أعياد نوروز, وافتتاحها؛ الأربعاء الأحمر, وهو الأربعاء الأخير من السنة الإيرانية التي تعتمد التاريخ الشمسي. قمتها في يوم 21 مارس/آذار يوم الاعتدال المناخي وتساوي الليل والنهار، وهو في الثقافة الفارسية وعموم إيران يوم الحياة المتجددة. يستقبل الإيرانيون يوم الأربعاء الأحمر بشراء الثياب الجديدة الزاهية وألوان الأطعمة والمكسرات ويخرجون إلى الحقول لممارسة طقوس الاحتفال الباذخ، وفي مثل هذه الايام تزدهر الأسواق (البازارات) بمختلف تخصصاتها، فالجميع يتسوق لتغطية احتياجات وطقوس الأعياد ومستلزماتها.
لكن الأخبار الواردة من إيران هذا العام تقول إنه قبيل ليلة عيد نوروز لهذه السنة لا أثر لانتعاش السوق المألوف. الماكينة الإعلامية للنظام تحاول حسب المعتاد أن تقدم جوا مزيفا بتقاريرها المزيفة، وتزعم وجود جو يعيش فيه الجميع راضين مبتهجين؛ باعة ومشترين!
غير أن مرارة الواقع وصلت إلى أن تلفزيون النظام أيضا يضطر إلى نقل جوانب سلبية وإن كانت مخففة؛ ففي أحد البرامج يؤكد رئيس نقابة خياطي القمصان في طهران: “خلال سنة مضت، لحقت أضرار عديدة بالإنتاج أمام السلع المستوردة العشوائية دون نظام لا سيما من الصين حيث تكتظ محلات خياطي القميص بالقمصان, وأصحابها يسعون لبيع بضائعهم ولو بأسعار الكلفة ليتمكنوا في السنة المقبلة من المضي قدما في الإنتاج”. (تلفزيون النظام 12 مارس/آذار 2016)
وخلال برنامج متلفز بث في 11 مارس/آذار 2016 تحت عنوان “مُجازات ومُحرمات شراء ليلة العيد”, أثار مقدم البرنامج تساؤلا في البداية مفاده: هل الشراء أصلا عمل جيد أم لا؟ وردّ الطرف المعنيّ الذي عُرّف بصاحب شهادة الدكتوراه في علم النفس أن: “الشراء من حيث اللذة يُعد من النشاطات التي تريح الناس وتمتعهم .. لكن المهم من حيث علم النفس أن الشراء من شأنه أن يتسم بأشكال مختلفة إننا في علم النفس نواجه ظاهرة تدعى “كامباسيو كانسامبشن” أو مستهلكات مغرية يحاول الناس فيها ممارسة نشاطات شراء عديدة جدا وأعمال شراء مغرية لكن الهدف من ذلك الشراء ليس الشراء بمعناه المألوف لأنه يرافقه الإسراف ولا يهدف لسدّ الحاجة. والمشترون يسعون لإحياء الهويّة ويبحثون عن مهدئات كاذبة وحالات شراء يتبضع المشتري فيها بشكل غير مضبوط ولا تحكّم له على شرائه أي أنه يريد مجرد التسوق”.
في عالم يشجع الاستهلاك؛ هناك ملاحظة تكتسب أهمية كبرى وهي أن الناس لا يشغلهم ما يملكونه وإنما ما لا يملكونه وإن أساس ثقافة الإستهلاك يتمثل في أن الانشغال الذهني الدائم للناس يدور حول ما لا يملكونه وما يحاولون الحصول عليه”.
إذن يعتبر الشراء من الأمراض, والناس تقوم بالشراء دون حاجة!
والرسالة واضحة: أيها الناس إذا نشطتم للتبضع ليلة العيد فيمكن أن تكونوا مصابين بأحد الأمراض التي وصفها هذا (الدكتور!) وإذا لم تقدروا على الشراء فقرا وإملاقا, وبسبب ذلك، تضطربون وترتبكون أمام عوائلكم خجلا، فاعلموا أن الأثرياء والأغنياء يفوقونكم اضطرابا وخجلا!
أيظن تلفزيون النظام أنه بهذه الأباطيل التي لا تنطلى حتى على طفل بأنه قادر على خداع وإسكات الشعب الإيراني المنهوب العاجز عن توفير الحد الأدنى لمعيشة عوائله وتأمين لباس أبنائه ليلة العيد الجديد؟ أم إنه يصب الملح على جروحه والزيت على نار غضبه؟!
واكمالا لبؤس المشهد الاقتصادي الايراني عشية العيد، اعترف مركز إحصاء إيران في تقرير له بأن التنمية الاقتصادية أصبحت سلبية في الأشهر التسعة الماضية.
وجاء في التقرير: “المجموعة الصناعية ½ % سلبية، تنمية قطاع البناء ¾ % سلبية، النقل، إدارة مخزنية واتصالات 6/9 % سلبية، الوساطة المالية ¾ % سلبية”.
وحسب التقرير فإن تكوين رأس المال الثابت للمجموع الإجمالي في هذه الفترة الزمنية 8/9 % سلبي، وتكوين رأس المال في الآليات 9/13 % سلبي، وتكوين رأس المال في البناء ¾ % سلبي، وتكليف الاستهلاك النهائي للحكومة كان 1/7 % سلبيا. ومن المؤكد أنها أرقام مخففة الى أبعد الحدود؛ فالمشهد الاقتصادي الإيراني تفضحه حركة السوق وليس الإحصاءات الحكومية, ومع ذلك فلا أحد يستطيع إخفاء الحقيقة .