بعد هجوم “أورلاندو” الأخير بولاية فلوريدا الأمريكية على أحد الملاهي الليلية للشواذ، قال دونالد ترامب المرشح للرئاسة الأمريكية, ومن على شاكلته حتى ممن انتسبوا للإسلام: ألم أقل لكم إن الإسلام كدين وعقيدة هو المشكلة والعدو؟.. وكتب في تغريدة له عبر تويتر: “أقدر الثناء؛ لأنني كنت محقا حول موضوع إرهاب الإسلام الراديكالي، ولا أريد شكراً، لكن أريد شدة وحذراً” ، رغم أن قسا أمريكيا “معمدانيا” رحب بالعملية التي استهدفت الشواذ في أورلاندو، وأبدى أسفه لأن بعضهم خرجوا أحياء، ولم يتهمه أحد بالارهاب!، لأن الحرب مبرمجة أوتوماتيكياً تجاه الإسلام وكل ما هو إسلامي.
في الوقت الذي تؤكد فيه بعض الحقائق أن أعمال القتل في الولايات المتحدة يمثل الإرهاب المنسوب لمسلمين منها نحو ٦٪ (وفق تقرير FBI المباحث الفيدرالية الأمريكية عن الارهاب منذ الثمانينيّات حتى ٢٠٠٥) بينما ٩٤ ٪ من أعمال القتل في أمريكا نفذها غير مسلمين، وتجدر الإشارة هنا إلى أن عدة صحف أمريكية أبرزها ” نيويورك تايمز ” كشفت أن منفذ الهجوم” عمر متين ” قد ارتاد النادي قبل الحادث مرات كثيرة على الأقل وكان يقضي أوقاتا طويلة داخله، فضلاً عن شهادات عدد من الشواذ تؤكد أن متين كان يعاني اضطرابات نفسية حادة، إذ يقول “تاي سميث” :”أحيانا كان متين يجلس في الزاوية وحده ويتناول الخمر، وأحيانا كان يثمل ويصرخ بصوت مرتفع”، لكنه الاصرار على وصم الإسلام بالإرهاب والعنف دون غيره في موسم الحرب على الإرهاب.
يبدو أن عملية ” أورلاندو ” الأخيرة ذريعة متكررة، لممارسة المزيد من الضغوط على المسلمين، وتغذية مشاعر العداء والكراهية بحق الإسلام ذاته تحت تأثير تنامي وتغول ظاهرة الإسلاموفوبيا التي تطل برأسها من حين لآخر وتجتاج الغرب مع كل تفجير أو عملية عنف (سواء في باريس أو بروكسل)، وحتى لا يكون الاتهام مجرد زعم أو إدعاء، فإن اسم مرتكب الجريمة يكفي لتأليب الكون كله على الإسلام، إنه “عمر متين” من أصل أفغاني ما يعزز فكرة شيطنة واستهداف الإسلام في شكل الحرب على الإرهاب التي قادتها الولايات المتحدة مطلع القرن الحادي والعشرين إبان ولاية الرئيس الأمريكي المسيحي الصهيوني ” بوش الابن “.
وقد أكد على هذه الفكرة السفير الإسرائيلي السابق لدى الولايات المتحدة “مايكل أورين” الذي قدم نفسه خبيراً بالإسلاموفوبيا لترامب، قائلا إن الأخير قد يجني ثمار فرصة وقوع هذه الجريمة، وكتب “أورين” تغريدة، قال فيها: “لو كنت ترامب لركزت على الاسم المسلم (عمر صديقي متين)، فإن هذا قد يغير السباق” الرئاسي”، نقلاً عن تقرير في موقع “موندويز” نشر ترجمته موقع ” عربي21 “
ويبدو أيضاً أن المرشح الجمهوري المتطرف ” دونالد ترامب ” قد تلقف الحدث على طبق من ذهب ليرفع أسهمه في سباق الرئاسة مستغلاً الحالة النفسية التي تنتاب قطاعا من الأمريكيين والغرب عموماً بعد كل عملية عنف يكون طرفها ” مسلم ” ليثبت للناخب الأمريكي وللعالم صحة مزاعمه وتصريحاته السلبية المثيرة للجدل عن الإسلام والمسلمين.
