في الوقت الذى يدعي فيه قائد الانقلاب ان هذا العام هو عام الشباب تأتي الينا رسالة الشاب المعتقل عبد الرحمن الجندي الطالب بالجامعة الألمانية ذو العشرين ربيعاً ..ليبدد تلك المزاعم الزائفة لقائد الانقلاب.
تلك الرسالة المفجعة والمبكية التي يصف فيها حاله في سجون الانقلاب وكيف استحال من شاب شاعر اديب مقبل على الحياة الى بائس معذب يشرف على الجنون.
وكان عبد الرحمن قد اعتقل عشوائيا مع والده يوم 6 أكتوبر 2013. من شارع رمسيس بالقاهرة.
ولازال يقبع الشاب مع والده في سجون الانقلاب منذ ذلك الوقت دون جريرة تذكر اللهم الا ما لفقته له نيابة الانقلاب من تهم حكم عليه بسببها مع 62 اخرين ب 15 سنه سجن .
كتب عبدالرحمن الجندى يقول :
“هذا قَىء . أتقيأ بقلمى على الورق . أتقيأ ما بعقلى كى لا أُجنّ .
لكنّى سأجنّ حقًا . عاجلا ً أو اجلًا .
لأنَّه عندما يعجزُ العقلُ عن الفَهم ، ويتعطلُ المنطق ، ويعتصرُ القلبُ ألماً حقيقيا تشعر به فى صدرِك مع كلِ دقةٍ ، حتى تتمنى ان يكفَّ عن الدق من حِدَّة الألم وقسوتُه ،فاعلم انك اخيراً قد جُنِنت .
هذا قَئ ، فإن كنتَ تشعُر بالاشمئزاز او تأنفُ فلا تقرأ ، فأنا ولأول مرة لا اكترث إن قرأت أم لم تقرأ ، فأنا لا اكتُب لك ، انا اكتُب فى محاولة اخيرة ألا اجنّ ، وأتتبع بقايا عقلى المُنفجر وأجمع اشلائه .
أسحقتَ صُورصُورًا من قبل ؟ أتذكُرُ الشعور وهو يُسحَق تحت اقدامك ؟ أتذكُرُ تلك الحركة الأخيرة بعدما تدهَسُه ، ثم تضغط بقدمك بشبه مُحَرِكًا اياها يمينٌا ويسارًا ، مُنهيًا كل امل وفرصة له فى الحياة ؟
فعلت ذلك كثيرًا فى حياتى ، واحفظ الشعور تمامًا ، لكنِّى الأن ولأول مرة ، لا أكون من يدهس .
أنا الصُرصٌور .
وانا فى تلك المرحلة الاخيرة . لا امل . لا محاولة . فقط استسلام . وعظامى تُسحَق تحت حذاءِ الظلم وهو يلتف يُمنًه ويُسرًه ، مُنهِيًا حياتى بلمستِهِ الاخيرة .
الظلم قبيح . لا أفهمُه ولا أستوعبُه . ولا أدرى كيف يعيش أصحابه . لم أحاول أن أفهمه يومًا فهو غير منطقى أساسًا ، لكنِّى فى أبعد شطحاتى ، لم أتخيل أن يصل لهذا الحد .
لم أتخيَّل أن أمضى ليلاً طويلاً أبكى وأرتجف . أن أجلس أيامًا وحيدًا لا أنطق ببنتِ شفه . أن أعيش داخل ظلامى أو يعيش ظلامى داخلى ، فلا تستطيع ان تفصل أحدنا عن الاأخر . أن أنكسر وأُذَل وأشعر بالقهر اللعين .
القهر شعور صعب . لا أتمنى لأحد أن يشعُرُه . القهر يجعلك كائنًا مثيرًا للشفقة . فعندما ترثى لحال نفسك وما وصلت اليه ، تصبح بحق مثيرًا للشفقة .
ماذا فعلت ؟
ماذا جنيتُ لاستحق هذا ؟ لمَ أُدمَر و تُدمَر اسرتى بدون ادنى أو اتفه ذنب ؟
يا ربُّ أنا لا أفهم . يا ربُّ أتوسل إليك أن تجعلنى أفهم . لإنى إن لم أفهم فلا آمن على عقلى أو ما بقِىَ منه .
ما هذه الانسانيَّه اللًعينه ؟ اكرهُها وامقُتها واحتقِرُها .ما هذه الانسانيَّه التى تفعل بى ما لم يفعله حيوانٌ بحيوان قط ؟.
ما هذه الانسانيَّه التى تُغلِق افواهها وتُغَمِى عيونها امام هذا الفجور الصارخ ، بل وترضَى ان تعيش وتسمح لأصحابها أن يضحكوا ملءَ شدقهم ويمرحوا راقصين على جُثث امثالى من الصَّراصير غير عابئين بصُراخهم فلا يفيقوا الا على هذا الظلم وهو يدهسُهُم همُ الاخرين و يُمعِن فى سحقهم.
أحياناً تتعجب كيف يمضى الزمن . لماذا لم يتوقف وينتظر ؟ كيف تركنى مُشوهاً هكذا ومضى غير مُكترِث ؟ ألا قيمه لى لهذا الحد ؟
تعَبت .
تعَبت .
أريد الخروج .
أريد الخروج من هذا القبر قبل ان افقد كلَّ ماتبقَّى من أى شىء جيد داخلى . قبل ان أكره كلًّ شىء وكلَّ شخص حتَّى أكره نفسى .
تعَبتُ من انحطاط امالى وطموحاتى . تعبتُ من خفضِهم لسقف تطلُعاتى يومًا بعد يوم تدريجيًّا حتى صار وبدون أن الاحظ ، تحت قدمىّ .
لا أريد دقائق زائده خارج الزنزانه ، لا أريد قدر اصبَع زائد لاسند ظهرى على الأرض وأنا نائم . لا أريد أن أفرِد قدمى ّ. لا أريد الَّا أُهان وأُسب . لا أريد بضعه دقائق زائده مع أهلى.
أُريد الخروج.
حيَّاً او ميِّتاً ، أريد الخروج .
لا أحتمل أكثر من هذا . لا أحتمل .
انطَفَــأت” .