عادل أبو هاشـم يكتب: مطلوب .. ولد “شبعان” من حليب أمه!

فجر الثلاثاء 2 مارس 2004م اغتال مسلحون مجهولون الكاتب والصحفي خليل الزبن رئيس تحرير مجلة ” النشرة “، وهي مجلة شهرية تمولها السلطة الفلسطينية إثر إطلاق النار عليه عن قرب وسط مدينة غزة ، وتمكن المهاجمون من الفرار.

ويحمل الزبن لقب مستشار الرئيس لشؤون المنظمات الأهلية وحقوق الإنسان.  

ووصف الرئيس ياسر عرفات عملية الاغتيال بالخسيسة وبالمؤامرة الدنيئة.

اتهم فادي؛ الابن الوحيد لخليل الزبن, جهاز الأمن الوقائي باغتيال والده، وذهب للرئيس عرفات في المقاطعة برام الله ليخبره بذلك، وعندما لم يجد إجابة شافية حول اغتيال والده  خرج من مكتب عرفات وهو يصرخ بأنه سيشتكي إلى الشعب، عندها قال له رمزي خوري مدير مكتب عرفات في ذلك الوقت:

إن شعبك الذي ستشتكي له شعب مخصي

( في خطابه أمام دورة المجلس الثوري الثالثة عشرة بمدينة رام الله  يوم 10 / 3 / 2014 م اتهم محمود عباس, محمد دحلان بقتل مجموعة من القادة الفلسطينيين وفي مقدمتهم صلاح شحادة قائد كتائب عز الدين القسام وخليل الزبن وأسعد الصفطاوي ومحمد أبو شعبان)

لا أعرف لماذا يقفز إلى ذهني وصف رمزي خوري لشعبنا المجاهد البطل بـ ” الشعب المخصي” كلما استمعت وشاهدت تصريحات وممارسات محمود عباس الذي احتفظ برمزي خوري بعد اغتيال عرفات وعينه رئيساً للصندوق القومي الفلسطيني، حيث نجد أن قيادة السلطة في رام الله تتعامل مع شعبها وكأن هذا الشعب قد صدق فيه وصف خوري له، وأنه لا حول له ولا قوة مما جعل المناضل اللبناني الدكتور أسعد أبو خليل يوجه رسالة عتاب إلى الشعب الفلسطيني تساءل فيها عن كيفية أن محمود عبّاس أصبح زعيماً مقبولاً للشعب الفلسطيني!

 وكيف اتفق أن قائد جهاز التنسيق الأمني مع العدوّ الإسرائيلي سيموت على الأرجح ميتة طبيعيّة في سريره، لأن مسيرة هذا الرجل لم تحرّك ساكناً في شعب علّمنا الثوريّة؟!

 كيف تغيّرت طبيعة القيادات الفلسطينيّة عبر العقود؟

وكيف سكت الشعب الفلسطيني ــ ويسكت ــ عن موبقات حكم عبّاس الذي لا يتورّع عن اعتبار نفسه نتاج الديمقراطيّة وهو الذي أتى إلى منصب رئاسة الحكومة بفضل العدوّ الإسرائيلي ورئيس جهاز موساده السابق (باعتراف إفرايم هاليفي في كتابه ” رجل في الظلّ “) الذي أقنع الحكومة الأمريكيّة بضرورة استحداث منصب رئيس الحكومة كي يأتي عبّاس ويضعف منصب عرفات؟

 ويؤكد أسعد أبو خليل أن الشعب الفلسطيني كان يحاكم قياداته، وقد تعرّضت قيادات فلسطينيّة للاغتيال عبر السنوات, وللنقد والتعيير والإقصاء بناءً على التخاذل وضعف الأداء، أما اليوم فإن عبّاس يقبع في منصب الرئيس دون أي إزعاج من شعبه، لا بل هو يخدع شعبه باستمرار عبر وعود متنوّعة، ويستعين بفريق من المهرّجين ( بقيادة كبير المهرّجين)

و تساءل:  لماذا لا يجود الشعب الفلسطيني ببدائل عن عبّاس ودحلان وياسر عبد ربّه وصائب عريقات وسلام فيّاض؟

 كيف يمثّل أسوأُ قادة أفضلَ شعب؟ والفساد في شلّة رام الله لا تبدو أنه يزعج الشعب الفلسطيني.