وحتى ندرك العقلية الحاكمة للمرشح الجمهوري المتطرف فلنعلم موقفه مما يجري في الشرق الأوسط، لا سيما مصر، ومدى دعمه لسلطة الانقلاب الحاكمة الآن، والمتماهية تماماً مع الغرب في حربه ضد الارهاب أو بالأحرى الإسلام، حيث أكد الدكتور وليد فارس؛ المستشار العربي للمرشح الأمريكي دونالد ترامب, أنه تحدث مع الأخير في أمر مصر وقواتها المسلحة والفريق عبد الفتاح السيسي، مشيرًا إلى أن موقف “ترامب” كان إيجابيًا جدًا تجاه النظام الحالي في مصر. وعن رأيه في جماعة الإخوان، قال “فارس” – في مداخلة هاتفية مع عمرو أديب – إن “ترامب” يعتقد أن جماعة الإخوان هي جماعة إرهابية وينبغي تصنيفها (هكذا) داخل أمريكا، مشيرًا إلى أن الكونجرس كان قد وضع قانونًا لتصنيف الإخوان كجماعة إرهابية لكن الرئيس الحالي “أوباما” رفض التوقيع عليه . وأضاف: “أول شئ سيفعله ترامب هو أن يلتقي مع الكونجرس من أجل التوقيع على هذا القانون وجعله ساريًا”.
ولا يفوتنا هنا في ظل هذا الزخم المعادي لكل ما هو إسلامي، الاشارة إلى إعلان دعم رجل الأعمال المسيحي الشهير “نجيب ساويرس” باعتباره الواجهة السياسية للكنيسة المصرية، على نحوٍ يتجلى فيه خلط مريب للأوراق بين ما هو سياسي وما هو ديني على عكس ما تعلنه دائماً الكنيسة ورعاياها التي تزعم رفض الخلط إلا أنها غارقة في الخلط وكأنها طرف في الصراع، إذا أخذنا في الاعتبار الحالة المصرية وحالة العداء والحرب المستعرة التي تشنها سلطة الانقلاب على جماعة الاخوان والتيار الإسلامي عامةً، وكل مظاهر التدين الإسلامي.
المشهد الدولي والاقليمي الآن ينبيء بهبوب رياح عاتية في إطار حلقات منفصلة متصلة للحروب الصليبية ضد الإسلام ، والذي قد بدأها بوش الابن ” الرئيس الجمهوري “مطلع الألفية في أفغانستان والعراق مستغلاً أحداث هجمات الحادي عشر من سبتمبر، والآن يكاد يتكرر المشهد مع المرشح الجمهوري أيضاً ” ترامب “، لترتفع أسهم نجاحه في السابق الرئاسي لا سيما بعد هجوم”أورلاندو” ليدخل البيت الأبيض مستلاً سيف الحرب الصليبية، وسيبدأها في الداخل الأمريكي بشن عمليات تطهير للوجود الإسلامي في المجتمع الأمريكي, مدعوماً باللوبي اليهودي المسيطر على الاعلام والمال بطبيعة الحال.
الغرب لم يغضب فيما المسلمون السُنّة يُقتلون ويُذبحون على موائد الطائفية الشيعية في سوريا والعراق وعرب السنة الأحواز في إيران، فضلاً عن عرض القتل والابادة المستمر منذ عقود طويلة بحق المسلمين في الأراضي الفلسطينية المحتلة وبورما وشمال مالي وأفريقيا الوسطى وغيرها بأيدي أمريكية أوروبية صهيونية، وإذا غضب فليس من منطلق ديني أو صدام حضاري وإنما بغرض تصفية حسابات قديمة مع الإسلام، فهل تشهد الأيام والشهور القادمة حقبة جديدة يدفع فيها المسلمون الثمن غالياً من عقيدتهم ودينهم على يد الرئيس الأمريكي القادم ” دونالد ترامب ” في إطار صدام الحضارات الذي بشر به ” صموئيل هنتنجتون ” قبل عقدين من الزمان، أم أن الناخب الأمريكي سيكون له رأي آخر؟.