الشيخ جعفر الطلحاوي
الشيخ جعفر الطلحاوي

زكاة الزيتون

شجرة الزيتون، شجرة مباركة، كما في التنزيل ” شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ “[1]  وقد أوجب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعي في القديم، وفي رواية عن الإمام أحمد، وابن عباس، والزهري، والأوزاعي، والثوري، وغيرهم – رضي الله عنهم – الزكاة في الزيتون، واستدلوا لذلك بقوله تعالى: “وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ ..”[2]. فإذا قطف المزارع الزيتون وبلغ النصاب، وهو كما في الصحيحين: «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ، وَلَا فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ، وَلَا فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ»[3] وفي رواية مسلم «لَيْسَ فِي حَبٍّ وَلَا تَمْرٍ صَدَقَةٌ، حَتَّى يَبْلُغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ، وَلَا فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ، وَلَا فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ»[4] ، والتي تعادل 653 كيلو جراماً من الزيتون الحب فتجب الزكاة فيه، ومقدار الواجب فيه العشر( 10 %) من الناتج من الزيت أو الزيتون، إذا كان يسقي بلا كلفة أو مؤونة، أو نصف العشر إذا كان يسقي بتكلفة ومؤونة بعد أن يحسم المزارع الكلفة مما أنفقه على الحرث، والسماد، وأجرة القطف وغيرها، ويخرج الزكاة من الباقي كما في البخاري«فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ وَالعُيُونُ أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا العُشْرُ، وَمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ العُشْرِ»[5] وللمزارع أن يخرج مقدار الواجب الذي أسلفنا، من الزيتون:

1- حباً قبل عصره،

2- أو زيتا بعد عصره،

3- أو نقداً إذا باعه زيتونا أو زيتا.

ويجب المسارعة إلى إخراج زكاة الزيتون شكراً للمنعم سبحانه على نعمة هذه الشجرة المباركة، قال تعالى: ” وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ” [6]

قال تعالى” وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى”[7] إذا تم الحصاد، وانتهى القطاف فقد ثَبَتَ في ذِمَّةِ المكلَّف – المزارع أو صاحب الأرض – وجوبُ إخراجِ الزكاة حالَ توفُّر شروطها وانتفاءِ موانعها فيَلْزَمُه ـ حالتئذٍ ـ المبادَرةُ إلى إخراجها للمُسْتحِقِّين لها مِن غيرِ تأخيرٍ. وقد جاء في التنزيل ما يدلُّ على هذا المعنى في قوله تعالى: ” وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ “[8] , ” وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ”[9] : “وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ” [10], فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ”[11] وقد كَرِهَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم مِن أصحابه تأخيرَ ما أمَرَهم به مِن النحر والحلقِ يوم الحُدَيْبِيَةِ[12] ولو لم تكن المُبادَرةُ إلى امتثال الطاعة واجبةً لَمَا كَرِهَ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم، ولأنَّ المُبادَرةَ بالزكاة أَحْوَطُ للدين وأَبْرَأُ للذِّمَّة، لذا يجب المسارعة إلى إخراج زكاة الزيتون، استجابة لأمر الله عز و جل، القائل في سبعة مواضع من كتابه “وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ” [13]   واستجابة لأمر النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين عندما بَعَثَ مُعَاذًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى اليَمَنِ، فَقَالَ له : «ادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ، فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدِ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ، فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أَمْوَالِهِمْ تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ»[14].

 فسارعوا لإخراج الزكاة لتحقيق التكافل بين أفراد أمتنا، قال تعالى: “فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ فَكُّ رَقَبَةٍ أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ ” [15] ويمكن إخراج زكاة الزيتون، وإعطاؤها المستحقين لها بأنفسكم، أو بوساطة لجان الزكاة في مناطقككم, لحديث الصحيحين: ” مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ العِبَادُ فِيهِ، إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلاَنِ، فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا “[16].

……………….

[1] النور: 35

[2] الأنعام: 141

[3] صحيح البخاري (2/ 116) 24 – كِتَابُ الزَّكَاةِ بَابُ زَكَاةِ الوَرِقِ وبَابٌ: لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ

[4] نفس التخريج

[5]  صحيح البخاري (2/ 126) 24 – كِتَابُ الزَّكَاةِ بَابُ العُشْرِ فِيمَا يُسْقَى مِنْ مَاءِ السَّمَاءِ، وَبِالْمَاءِ الجَارِي وَلَمْ يَرَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ: “فِي العَسَلِ شَيْئًا”.

[6] إبراهيم: 7

[7] طه: 84

[8] الأنعام: 141 مكية

[9] الحج: ٧٧ مدنية

[10] آل عمران: ١٣٣مدنية

[11] البقرة: ١٤٨؛ المائدة: ٤٨مدنيتان

[12]  أخرجه البخاريُّ في «الشروط» (٥/ ٣٢٩) باب الشروط في الجهاد، والمصالحةِ مع أهل الحرب، وكتابةِ الشروط (٢٧٣١، ٢٧٣٢)، مِن حديث المِسْوَرِ بنِ مَخْرَمة رضي الله عنه.

[13] البقرة: 43] [البقرة: 83][البقرة: 110] [البقرة: 277] [النساء: 77][النور: 56][المزمل: 20]

[14] صحيح البخاري (2/ 104) 24 – كِتَابُ الزَّكَاةِ بَابُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ صحيح مسلم (1/ 50) 1 – كِتَابُ الْإِيمَانَ  7 – باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام

[15] البلد: 11 – 18

[16]  صحيح البخاري (2/ 115) 24 – كِتَابُ الزَّكَاةِ بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى، وَصَدَّقَ بِالحُسْنَى، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى، وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى، وَكَذَّبَ بِالحُسْنَى، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} [الليل: 6] «اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقَ مَالٍ خَلَفًا» أخرجه مسلم في الزكاة باب في المنفق والممسك رقم 1010

 

شاهد أيضاً

محمد حامد عليوة يكتب : وقفات تربوية مع (متى نصر الله؟)

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبيه المصطفى الأمين، وعلى آله وأصحابه ومن والاه …