيرتا ” تيران وصنافير” تابعتين للمملكة السعودية، فلماذا تدفع المملكة أموالا مقابل استردادها؟! ، وهل يستقيم منطقياً أن تدفع السعودية هذه الأموال لاسترداد حقها، كما يروج إعلام السيسي ومؤسسته الرئاسية، ولماذا لم تلجأ المملكة للتحكيم الدولي مادامت واثقة من أحقيتها القانونية والتاريخية في الجزيرتين؟!

الملاحظة الثانية: إذا كانت السعودية تمتلك فعلاً الجزيرتين بالوثائق والخرائط كما زعم وزير خارجيتها، فضلاً عن مؤسسة رئاسة وحكومة السيسي، فلماذا انتظروا كل هذا الوقت حتى يعلنوا لنا هذا الأمر، ولماذا تم ربط إعلان الخبر خلال زيارة الملك سلمان للقاهرة بالتزامن مع إعلان عن حزمة اتفاقيات اقتصادية أهمها موضوع الجسر البري الذي سيربط بين البلدين كما هو مزمع (لاحظ أن موضوع الجسر أثير وتمت دراسته أيام الرئيس مرسي ولكنه توقف لأسباب غير معروفة وقتها)؟!

ويبدو أن سبب تأجيل المشروع أو إلغائه صار معروفاً الآن، فقد أكد المهندس حاتم عزام في حواره لقناة الشرق (10 إبريل)، أنه علم من أحد الوزراء السابقين في حكومة الدكتور هشام قنديل، أن السعودية طلبت من الرئيس مرسي التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير, وهذا كان من ضمن مطالبها خلال زيارة الوفد السعودي لمصر إبان عهد مرسي.

وأضاف عزام، الذي نقل هذا الكلام لأول مرة عن الوزير الذي اعتزل السياسة عقب الانقلاب وهو ليس من الاخوان، أن انشاء الجسر سيكون ثمنه التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير، إلا أن رد مرسي كان قاطعا بالرفض، وقال: هذا تراب وطني لا أملك أنا ولا غيري التنازل عنه.

خطورة هذا الأمر بنظري أنه يفتح شهية الجيران لابتزاز مصر فيما يتعلق بالحدود المائية، أو بالأراضي العالقة على الحدود، ولنا في أثيوبيا المثل الصارخ، حيث شجعها تخاذل دولة الانقلاب فيما يخص سد النهضة على التفكير جدياً في بناء المزيد من السدود على النيل الأزرق، فضلاً عن بعض دول حوض النيل الأخرى.

بالاضافة إلى تصريحات أحمد بلال عثمان وزير الإعلام السودانى لبرنامج” الحياة اليوم” على قناة “الحياة” مع تامر أمين (10 إبريل)، الذي استنكر محاولات إثارة الفتن فيما يتعلق بملف حلايب وشلاتين، ولا يخلو كلام الرجل كما هو واضح من غمز متعمد في شرعية تبعية حلايب وشلاتين لمصر عبر الطنطنة على مرونة وتسامح السودان مع شقيقتها مصر فيما يتعلق بحلايب وشلاتين، كمقدمة لخطوة مستقبلية مماثلة لجزيرتي “تيران وصنافير” ، وقد خرجت بعض وسائل الإعلام السودانية بالفعل تطالب بعودة حلايب وشلاتين للسودان على غرار” تيران وصنافير” ، مع الأخذ في الحسبان أن الحكومة السودانية اعتبرت مثلث “حلايب وشلاتين” دائرة انتخابية في سبتمبر 2014 ، ربما تمهيدًا للخطوة المقبلة.

لا أبالغ حين أقول إنه سيأتي الوقت قريباً ويخرج علينا السيسي ليعلن التنازل عن شبه جزيرة سيناء (بوابة مصر الشرقية عبر التاريخ) للمصلحة الوطنية العليا، وبدعوى الأمن القومي، لتكون الوطن البديل للفلسطينيين في إحياءٍ لخطة (الترانسفير) أو الترحيل الجماعي القديمة التي تخطط لها الدولة الصهيونية للتخلص من عبء قطاع عزة وتصفية القضية الفلسطينية، وسيخرج بعض الأراجوزات والمنافقين ليقولوا إن السيسي استشعر الخطر من واقع مسؤولياته تجاه أبنائه الجنود الذين يموتون كل يوم على أراضي سيناء، فكفانا دماءً!، وقد تحرك الرجل بدافع العطف والحنان والألم الذي يعتصر قلبه حزناً على جنودنا البواسل، فضلاً عن التخلص من العبء الأمني والمالي الذي تتكبده الدولة جراء الاحتفاظ بسيناء.

ما يحدث في مصر بعد انقلاب 3 يوليه، كشف خيانة المثقفين أو بالأحرى أراجوزات المثقفين في مقابل رقابهم وانتفاخ جيوبهم، حيث انتهج هؤلاء سياسة تبرير الخيانة بدعوى الأمن القومي، وأؤكد هنا على ماسبق أن كتبته, وهو أن كلفة الثورة على النظام الفاسد أقل كثيراً من فاتورة بقاءه، ذلك أن كل يوم يمر على هذا البلد في وجود هذا النظام تخسر مصر من رصيدها وإرادتها وكرامتها وقرارها وسيادتها بعد عرضهم في مزاد للبيع لمن يدفع أكثر.

شاهد أيضاً

أحمد هلال يكتب : صفقة القرن بين الماضي والحاضر: قراءة تحليلية في الطرح الجديد لترامب

في مشهد عبقري بامتياز أخرجت حماس مراسم احتفالية تسليم وتبادل الأسرى، وكان كل شيء في …