 كيف حدث أن الشعب الفلسطيني يستكين أمام زمرة الفساد والافساد؟

لقد كتب الدكتور أسعد أبو خليل رسالته قبل أيام قليلة من الممارسات المعيبة والمسيئة والمهينة لنضال الشعب الفلسطيني التي شهدتها الساحة الفلسطينية في الأيام الأخيرة في حالة قد تكون بداية الكارثة الكبرى التي حذرنا منها عشرات المرات في السابق. هذه الممارسات التي جعلت من حق كل فلسطيني أن يصاب ضميره الوطني بأزمة، وأن يخرج فورًا إلى الشارع للاحتجاج وهو يرى الحالة المأساوية التي تعيشها الساحة الفلسطينية في ظل قيادة همها الوحيد هو  خلق أزمات فلسطينية داخلية عامة للتلهي بها عما سيجري من اختراقات قاتلة في سياق التفاوض مع العدو على القضايا الهامة والتاريخية.

ففي خطوة تعكس كيفية تجيير محمود عباس للسلطات التنفيذية والقضائية والتشريعية لرغباته, أصدر قيل أيام مرسوما رئاسيا يقضي بتعيين نائب عام جديد، وتشكيل محكمة دستورية عليا للسلطة الفلسطينية تدين بالولاء له، مما جعل العديد من المراقبين يؤكدون أن عباس يحمل عدة ملفات يريد أن يفجرها من خلال النائب العام وأعضاء المحكمة الدستورية العليا بتعديل بعض البنود في النظام الاساسي والقانون الاساسي للسلطة، والتي تخوله تلك التعديلات باستدعاء النواب ورفع الحصانة البرلمانية في تجاوز للنظام الأساسي المعمول به في المجلس التشريعي، بل يمكن أن يلجأ ومن خلال المحكمة الدستورية العليا لحل المجلس التشريعي في قرار عجزت السلطات التنفيذية والرئيس عن تحقيقه سابقا.

صَاحَبَ قرار عباس  ــ وفي تحدٍ لأبطال انتفاضة  القدس؛ حيث الأجهزة الأمنية الفلسطينية تعمل بعلانية على إفشال انتفاضة شعبنا – قيام هذه الأجهزة في عملية أمنية مشتركة مع قوات الاحتلال بإحباط عملية كبيرة ضد العدو كان يخطط لها الشبان الثلاثة؛ باسل محمود الأعرج ومحمد عبد الله حرب وهيثم سياج, الذين اختفت آثارهم منذ ما يزيد على 10 أيام، وتم اعتقالهم في منطقة جبلية بمحيط قرية عارورة قرب رام الله، وبحوزتهم قنابل يدوية وأسلحة.

( قالها ناجي العلي: ما هو المدهش في الأمر .. عندما يتخلى المرء عن كونه فلسطينيـًا فيجب أن نتوقع منه كل شيء)

 وفي صورة أخرى للحالة المأساوية التي تعيشها الساحة الفلسطينية قام محمود عباس  بوقف مخصصات الجبهة الشعبية من الصندوق القومي الفلسطيني، وذلك رداً على وصف الجبهة  لممارسات ” التجبر والتفرد  من عباس” في القرارات في الساحة الفلسطينية، حيث عطل قرار المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية بإيقاف التنسيق الأمني مع الاحتلال، وأنه وأجهزته ما زالا يمارسان التنسيق، و”التعزية بالضابط الصهيوني رئيس الإدارة المدنية بالضفة، وتفتيش المدارس والحديث في الإعلام الصهيوني عن العثور على سكاكين في حقائب الأطفال واتهامهم بالإرهاب، والكثير من الممارسات التي أخذت طابع التفرد بتشكيل المحكمة الدستورية واللجنة المركزية للانتخابات، وتعيين النائب العام، وطالبت عباس بالاستقالة من رئاسة اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، لأن هذه المنظمة تمثل كل الشعب الفلسطيني.

 رباح مهنا؛ عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية وصف قرار عباس بالغباء، وإنه ينم عن عدم إيمان عباس بالديمقراطية، وجهله بأن الجبهة الشعبية لا تُبتز بالمال، والقرار تكريسٌ لسياسة عباس في الخطأ والخطيئة، وتفرده في القرار، واستمرار لنهجه المنحرف عن الخط الوطني، وعدم ديمقراطيته.

(هل يعرف قادة الجبهة الشعبية أن عباس قد حرم أكثر من خمسين ألفا من المجاهدين والموظفين من رواتبهم في غزة تحقيقا لسياسة التجويع التي يمارسها العدو الاسرائيلي؟)

ويتساءل الشعب الفلسطيني الذي عاش لسنوات طويلة من الضياع السياسي والاقتصادي وفقدان الثقة بالقيادة، وينظر إلى ضعف هذه القيادة ورئيسها كسبب رئيس في هذا الضياع الخطير والانزلاق بالقضية الفلسطينية نحو مزيد من السقوط المتتالي: إلى متى؟

إلى متى وعباس ليس لديه ما يقدمه للشعب سياسيا، أو اقتصاديا، ولا يملك إلا الضعف المزمن والتهاوي المستمر بالقضية الفلسطينية إلى الهاوية؟

والسؤال المحير الذي لا نجد له تفسيرًا منطقيـًا:

لماذا لم تخرج الجماهير الفلسطينية في مظاهرات غاضبة ضد الفاسدين والمفسدين في السلطة الذين أصبح المشهد الفلسطيني في وجودهم حالة من القهر والبؤس والكمد والغم والحزن والفقر المختلط بمهرجان نهب الوطن وتدمير اقتصاده وطمس هويته النضالية الممتدة على مدار قرن من الزمان؟

ما الذي دهاك أيها الشعب المجاهد وجعلك مسالمـًا خانعـًا مستكينـًا صامتـًا أمام ثلة من اللصوص والمحتالين والقتلة وأباطرة الفساد الذين يمارسون بغاء الفعل والقول، ويحللون الحرام ويحرمون الحلال، ويلمعون الاحتلال؟!

كيف نقرأ هذه اللامبالاة والخنوع والخضوع بين أبناء شعبنا على الذين قايضوا الوطن بثراء الفاسدين والمفسدين، وعلى طحالب الفساد والمتسلقين والانتهازيين والوصوليين والمنـتفعين الذين جعلوا من الوطن بقرة حلوبا؟!

كيف سكت الشعب على هذا ” الطابور الخامس ” من الأفاقين والمنافقين ومعدومي الضمير وفاقدي الانتماء والكرامة الذين فضلوا المتاجرة بدماء شعبهم وقضية أمتهم ووطنهم؟!

أسئلة قد نجد لها الإجابة الشافية من هذا الشعب الصابر المجاهد الذي قدم خيرة أبنائه في ” ثورة السكاكين ”  ليخرج ولد واحد ــ واحد فقط ــ شبعان من حليب أمه ورويان  ــ كما يقول المثل الفلسطيني ــ  ينزع من روزنامة تاريخ الشعب الفلسطيني ورقة هذه السلطة، فتزول وأصحابها، ولا يبقى في الذاكرة الوطنية إلا نقطة سوداء صغيرة توحي بالعبر الكبيرة!

شاهد أيضاً

فهمي هويدي يكتب : سوريا: من الخوف إلى القلق

لأن الحدث السوري ذكّرنا بأشواق الربيع العربي وعثراته، فإننا نتمنى له أن يكون أفضل حظًا؛ …